Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الولايات المتحدة تفكك أركان إمبراطوريتها

محلل سياسي سعودي يقول إن أميركا تفشل في المنطقة وتنحاز إلى إيران بينما تفرط عقد آخر 70 سنة من النظام الإقليمي

تسعى إدارة بايدن لإبرام اتفاق نووي مع إيران في خطوة تتعارض مع مصالح حليفتها السعودية (رويترز)

تمر العلاقات السعودية - الأميركية بأزمة. وبصفتي سعودياً تلقى دراسته الجامعية في الولايات المتحدة، ويحب أميركا ويريد أن يراها قوية، أشعر بانزعاج متزايد إزاء عدم واقعية المناقشة الأميركية حول هذا الموضوع، والتي كثيراً ما تفشل في الاعتراف بمدى عمق الصدع وجديته [فداحته].

ينبغي أن تركز مناقشة أكثر واقعية على كلمة واحدة: "الطلاق". عندما فاوض الرئيس باراك أوباما إيران على الاتفاق النووي، فهمنا نحن السعوديين أنه يسعى إلى إبطال زواج دام 70 سنة.

كيف لا يمكننا ذلك؟ ذلك أن العيوب التي تشوب الاتفاق معروفة جيداً. هو يمهد الطريق أمام إيران لصنع قنبلة نووية. وهو يملأ بالمال الصندوق الحربي التابع لفيلق حرس الثورة الإسلامية في إيران، الذي نشر في مختلف أنحاء العالم العربي ميليشيات مسلحة بالذخائر الموجهة بدقة لاستهداف وقتل الأشخاص الذين كانوا يتطلعون سابقاً إلى أميركا للمساعدة في ضمان سلامتهم.

في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، انضم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى مؤتمر في النقب استضافه وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد وحضره عدد من وزراء الخارجية العرب. واستخدم بلينكن هذه المناسبة لإخفاء الصدع الذي تسبب به الاتفاق النووي من خلال تقديم صورة للتضامن الإقليمي، لكن المنطقة لم تنخدع.

والاتفاق، الذي رُوِّج له على نحو غير بارع أمام الرأي العام الأميركي باعتباره اتفاقية للحد من التسلح، يُعَد اعتداء على النظام الإقليمي الذي أنشأته الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. والاتفاق، المعادي بصراحة للمملكة العربية السعودية، ناهيك عن حليفة أميركا الكبرى الأخرى في المنطقة، إسرائيل، يحل محل البنية الأمنية الإقليمية السابقة بقيادة الولايات المتحدة نظاماً توافقياً تصبح فيه إيران، بدعم من روسيا والصين، المتعاقد الجديد مع أميركا في حين تُنزَل رتبة حلفاء أميركا السابقين – دول الخليج وإسرائيل – إلى درجة ثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي صدارة الأهمية، يرى واضعو الاتفاق أنه يخرج الولايات المتحدة من مسألة احتواء إيران، التي عززت هجماتها على السلام والاستقرار الإقليميين في رد على ذلك.

ونهار الجمعة الماضي، بينما كان بلينكن يستعد لرحلته إلى كيبوتس ديفيد بن غوريون القديم، سديه بوكير، شنت ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران هجوماً صاروخياً على منشآت لـ"أرامكو السعودية" في جدة. ولم يكن هذا الهجوم سوى الهجوم الأخير في سلسلة طويلة من الهجمات الوقحة التي شنتها إيران، سواء في شكل مباشر من أراضيها أو في شكل غير مباشر من خلال وكلاء.

في ظل إدارتي أوباما وجو بايدن، قُوبِلت الاعتداءات الإيرانية بمطالبات أميركية بـ"التهدئة" وإلقاء اللوم تكراراً على المملكة عن نزاع لم نسعَ إليه مع إرهابيين قابعين على حدودنا وتدعمهم إيران – وهي قوة أجنبية تعدها إدارة بايدن بإثرائها بمئات المليارات من الدولارات في إطار تخفيف العقوبات. وستستفيد روسيا أيضاً من تخفيف للعقوبات، وهو ما من شأنه أن يذهب بلا شك إلى تمويل حربها في أوكرانيا.

لم تمر فترة طويلة منذ كانت الولايات المتحدة تقدم نفسها أمام حلفائها باعتبارها درعاً يحتمون به من الأطراف الفاعلة كلها التي سعت إلى فرض هيمنتها الإقليمية. وكان شعار التحالف الدفاع الجماعي.

ولم تكن ذريعة "التوازن" التي طرحها أوباما لتبرير الاتفاق ذات معنى يعتد به. ذلك إذا وعد أحد الأصدقاء "بموازنة" احتياجاتكم مع احتياجات أعدائكم، من الإنصاف الاستنتاج بأنه لم يعد مهتماً كثيراً بكونه صديقاً لكم.

وبدلاً من الصداقة، تبدو أميركا أكثر ميلاً إلى استخدام أصدقائها القدامى كدروع بشرية لإيران. وفي وقت سابق من هذا الشهر، عندما شنت إيران ضربة صاروخية باليستية بالقرب من القنصلية الأميركية في أربيل بالعراق، زعمت على نحو زائف أنها كانت تستهدف منشأة إسرائيلية. ثم أكد مسؤول كبير في إدارة بايدن الزعم الإيراني. وفي حين نفى مسؤولون آخرون ذلك في ما بعد، كان الضرر قد وقع. لقد ساعد مسؤول أميركي بتصرفه طهران على الاستفادة إلى أقصى حد من دعايتها.

وبالنسبة إلى الدول العربية في المنطقة، ولا سيما المملكة العربية السعودية، كان هذا المشهد الغريب مدعاة تعلم [استخلاص العبر]. إذا لم يكن الأميركيون إلى جانب إسرائيل ضد إيران، فما هي فرصة وقوفهم إلى جانبنا؟

وفي هذه الأيام تصور الولايات المتحدة الردع العسكري الموجه إلى إيران باعتباره منحدراً زلقاً إلى الحرب – بالنيابة عن "حلفاء غير ممتنين". وفي حين أن هذا الموقف أكثر انتشاراً بين الديمقراطيين، فشل الرئيس دونالد ترمب أيضاً في مساعدة الرياض على ردع إيران بعد الهجوم على مصفاة أبقيق في سبتمبر (أيلول) 2019. ففضلاً عن تصريحاته في شأن اعتزامه مغادرة الشرق الأوسط، كان هذا التخلي عن الردع سبباً في جعل السعوديين يشككون في ما إذا كان الجمهوريون أيضاً لا يستهدفون الطلاق.

لكن إصرار إدارة بايدن على إحياء الاتفاق النووي الإيراني هو الذي أقنع السعوديين بأن أميركا عازمة على تفكيك النظام الإقليمي الذي أنشأته، بصرف النظر عن الشياطين التي قد يطلق ذلك العنان لها.

يبدو ألا شيء قد يصرف البيت الأبيض عن هدفه. فأثناء المفاوضات في فيينا تزايدت الهجمات من جانب إيران وقاحة. حتى الهجوم الذي شنه وكلاء لإيران على القوات الأميركية في منطقة التنف بسوريا والهجمات المتكررة على السفارة الأميركية في العراق لم تصرف بايدن من هدفه المتمثل في تسليم مئات المليارات من الدولارات إلى فيلق حرس الثورة الإسلامية.

إن عدم اتساق هذه السياسة أمر مذهل، كما هي الحال بالنسبة إلى حجم الدمار البشري والاقتصادي الذي أحدثته بالفعل على مدى العقد الماضي.

في الرياض، لم يُنسَ أن الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2014 [ضم شبه جزيرة القرم] جاء في أعقاب صعود تحالف روسي- إيراني في سوريا سوّى بالأرض أغلب المدن الكبرى في ذلك البلد ومنح موسكو قاعدة عسكرية في شرق البحر المتوسط – ما عزز موطئ قدم روسيا الأول في الشرق الأوسط منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.

وحين احتج السعوديون على سلبية أوباما [موقفه السلبي]، قال لهم إنهم لا بد من "أن يتعلموا كيف يتقاسمون المنطقة مع إيران". وإذ يطالب بايدن المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاج النفط للمساعدة في دعم الحملة ضد روسيا في شأن أوكرانيا، لا يفوت حلفاء أميركا في المنطقة الآن أنه يمنح روسيا إعفاءات من العقوبات حتى تتمكن من الاستمرار في ضمان الاتفاق النووي مع إيران الذي ساعدت في التوسط في شأنه – جزئياً من خلال إدارة احتياطيات إيران من اليورانيوم وحماية منشآتها النووية الواقعة تحت الأرض والممتلئة بأجهزة الطرد المركزي غير القانونية التي تنتج مواد لتصنيع الأسلحة.

لماذا على حلفاء أميركا في المنطقة أن يساعدوا واشنطن في احتواء روسيا في أوروبا في حين تعزز أميركا قوة روسيا وإيران في الشرق الأوسط؟

يتمثل الافتراض التوجيهي الأميركي هنا، إذا وُجِد، في أن حلفاء البلاد الإقليميين القدامى ليس لديهم خيار غير تناول كل ما يقدم لنا على الإفطار، وتناوله مرة أخرى على الغداء. وهذا الافتراض متغطرس وضال.

على رغم أن السياسة الأميركية تكتنفها تناقضات محيرة، تُعَد السياسة الصينية بسيطة ومباشرة. فبكين تعرض على الرياض صفقة بسيطة: بيعوا لنا نفطكم واختاروا أي معدات عسكرية ترغبون في الحصول عليها من قائمتنا؛ في المقابل، ساعدونا في تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية. بعبارة أخرى، يعرض الصينيون ما يبدو على نحو متزايد وكأنه نموذج يحاكي الاتفاق الأميركي- السعودي الذي حقق استقرار الشرق الأوسط طيلة 70 سنة.

والأمر غير الواضح حتى الآن هو ما إذا كان بوسع الصينيين أن يساعدوا في ردع إيران، أو ما إذا كانوا يشاركون الأميركيين الاعتقاد بـ"التوازن". لكن شي جينبينغ سيزور الرياض في مايو (أيار). ومن المؤكد أن يسأله الزعماء السعوديون ما إذا كان قصف إيران بالصواريخ المنشآت النفطية في البلد المنتج للنفط الأكثر جدارة بالثقة في العالم يصب في مصلحة الصين، وإذا لم يكن كذلك، هل تستطيع بكين وقفه؟

الكاتب رئيس تحرير موقع "العربية إنجليزي"

المزيد من آراء