Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفجوة تتسع في كردستان و"تلويح" باللجوء إلى بغداد

وزير المالية "معتكف" احتجاجاً على أزمة السيولة و5 مستشفيات تعلق خدماتها جراء شح الأدوية

يأتي تأزم الأوضاع في إقليم كردستان على خلفية تفاقم الخلافات بين الحزبين الحاكمين "الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني" (أ ف ب)

تشهد أزمة "الاستحواذ" على الإيرادات في إقليم كردستان تصعيداً في الاتهامات بين القوى الحاكمة، في ظل تفاقم أزمة المرتبات والإضرابات وشح الأدوية بمحافظة السليمانية، فيما لوّح قطب رئيس في الحكومة باللجوء إلى خيار الاتفاق مع بغداد "من طرف واحد"، وسط محاذير من اتساع الفجوة بين الحزبين الحاكمين.

ويواصل الموظفون في عدد من مؤسسات القطاع العام بالسليمانية إضرابهم عن العمل، في وقت تشهد المحافظة تظاهرات شبه يومية، احتجاجاً على التأخير في دفع المرتبات، والارتفاع غير المسبوق في أسعار الوقود، وشح الأدوية لدى المستشفيات الحكومية.

ويأتي تأزم الأوضاع في الإقليم على خلفية تفاقم الخلافات بين الحزبين الحاكمين، "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني صاحب النفوذ في محافظتي أربيل ودهوك، و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني المتنفذ في نطاق محافظة السليمانية وتوابعها، في ضوء صراعهما الدائر على منصب رئاسة الجمهورية، في وقت امتد الخلاف ليهدد بتأجيل الانتخابات النيابية الكردية المقررة في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إثر التقاطعات على قانون ومفوضية الانتخابات.

أزمة مفتعلة

رئيس اللجنة المالية النيابية عن كتلة "الاتحاد" زياد جبار، كشف عن أن "وزير المالية أوات شيخ جناب (عن حركة التغيير) معتكف في البيت، ولدي معلومات بأنه لن يعود إلى أداء مهماته، التي يتولاها بالوكالة حالياً وزير الإعمار دانا عبد الكريم"، مبيّناً أن "صرف المرتبات هو قرار الحكومة وليس الوزارة، والأموال اللازمة للمرتبات متوافرة، والحكومة باستطاعتها البدء بصرفها الآن، لكنها تتنصل من ذلك"، إلا أن الوزير عبد الكريم نفى الادعاءات بكونه يمارس مهمات وزير المالية بالوكالة، واتهم جبار حزب بارزاني "بممارسة الضغوط على السليمانية، في حين أنها تسهم عبر إيراداتها في دعم المرتبات والمشاريع، ولم يتبقَّ شيء اسمه أزمة مالية، ويعمل هذا الحزب أيضاً على عرقلة تعديل قانون الانتخابات بغية تأجيل الانتخابات المقبلة".

النائب عن كتلة "التغيير" بلين إسماعيل، أقرّ في تصريحات بأن "الوزير جناب منذ شهر ونصف الشهر يرفض ممارسة مهماته، احتجاجاً على ما يجري من تلاعب في الإيرادات وزجها في الخلافات السياسية"، مبيّناً أن "جناب لن يعود طالما سيستمر الوضع على هذا الحال، وطالب حزبه بأن يختار بديلاً عنه".

اختفاء الأموال

من جهته، رد النائب عن كتلة حزب بارزاني ملا جهاد حسن على تصريحات جبار، بالقول إن "الوضع في السليمانية لن يتحسن طالما هناك من يسرق إيرادات المعابر والمؤسسات والمصارف، بما فيها حصتها من الإيرادات العامة التي ترسلها أربيل"، وأردف "ما هو مستغرب أن القوى السياسية في السليمانية صامتة، وإذا ما تحدثت، فإنها تهاجم الحكومة ولا تسأل عما فعله المسؤولون في المحافظة".

وعزا حسن أسباب شح الأدوية في مستشفيات السليمانية إلى "ما يجري من سرقة للإيرادات، بدليل أن ديوان الرقابة المالية تفقد مديرية الصحة في منطقة حلبجة وتبيّن أن هناك اختفاء للأموال وحصلت سرقات"، منوّهاً إلى أن "الأدوية في أربيل ودهوك يتم شراؤها من إيرادات المحافظتين، ولا يجوز أن يسلب أشخاص من حزب ما كل إيرادات السليمانية، ثم يطالبون بقية المحافظات بأن تسد العجز الحاصل لديهم". 

شح في الأدوية

وكان نائب المدير العام لصحة السليمانية هيرش سليم، أعلن أن حكومة الإقليم "لم ترسل أية أموال لمديريتنا منذ سبتمبر (أيلول) من العام الماضي"، وأوضح "في السابق، كانت الحكومة تؤمن الأدوية للمحافظة بنحو 30 في المئة، وهذه أيضاً توقفت، بينما نحتاج شهرياً إلى مليار و600 مليون دينار لتأمين الأدوية والمستلزمات الطبية"، محذراً من أن "القطاع الصحي في المحافظة مهدد بالانهيار، وقد نضطر في النهاية إلى الاستسلام ولن يبقى بإمكاننا فعل شيء".

إلى ذلك، أكد الناطق باسم المديرية العامة للصحة في المحافظة سامان شيخ لطيف، أن "خمسةً من المستشفيات علّقت خدماتها بالفعل جراء شح في الأدوية والمستلزمات الطبية".

وزير الصحة سامان برزنجي، علّق في تصريحات على شح الأدوية، قائلاً إن "الأسباب تكمن في أن شركات الأدوية تواجه إشكالات في صرف صكوكها نتيجة لعدم توافر السيولة، وتم تشكيل لجنة بعضوية الجهات المعنية للتحقيق في المشكلة، لكون الحكومة خصصت الأموال اللازمة لصحة السليمانية، لكن السيولة غير متوافرة في المصارف"، منوّهاً إلى أن "الحكومة تدفع شهرياً أكثر من مليار دينار لمواجهة جائحة كورونا في السليمانية، فضلاً عن أكثر من ملياري دينار لشراء الأدوية، وكذلك 450 مليوناً لمستشفى القلب، و700 مليون لمستشفى هيوا، ومجموع هذه الأموال يصل إلى أربعة مليارات، عدا المرتبات ورسوم الكهرباء والوقود". 

تحذير من التداعيات

أعلن محافظ السليمانية هفال أبو بكر، خلال مؤتمر صحافي، أن "جميع إيرادات الإقليم يتم تحويلها إلى وزارة المالية، لكن عملية الصرف تتم بأمر من مجلس الوزراء، وعلى الرغم من أن إيرادات السليمانية تفوق نفقاتها، لكنها أصبحت ضحية أزمة السيولة وتعاني في تسيير أبسط الأمور"، لافتاً إلى أن "ما نشهده اليوم لم يحدث منذ عام 1991، ونأمل في أن لا تنعكس الأزمة السياسية على الأوضاع عموماً، عبر التحكم بالأموال العامة". وحذّر من "أزمة خطيرة يواجهها القطاع الصحي في المحافظة على الرغم من أن هناك تحسناً في الإيرادات إثر ارتفاع أسعار النفط ناهيك عن تزايد حجم الإيرادات الداخلية".

واتهمت القناة الرسمية لحركة "التغيير" رئيس الحكومة مسرور بارزاني، بـ"الوقوف وراء عدم صرف مرتبات شهر مارس (آذار) على الرغم من توافر السيولة". وسارع مجلس الوزراء بالردّ على الاتهامات، وقال إنها "عارية عن الصحة، لأن حركة التغيير مشارك رئيس في الحكومة وتدير وزارة المالية، لذا ننتظر من قيادة الحركة أن تبيّن موقفها من هذه الاتهامات، وإذا لم تفعل فإننا سنقدم توضيحات حول عملية صرف المرتبات والعقبات التي تعتري عملية الصرف".   

وفي السياق ذاته، شددت الحركة "الإسلامية" في بيان على أن "الحكومة لم يعُد لها أية أعذار لصرف المرتبات، لأن سعر النفط يتجاوز اليوم مئة دولار لكل برميل، والحكومة الاتحادية أرسلت السلفة الشهرية البالغة 200 مليار دينار، والتقارير الرسمية في الإقليم تشير إلى زيادة كبيرة في الإيرادات النفطية وغيرها، التي تصل إلى مليار دولار شهرياً، لكن الحكومة لا تقدم أي توضيح عن أسباب عدم صرف مرتبات شهر مارس، في حين يفترض أنها تُصرف في مواعيدها المعتادة في 25 من كل شهر". 

وأعرب 21 نائباً في بيان عن أسفهم من "استمرار أزمة المرتبات على الرغم من تحسن الإيرادات، وفي الوقت ذاته نستغرب من عدم استجابة الحكومة لإيجاد حلول لمشكلات المواطنين"، وأكدوا أن "تعليق جلسات البرلمان من قبل هيئة رئاسته، يعقّد الوضع، كيف يمكن تعطيل المؤسسة الوحيدة التي تمثل الشعب بأعذار واهية، في وقت يعاني المواطن من أوضاع مزرية"، وختموا بيانهم بإدانة السياسة الخاطئة للحكومة، وطالبوا بالإسراع في عقد الجلسات والاستجابة لمطالب المواطنين والمحتجين.  

تلويح باللجوء إلى بغداد

القيادي في حزب "الاتحاد" بيستون سابوراوايي، قال لوسائل إعلام إن "المناطق التي يحظى فيها حزبنا بنفوذ أكبر تتعرّض لغدر من قبل الحكومة، وواضح أن حزب بارزاني يتعمّد خلق أزمات للسليمانية"، وحذر من وصفهم بـ"أخوتنا في أربيل (في إشارة إلى حزب بارزاني)"، من أن "مواصلتهم في عدم الاتفاق معنا، فإننا سنذهب للجلوس مع أخوتنا العرب في بغداد، فليس عيباً في أن نستجدي من أجل مصلحة وكرامة شعبنا، وقد نضطر إلى اتفاق حتى مع دولة أخرى. نحن لا نريد من أبناء اليوم أن يفقدوا حياة مزيد من آبائهم وأجدادهم في انتظار طوابير استلام مرتبات التقاعد". ووعد سابوراوايي شعب الإقليم "بعدم قبول هذه المذلة، وسنكون أكثر حدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ الـ20 من مارس الماضي، توفي خمسة من المسنين المتقاعدين، أربعة منهم في السليمانية وواحد في قضاء تابع لأربيل، جراء الوقوف في طوابير مزدحمة، وبعضهم يضطر للذهاب إلى المصارف منذ ساعات الفجر الأولى لحجز مكان متقدم في الطوابير.

لكن الملا بختيار، أحد أبرز القادة القدامى في حزب طالباني، وجّه انتقادات حادة لأداء حزبه في مناطق نفوذه، وقال في منشور عبر "فيسبوك"، إن "إقليم كردستان منقسم على منطقتين متناقضتين، مثلاً في دهوك وأربيل نرى شوارع حديثة ذات اتجاهين. وفي السليمانية، فإن الشوارع الرئيسة الرابطة بين مختلف المناطق تظهر أنها ذات اتجاه واحد وأصبحت تُسمّى بطرق الموت، في حين أن عدد نقاط الجمارك في السليمانية يفوق مثيلاتها في أربيل ودهوك، كما أن إيرادات النفط والغاز فيها تكفي لجميع المشاريع، وتشهد المنطقة أيضاً تجارة نشيطة، وعلى الرغم من ذلك معظم المشاريع معلقة ولا تؤمن المرتبات. ولقي خمسة من الشباب الرياضيين أخيراً حتفهم في حادث مروري، كانوا ضحايا سياسة تفتقر إلى استراتيجية بناء سليمة".

حكم الإدارتين

ويرى النائب علي محمد صالح أن السليمانية "تتعرض لحصار محكم"، وقال إن "الحزبين الحاكمين يعاقبان المواطن، من خلال تعطل المشاريع والخدمات العامة، وما يجري من صراع بين القوى السياسية لا ينعكس عليها سلباً بقدر ما ينعكس على الشعب". وحذر من أنه مع "استمرار الأزمة، فإن الحل الأخير يكمن في فصل الحكم القائم بين إدارتين منفصلتين، لأنه على الأقل سيعلم المواطن حينها من هو الطرف المذنب".   

وأعلن القيادي في حركة "التغيير" المنضوية في الائتلاف الحكومي جومان محمد علي أن الحكومة "هي السبب في هذه الأزمة لأسباب عدة، منها أن عملية صرف المرتبات تتجه للانهيار، وهذا فشل في الواقع"، وزاد "كما أن هذه الحكومة لا تملك إرادة لوضع الحلول، وقوى السلطة لا تريد من أي طرف آخر أن يتخذ موقفاً، وواضح أن هذا الحكم غارق في الظلم والفشل، وأي طرف يحاول الدفاع عنه فإنه سيكون مسؤولاً أمام الله والشعب والتاريخ". 

في المقابل، قالت عضو اللجنة المالية عن كتلة "الديمقراطي" ليزا فلك الدين كاكائي إن "إيرادات السليمانية للشهر الحالي تم الاستيلاء عليها مرة أخرى، فمن خلال متابعتي تبيّن اختفاء مليار و400 مليون دينار من أحد البنوك كانت مخصصة لمستشفى هيوا الخاص بأمراض السرطان"، ولفتت إلى أن "أسباب اعتكاف وزير المالية يعود إلى عدم تطبيق قرار صدر عنه في وقت سابق ينص على تعليق مهمات مدير البنك المركزي في السليمانية من أجل منع عملية الاستلاء على الأموال في المصارف، ولم يُطبّق القرار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير