Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير الاقتصاد اللبناني: الحلول المعتمدة لأزماتنا ترقيعية

قال أمين سلام لـ"اندبندنت عربية" أنه "لا بد من بلوغ مرحلة إنهاء الدعم على أي سلعة في بلدنا وفتح الأسواق على المنافسة"

تعصف بلبنان في السنوات الأخيرة أكبر أزمة اقتصادية في تاريخه، ما انعكس بوضوح على الوضع المعيشي الذي يتردى أكثر فأكثر مع مرور الوقت، عوضاً عن أن يشهد اللبنانيون تحسناً بفضل معالجات مستدامة، كما يأملون. ونتيجةً للوضع الاقتصادي المتردي، تتوالى الأزمات ويبدو للمواطن أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم. ولعل الارتفاع الجنوني للأسعار، في غياب الرقابة الفاعلة، ينعكس بقوة على لقمة عيش الناس، فأصبحت نظرتهم سوداوية في ظل غياب المعالجة الجدية ونظراً للفوضى التي تعم مختلف القطاعات في البلاد.
وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام تحدث إلى "اندبندنت عربية"، عن تلك المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، مشدداً على أن العوائق كثيرة أمام وزارة الاقتصاد، على الرغم من المساعي الجدية التي تُبذل. ولفت إلى أنه "يتم العمل بجدية على استبدال تلك الحلول الترقيعية التي فرضتها المرحلة السابقة بحلول مستدامة تضمن الخروج التدريجي للبلاد من الأزمة".

إمكانيات محدودة والعوائق كثيرة

وقال سلام، "لا يخفى على أحد أن إمكانيات كافة الإدارات العامة، ومن ضمنها وزارة الاقتصاد، جدّ محدودة إلى حد يصعب تصوره. أما الدور الرقابي للوزارة فيواجه صعوبات، إلا أننا استطعنا، على الرغم من هذه التحديات، أن نوجد حلولاً أكثر فاعلية عبر اللجوء إلى الإجراءات القضائية. فلم يكن ممكناً الاكتفاء بالدور الرقابي وتسطير محاضر ضبط يتهرب من سدادها كثر من دون أي محاسبة". وأضاف "مع اكتشاف نقاط الخلل، استطاعت وزارة الاقتصاد، تسريع العملية الرقابية بدءاً من توزيع المراقبين لتغطية مختلف المناطق اللبنانية، الأمر الذي لم يكن يحصل سابقاً. انطلاقاً من ذلك، لم يعد أحد مستثنى من المحاسبة، من أصغر التجار إلى أكبرهم، سواء من قبل النيابة العامة المالية أو النيابة العامة التمييزية بحسب ما إذا كانت هناك مخالفات أو عدم وضوح وتحايل على الدولة ومحاولات غش من حيث هوامش الأرباح والتقيد بها".
وتابع سلام، "كما أن التصعيد الأكبر للوزارة كان بإشراك النيابة العامة المالية التي استدعت تجاراً وأصحاب سوبرماركت وتم التحقيق معهم وفتح ملفات ليتدخل القضاء حيث تعجز الوزارة عن ذلك".
النزول إلى الميدان
وكشف وزير الاقتصاد أنه تعمد التجوال شخصياً في المناطق لإجراء عمليات التدقيق وليشعر المواطنون بالثقة بأن الوزارة تقف إلى جانبهم. ولفت إلى أنه "لولا كل الجهود التي تبذلها الوزارة لكان الوضع كارثياً أكثر بعد، ولكان سعر ربطة الخبز قد أصبح خيالياً"، مؤكداً أنه سعى دوماً إلى الحفاظ على سعر مقبول لربطة الخبز، نظراً لاعتبارها "لقمة الفقير، فعلى الأقل، هي لا تزال مدعومة ولا يُسمح أن يرتفع ثمنها مع ارتفاع سعر الدولار، فيما قد يختلف الوضع تماماً مع رفع الدعم. لذلك، في حال رُفع الدعم لا بد من إيجاد الحلول لسد الثغرات، حتى لا تتكرر أخطاء الماضي كما حدث ويحدث مع رفع الدعم عن المحروقات".

سلة غذائية في الأعياد

وساعدت الجولات المستمرة لفرق الوزارة بهدف التدقيق في الأسواق اللبنانية، بحسب الوزير، "على الحفاظ على أسعار البضائع في السوبرماركت ضمن هامش محدد وإلا لكانت الأسعار ارتفعت بمعدلات خيالية عندما بلغت تسعيرة الدولار 33 ألف ليرة لبنانية أو أكثر". وأضاف "بعد التدقيق، تأكدنا أن الأسعار انخفضت بنسبة 20 أو 30 في المئة في مختلف المتاجر والمناطق. وذلك بموازاة انخفاض تسعيرة الدولار حتى ولو كان المواطن يشكك في ذلك. علماً أن التدقيق في هوامش الربح وفي لوائح الأسعار الخاصة بالتجار ليس بالأمر السهل، إذ تبقى هناك مخالفات، لكننا نتدخل مباشرة عند التبليغ عنها. أما محلات السوبرماركت الكبرى، فليست محمية أبداً كما يقول البعض، بل على العكس أجتمع أسبوعياً مع النقابة الخاصة بها وأطالب بلوائح الأسعار، وقد شددت على ضبط أسعار المواد الأساسية. وبشكل خاص في فترة الأعياد وشهر رمضان المبارك، شددتُ على العمل على سلة غذائية يتم ضبط أسعارها حرصاً على مصلحة المواطن، وإن لم يكن ذلك في إطار واجباتنا، وليس لنا أن نفرض البيع بأسعار محددة".

الحل الفعلي قريب مع قانون المنافسة
في السياق، وتماماً كما في مختلف القرارات المتخذة لمعالجة الأزمات التي تُغرق المواطن اللبناني أكثر فأكثر، يقر الوزير سلام أن "كل هذه الحلول تُعتبر ترقيعية، على الرغم من أهميتها في المرحلة الحالية. لكن لا يمكن التعويل عليها للتخفيف من الأعباء على المواطن وإنقاذ البلاد على المدى البعيد، خصوصاً أنه يوجد في البلاد 22 ألف سوبرماركت ويستحيل على الوزارة ومراقبيها، مهما بذلوا من جهود، إنجاز ما يلزم لضبط الأمور بهذه الطريقة والاستمرار بهذه الملاحقات. ففي دراسة أجرتها وزارة الاقتصاد تبين أن مراقبة هذا العدد من السوبرماركت، إضافة إلى محطات الوقود والمولدات الكهربائية في البلاد، يتطلب 4 سنوات، ما يستحيل القيام به في بلد كلبنان، خصوصاً بهذه الإمكانات المحدودة. ففي كل القطاعات ثمة مشكلة كبرى لا يمكن حلها بهذه الطريقة وبالمعالجات الترقيعية. لا يمكن أن تظهر النتائج الفعلية إلا من خلال الإصلاحات التشريعية التي تساعد على خفض الأسعار. فالحل يكمن في قانون المنافسة الذي يُعتبر قانوناً إصلاحياً تم إقراره ووقعه رئيس الجمهورية، الأسبوع الماضي، وستبدأ وزارة الاقتصاد تطبيقه خلال أسابيع قليلة. وقد أكدت كافة الدراسات من المنظمات العالمية أنه عندما يُفعَّل بشكل صحيح وتتم فيه المحاسبة فعلاً، يسمح بخفض الأسعار بنسبة 20 إلى 40 في المئة، من خلال وقف احتكار التجار. هذا، إلى جانب قانون حماية المستهلك الذي تُعدَّل حالياً بعض مواده المتعلقة بمحضر الضبط مثلاً، لأن قيمته لم تعد منطقية اليوم. ويُفترض أن يسهم القانونان معاً في إيجاد حلول لضبط السوق وخفض الأسعار، خصوصاً في حال حصول توازن واستقرار في سعر الدولار".
واعتبر سلام أنه "في ذات الوقت، يجب ألا تغيب البلديات، وعددها 1055 في لبنان، نظراً إلى دورها الأساسي في مساعدة وزارة الاقتصاد في المجال الرقابي. إذ تتمتع بصلاحية قضائية وقانونية وهي مخولة وحدها بإقفال المحلات المخالفة وتسطير محاضر ضبط. أما وزارة السياحة فيجب أن تساعد مع الشرطة السياحية، في مراقبة المطاعم والفنادق، وأن تقوم بواجباتها لتخفيف الأعباء عن المواطن".

ارتفاع عالمي للأسعار ووعي المواطن

من جهة أخرى، وبعد الجائحة، ارتفعت أسعار السلع الأساسية والسلع الغذائية بنسبة 30 أو 40 في المئة في لبنان. كما أن تكاليف النقل البحري والجوي ترتفع مع ارتفاع أسعار المحروقات، ما انعكس أيضاً على أسعار السلع. وانطلاقاً مما سبق، أبلغ التجار وزير الاقتصاد بأن الحرب الروسية- الأوكرانية انعكست بشكل واضح على أسعار المواد الغذائية والشحن بحيث ارتفعت أسعارها أحياناً بنسبة 100 في المئة، بالاستناد إلى التقارير الدولية التي تؤكد ذلك. ومن الطبيعي أن ينطبق ذلك على السلع المستوردة في لبنان فترتفع أسعارها بشكل ملحوظ وبمعدل الضعف أحياناً، بغض النظر عن تسعيرة الدولار في البلاد.
وتعليقاً على ذلك، اعتبر سلام أن "على المواطن اللبناني أن يدرك ويعي ما يحصل عالمياً حتى لا يُفاجَأ بما سيشهده من ارتفاع كبير في الأسعار. تمنيت على التجار توضيح هذه الأمور للمواطنين بشفافية تامة ليشعروا بالثقة. فهذه المشكلة عالمية لا ترتبط بالوضع في للبلاد. كما شددت على ضرورة التقيد بالضوابط التي وضعتها وزارة الاقتصاد". وأضاف "تحاول الوزارة حالياً إيجاد الأسواق البديلة للحد من الأعباء على المواطنين بإيجاد بدائل أقل ثمناً. هي كثيرة ويتم العمل بجدية على توفيرها، خصوصاً بالنسبة إلى القمح الذي حصلت حالة هلع غير مبررة لاحتمال حدوث نقص فيه".
وأكد الوزير سلام أن "ما من أزمة قمح، كما يُحكى بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية. ففي لبنان مخزون يكفي لمدة شهرين، كما أن دولاً عدة أكدت للبنان أنها قادرة على تأمين حاجته من القمح التي لا تتخطى 600 ألف طن في السنة، وهي كمية صغيرة نسبياً. ثمة أسواق كثيرة غير روسيا وأوكرانيا، كالهند والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وأستراليا، وهي قادرة على تأمين كميات القمح التي يحتاجها لبنان. لكن يبقى التحدي الأكبر في أن هذه المواد لا تزال مدعومة، والسؤال المطروح هو إلى متى ستبقى الدولة قادرة على الاستمرار في دعمها؟ فلا بد من بلوغ مرحلة إنهاء الدعم على أي سلعة في لبنان وفتح الأسواق على المنافسة لاعتبار أن استمرار الدعم إلى ما لا نهاية لن يكون ممكناً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التمويل الخارجي والعوائق

بات واضحاً للجميع أن لبنان المنهار اقتصادياً لن يتمكن من النهوض والتغلب على الأزمة من دون دعم خارجي، وعلى الرغم من المساعي الحثيثة لتأمين الدعم، أكد الوزير سلام أن "دعم المجتمع الدولي يكون دائماً ضمن حسابات معينة، منها سياسية وإقليمية وجيوسياسية، لذلك لا يمكن أن يعول لبنان في مختلف المجالات، وتحديداً على صعيد الأمن الغذائي، على الدعم الدولي الذي يتبع هذه الحسابات. لا يمكن الاعتماد على ذلك حصراً على الرغم من المساعي لتوفير الدعم. لذلك، يتم التعاون مع وزارتَي الصناعة والزراعة للحد من الاعتماد على الاستيراد والسعي إلى سد حاجات البلاد ذاتياً، سواء بالنسبة للقمح عبر زراعته أو أي منتجات أخرى لاعتبارها من الحلول المستدامة التي يمكن أن تساعد البلاد على النهوض تدريجاً". وشدد على "أهمية سد نصف حاجة السوق على الأقل ويمكن زيادتها تدريجاً"، معتبراً أنه "كون لبنان من الأسواق الصغيرة، تظهر الدراسات أن بلدنا قادر على تحقيق اكتفاء ذاتي. والأهم هو الحد من الاستيراد وتطوير مختلف القطاعات والعمل على استغلال المساحات الواسعة من السهول الزراعية في البلاد".

أزمة المولدات

وبموازاة الأزمات والمشكلات التي تحفل بها الحياة اليومية للمواطنين اللبنانيين، تضاف فواتير الاشتراكات بالمولدات الكهربائية الموجعة والتي لا ترحم، فيما يرفض كثيرون من أصحاب المولدات الكهربائية تركيب عدادات لضبط كمية الصرف من قبل المواطنين. وكان وزير الاقتصاد قد ألزم أصحاب المولدات بتركيب عدادات على نفقتهم الخاصة، فمنهم مَن التزم، بينما رفضه كثيرون.
وفي هذا الصدد، قال وزير الاقتصاد، إنه قام بجولات في مختلف المناطق اللبنانية لكشف المخالفات، وعمل على أساس "الأصول الموجزة" التي تسمح بتنفيذ محضر الضبط في اليوم نفسه وإصدار حكم قضائي جزائي يمكن الوصول فيه إلى استبدال الغرامة بالحبس لمدة تصل إلى 3 أشهر بحق المخالفين. وقال "لم نستثنِ أي منطقة، لا سيما الضاحية الجنوبية لبيروت التي زرتها في جولتين على محطات الوقود وعلى أصحاب المولدات. وعلى الرغم من كل ما يُحكى بأن المحاسبة لا تطالها، لاحظت أن الالتزام فيها تخطى بمعدلاته، بعد هاتين الجولتين، مناطق أخرى لأن البلديات فيها تتحمل مسؤوليات التسعير والمراقبة. حتى أن الشكاوى منها توقفت، ما يؤكد أن الوضع تحسن هناك. أما الجولة المقبلة فستطال شمال لبنان، حيث إن أصحاب المولدات لا يرحمون المواطن أبداً في هذه المناطق التي تسجل أعلى معدلات فقر".

الدولار الجمركي عبء إضافي

وفي حين استُثنيت حالياً من ارتفاع الدولار الجمركي، كل السلع الغذائية والمواد الأساسية للحد من انعكاساتها السلبية على المواطن، كونه غير قادر على تحمل المزيد، يُتوقَع أن يؤثر رفع الدولار الجمركي على قطاعات معينة ترتبط بالكماليات والرفاهية، كالسيارات مثلاً. فمن يشتري سيارة في المرحلة المقبلة يتأثر حكماً. "قد لا تكون في طريقة تطبيق ذلك عدالة"، بحسب الوزير سلام، "إذ إن البعض يشتري سيارة للتنقل والذهاب إلى العمل، فإذا كان ثمنها 3 آلاف دولار قد يرتفع إلى 9 آلاف دولار أميركي مثلاً، وتُعتبر هذه الزيادة موجعة حكماً ولا مفر من ذلك. أما المشكلة الأساسية في أن السلطة في ممارساتها السابقة الخاطئة كلّها لم تسع إلى العمل على تأمين وسائل النقل العام لتخفيف تكاليف المواصلات على المواطنين".

المزيد من حوارات