Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تلويح بوتين بضغط الزر النووي يكشف كم بات موقفه حرجاً

تشير الدلائل إلى أن قوة بوتين تتضاءل، تماماً مثلما يفشل هجومه على أوكرانيا

بوتين يقوض أمن روسيا خلال عهده (أ ب)

إن كان ثمة أمر واحد يجب أن تتذكره عن الأسلحة النووية فهو أنك لا تستطيع استخدامها. لكن التلويح باستخدامها يخيف الناس ويدفعهم إلى تنفيذ ما تريده، إلا إذا كانوا يملكون هم أيضاً أسلحة نووية، الكثير منها في الحقيقة، ويحظون بحماية "مظلة نووية " بالحد الأدنى.

وبالتالي، لا داعي أن نقلق كثيراً من تهديد فلاديمير بوتين برفع جهوزية روسيا النووية كما لو كان على وشك أن يمحو شيكاغو أو باريس أو ربما نوتنغهام من عن وجه الأرض، واعتبار كما لو أن هذه المدن مدرجة في قائمة الأهداف التي سيقصفها الكرملين، على ما يبدو.

إنها استراتيجية الردع المعروفة بـ"ماد"، أي سياسة الدمار المتبادل المؤكد، وقد عاش العالم في ظلها بسعادة، وشيء من التوتر أحياناً، في معظم سنوات الحرب الباردة.

في تلك الحقبة، تتالت الأزمات وانتهت، فكانت أزمة الصواريخ في كوبا عام 1962، وحرب الحدود السرية الروسية - الصينية عام 1969، والغزو السوفياتي لأفغانستان عام 1979. لكن الأسلحة النووية لم تدمر العالم. وفي تلك السنوات غير المستقرة، أجري عدد من الدراسات الجدية في أوساط الجواسيس، والأكاديميين، والصحافيين ومحللي السياسة الخارجية أطلق عليها اسم "كرملينولوجي" (علم الكرملين). كان يجري مسح صحف غامضة تابعة للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي (الذي كان الغازي فلاديمير عضواً فيه) وقوائم التعيينات لرصد أي طرف سياسي يزداد نفوذه.

كان الأمر ضرورياً لا سيما في ظل غياب أي انتخابات، واعتماد الروس على مكافحة التجسس، وغياب أي صحافة حرة، والميل إلى الغموض على الصعد كافة. كان عليك إذاً أن تقرأ بين السطور. من الذين كانوا آخر "الأعضاء المرشحين" للمكتب السياسي الذين تمت ترقيتهم ليحصلوا على العضوية الكاملة؟ من أي مدينة أو دولة هم؟ من كان سعيد الحظ الذي وقف إلى جانب الأمين العام خلال العرض العسكري السنوي في الساحة الحمراء؟ لماذا تم إرسال وزير الخارجية لإدارة محطة كهرباء في تركمنستان؟ لماذا تم إرسال رجل الـ"كي جي بي" (جهاز الاستخبارات الروسية) السابق إلى وزارة الدفاع؟ وهكذا تمكن بعض المراقبين الدقيقي الملاحظة من رصد صعود ميخائيل غورباتشوف، وزير الزراعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اليوم، الوضع سيان إلى حد كبير. فثمة مؤشرات على تقهقر قوة بوتين تزامناً مع فشل هجومه على أوكرانيا. وكان بوتين قد دعا إلى مباحثات سلام مع الأوكرانيين من دون شروط مسبقة. الروبل ينهار والعقوبات الغربية التي أتت مدمرة بشكل غير متوقع بدأت تؤثر سلباً في الوضع. ويقوم بعض المشاهير من وزراء سابقين، ومسؤولين عسكريين، وشخصيات بارزة في الثقافة الشعبية بنشر انتقادات عبر تغريدات مشفرة وأخرى أقل تشفيراً. وخلافاً لأيام الاتحاد السوفياتي، تعكس التظاهرات اليوم فكرة أفضل عن الرأي العام. وينبغي لنا ألا ننسى على الإطلاق أن بوتين ليس محبوباً بالقدر الذي يدعيه، وأنه يتلاعب بالانتخابات أيضاً.

ومن هذا المنطلق، لقد فشلت الحرب التي يشنها في تحقيق أهم أهدافها الأساسية، ألا وهي إعادة إحياء التقارب التاريخي بين أوكرانيا وروسيا، وإضعاف حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجعله "يتراجع" إلى حدود عام 1997. عوضاً عن ذلك، كسب كراهية الشعب الأوكراني إلى الأبد، علماً أن الشعب الروسي يهمه الشعب الأوكراني ولا يهمه الرأي العام في أفغانستان أو ألمانيا الشرقية، وقرَّب الصواريخ الأميركية من حدوده، ودفع الألمان إلى إلغاء صفقة الغاز واتخاذ موقف معادٍ عكس ميلهم المعتاد إلى السلم. باختصار، لم يرغب "الناتو" يوماً بغزو روسيا، إلا أن بوتين قوض أمن بلاده خلال عهده. حتى أن الصين أعربت عن عدم ارتياحها للوضع. إنها كارثة، لقد أفسد بوتين الأمر.

لم يبقَ أمام بوتين سوى خيار الصواريخ النووية. بطبيعة الحال، يمكن أن يستخدم "أسلحة نووية صغيرة" في الميدان أو صواريخ نووية كبيرة تُرمى على مدن أوكرانية، أو يمكنه أن يدمر هذه المدن تماماً بواسطة صواريخ كروز غير نووية وقنابل حرارية. إلا أن الأمر من شأنه أن يزيد من عزلة روسيا، ويقلل إلى حد ما من قيمة "الجائزة" التي سيستحقها عن "تحرير" أوكرانيا، وربما يثير ثورة ضده.

وعلى غرار إحدى دباباته قليلة الحظ التي علقت في وحول أوكرانيا، فإن بوتين عالق هو الآخر في هذا المأزق. إذا تراجع، سيفقد ماء وجهه، مع أنه سيتمكن من الاحتفاظ بـ"جمهورياته الشعبية". وإذا ضغط على الزر النووي، لن يربح إلا إذا دمر أوكرانيا تماماً، فيما يردد حبه لهذا البلد بلا انقطاع. لقد وحد الغرب ضده.

في يد بوتين عدد من أدوات القوة، على غرار تفل قصب السكر، والموارد الطبيعية، وجيش ضخم، وقدرات سيبرانية وأسلحة نووية، وهو قد أخطأ في استخدام هذه الأدوات كلها. كما أنه كشف عن الفرق الشاسع في القوة الاقتصادية بين روسيا، وهي بكل بساطة دولة تملك مواد أولية ويعادل إجمالي ناتجها المحلي دولة بحجم إيطاليا، وقوة الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وبقية دول الغرب مجتمعة. فأي مصيدة دببة صنعها لنفسه.

ومن هنا، تشكل مباحثات السلام أفضل فرصة ممكنة لبوتين ليحد من خسائره، وإعلان النصر، ومن ثم الانسحاب إلى دياره. يمكنه أن يدعي أن "عمليته الخاصة" (كم هذا التعبير الملطف جميل وينطبق على عمل فشل فشلاً ذريعاً) نجحت في إخراج النازيين من "الجمهوريتين الشعبيتين" وأنه قد ضمن عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو إلى الاتحاد الأوروبي (وهو أمر لم يكن ليحصل في الواقع في أي حال من الأحوال).

وسيرفع الغرب حينذاك العقوبات، أو معظمها (سيكون من المفيد الاحتفاظ بتلك المتعلقة بغسل الأموال)، وسيصبح بمقدور طائرات إيرفلوت السفر إلى بروكسل مجدداً، كما يمكن أن يتوقف القتل، وتعاد الألعاب النووية إلى علبها من جديد. ويمكن أن يقدم الغرب وأوكرانيا على خطوة ذكية لاستغلال الميزة المكتسبة بفضل الشجاعة الأوكرانية والنجاح المذهل للحرب الاقتصادية الخاطفة، وإخراج بوتين من شبه جزيرة القرم.

قد تكون هذه الخطوة مبالغاً بها، لا سيما أن لا جو بايدن ولا الاتحاد الأوروبي يملكان رباطة الجأش الكافية للقيام بذلك. ومع ذلك، تبقى النقطة المهمة لاتخاذ المواقف في المستقبل هي أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قوى اقتصادية عظمى، وروسيا ليست كذلك، وإذا لم تستطع الاعتماد على الصين كي تدفع فواتيرها، ستذل في أي حرب اقتصادية.

بحق الله، ما السبب الذي دفع بوتين إلى غزو أوكرانيا؟ لقد رصد لحظة ضعف غربي، تتجلى في وجود قادة جدد لم يجرِ اختبارهم، وفي الفشل في كابول، وتشتت الانتباه في مرحلة ما بعد "كوفيد". لقد قامر، بيد أنه فعل من أجل سبب شخصي معين.

يبدو لي أن بوتين، وهو في سن التاسعة والستين، قلق على "إرثه". فبعد كل هذه السنوات في السلطة ليس لديه الكثير [من الإنجازات] التي تليق بتلك المدة الطويلة بصراحة. وكان من شأن ضم أوكرانيا، أو في الأقل إعادة ربطها من خلال نظام يعمل بإمرته، أن يكون إنجازاً مناسباً لتتويج مسيرته ومن الممكن مقارنته مع إنجازات أسلافه اللامعين. لربما استطاع أيضاً أن يعيد جمهوريات البلطيق وفنلندا ومولدافيا إلى "المحيط" الروسي من جديد.

لقد تبدد الحلم الآن، ولكن في الأقل، حين يحتفل الرئيس بوتين بعيد ميلاده السبعين في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، سيكون لا يزال في السلطة، وليس ميتاً تحت التراب أو يدير محطة للطاقة في سيبريا. قد يعد رفاقه في الكرملين كعكة، ربما تكون على شكل جزيرة القرم، ويقدمونها له على طاولة طويلة للغاية ليس لأنهم خائفون منه، أو تحسباً لعدوى "كوفيد"، بل لأنهم لا يريدون أن يرتبط اسمهم باسم خاسر.

أود لو أن متخصصاً حديثاً بـ"علم الكرملين" يخبرني من الذي سيخلف بوتين، لأنه بحلول هذا الوقت من العام المقبل، سيرحل وسيصبح العالم مكاناً أكثر أماناً.

© The Independent

المزيد من آراء