Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان... انقلاب المجلس العسكري!

احتمال تحرك الجيش سيكون وارداً بقوة في الأيام المقبلة

ما بعد فضّ اعتصام ساحة القيادة العامة بالخرطوم لن يكون أبداً كما قبله (أ.ف.ب)

في كل الأحوال، ما بعد فضّ اعتصام ساحة القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم لن يكون أبداً كما قبله، ذلك أن ما أقدمت عليه القوات المشتركة وقوات الدعم السريع في فجر 29 من رمضان، الثالث من يونيو (حزيران) بحق المعتصمين السلميين وقتل أكثر من 113 من الثوار في الخرطوم، لن يكون مجرد فصل جديد في مسار الثورة السودانية فحسب، بل سيفرض حقائق جديدة في الأيام المقبلة، أقلها، تعقيدات مستقبل سياسي مجهول لمصير المجلس العسكري الانتقالي بقيادة البرهان.

إذ إن الوقائع التي صاحبت ملابسات تلك المذبحة، والترتيبات التي تلتها، والواقع الأمني الذي خيّم على الخرطوم عبر إجراءات المجلس الانتقالي ولا سيما انتشار قوات الدعم السريع، وحملات الترويع في شوارع الخرطوم، وقطع الانترنت في كل مدن السودان، كل ذلك يدل بوضوح إلى فصل جديد بدأت ملامحه تتشكل مع ردود الفعل الدولية القوية على فضّ اعتصام ساحة القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أخطاء خطيرة

وربما توهم البعض مقارنات ساذجة بين واقعة فضّ اعتصام رابعة في القاهرة العام 2013، وبين ما حدث في الخرطوم، والحقيقة أن ما يحضر من وارد المقارنة بين الحدثين هو فقط مجرد اقتران شرطي يفرضه التداعي، لكن ما وراء ذلك التداعي بين الحدثين لا يشبه بعضه بعضاً.

فلم يكن المعتصمون في مبنى القيادة العامة فصيلاً سياسياً واحداً، بل كانوا هم كل أطياف الشعب السوداني، كما أن القوات التي فضت الاعتصام لم تكن قوات الجيش السوداني، بل كانت ميليشيا عسكرية، وكتائب أمنية في زي الشرطة، وجملة الأخطاء الخطيرة التي صاحبت فضّ اعتصام القيادة العامة دلت مباشرة على تداعيتها في سلوك المجلس العسكري الانتقالي ذاته.

المأزق الخطير

فبعد يوم من فضّ الاعتصام، خرج رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان ليعلن إلغاء الاتفاق السياسي المسبق حول هياكل السلطة المدنية مع قوى الحرية والتغيير، وتحدث عبر كلام مختزل عن تشكيل حكومة وعن انتخابات مبكرة. ثم بعد يوم واحد من ذلك الخطاب، على إثر ردود الفعل الخطيرة والقوية الدولية، من خلال بيانات صدرت عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي، ومنظمات حقوق الانسان، خرج رئيس المجلس بخطاب مغاير للخطاب الأول، داعياً فيه القوى السياسية إلى حوار غير مشروط!؟

وكان واضحاً من لهجة الخطابين مدى المأزق الخطير الذي وقع فيه المجلس العسكري الانتقالي. فحين غيَّر المجلس لهجته ودعا إلى حوار غير مشروط مع القوى السياسية كافة عبر رئيس المجلس ونائبه، تأكد للجميع، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا المجلس أقدم على كارثة لم يكن يحسب لها حساباً، لهذا، فإن الموقف ذاته سيكشف أن المجلس العسكري بتورطه ذلك أصبح عبئاً على المستقبل السياسي للسودان.

الطبيعة السلمية للثورة

لقد غاب عن المجلس أن مواقف المجتمع الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الصارم ضده كان مبنياً على معطيات ومعلومات دقيقة، فالجميع في الخرطوم أثناء أيام الاعتصام التي دامت 59 يوماً، كان يعلم أن الدبلوماسيين الغربيين يفدون إلى ساحة الاعتصام طوال الأسابيع الماضية ليتأكدوا تماماً من الطبيعة السلمية للثورة بنسبة مئة في المئة إلى جانب مراسلي الصحافة والإعلام الغربيين ومحطات التلفزة الدولية (وذلك ما تبيّن لهم تماماً وبلا أدنى شك).

داخلياً، دلالة المعطيات، كما وردت في ردود فعل القوى السياسية السودانية، كلها تدل إلى احتراق المستقبل السياسي للمجلس، فالصادق المهدي رئيس حزب الأمة، وفي أول حديث له بعد حادثة فضّ اعتصام القيادة، قال كلاماً جديداً، وهو في تقديرنا كلام مبني على معلومات لتهيئة مرحلة ما بعد المجلس الانتقالي التي ربما سيكون للصادق المهدي دور فيها حين دعا (قوى الحرية والتغيير وكل القوى الشعبية المؤيدة للثورة لاجتماع عاجل لتحديد كيفية استلام النظام الانتقالي الجديد)، وتزامن حديث المهدي مع دعوة حزب المؤتمر الشعبي القوى السياسية كافة للتشاور حول الوضع الراهن، في اليوم ذاته.

احتمال تحرك الجيش وارد

وكان واضحاً أن هذه التحركات تدل إلى شيء ما يجري التحضير له في الأيام المقبلة، كأن يُحل المجلس العسكري، والإعلان عن مجلس عسكري جديد بمبادرة من المجلس العسكري ذاته، أو يستقيل البرهان ويعلن تنصيب شخص آخر، أو يحصل تغيير في عضوية المجلس مع الاستمرار في الدعوة لانتخابات مبكرة وتهيئة المناخ للصادق المهدي وقوى سياسية أخرى مثل المؤتمر الشعبي وبقايا الإسلاميين للشروع في ترتيبات المشهد السياسي.

واحتمال تحرك الجيش سيكون وارداً بقوة في سيناريو الأيام المقبلة، مع تصعيد وتيرة الإضراب والعصيان المدني من قبل قوى الحرية والتغيير وتحريك التظاهرات الشعبية الكبيرة في كل مدن السودان، ولاسيما في ضوء استقالة والي الخرطوم الفريق "مرتضى وراق" احتجاجاً على أحداث فضّ اعتصام القيادة العامة، وكذلك البيان الذي أصدره الجيش حول التزامه بحماية الشعب.

وبطبيعية الحال، وعلى الرغم من حراك المهدي والمؤتمر الشعبي (وهو في تقديرنا حراك لا يأبه له الشعب السوداني)، وفي ظل أجواء الغضب والحزن التي خيمت على السودانيين أيام العيد على إثر مذبحة اعتصام القيادة العامة، والإجراءات الأمنية المستفزة التي صاحبتها، سيكون هناك انسداد على أية امكانية للحوار بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير من أي طرف كان في الداخل السوداني.

هذا ما يفسر الوساطة الأثيوبية

وهذا يعني أن التحركات حول انفراج المشهد السياسي المحتقن في السودان سيقع على عاتق مهام إقليمية، وهذا ما يفسر زيارة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد للخرطوم واجتماعه بقوى الحرية والتغيير، وبممثلين عن المجلس العسكري، كلّ على حدة، ولا سيما بعد أن علّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان، وبعد إفشال كل من روسيا والصين مشروع قرار لإدانة المجلس العسكري السوداني في مجلس الأمن الدولي.

آبي أحمد بخلفيته الديمقراطية، وتجربته الشخصية الرائدة في صناعة السلام على أكثر من صعيد في الداخل والخارج، وبالكاريزما التي يتمتع بها، طرح مبادرة للحل، هي محل درس من طرف قوى إعلان الحرية والتغيير التي طرحت بدورها شروطاً أساسية قبل أي شروع في ترتيبات حل سياسي، منها: تحقيق دولي شفاف حول المجزرة، وإخراج قوات الدعم السريع من الخرطوم، وإطلاق المعتقلين السياسيين، وفتح مسار الحراك المدني عبر رفع القبضة الأمنية، وإعادة خطوط الانترنت في السودان.

وهي كلها ترتيبات لابد منها، إلى جانب التزام قوى الحرية والتغيير بتصعيد الاحتجاجات عبر العصيان المدني والإضراب العام، ابتداءً من الأحد في التاسع من يونيو، وصولاً إلى التفاوض حول تسليم الحكم لسلطة مدنية تشكلها قوى إعلان الحرية والتغيير.

تحولات دراماتيكية

رئيس الوزراء الأثيوبي اجتمع لساعتين مع قوى الحرية والتغيير، وبالتأكيد، حصل على معلومات وإفادات ومعطيات سيكون لها تأثيرها البالغ في دوائر المجتمع الدولي سواء عبر الاتحاد الأفريقي، أو الأمم المتحدة، أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

هذه المعطيات تقول إن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تحولات دراماتيكية حول المصير المجهول للمجلس الانتقالي في المستقبل القريب، ذلك أن الرسالة السلمية القوية التي جسدتها الثورة السودانية أمام العالم ستكون المحرك الرئيسي للمجتمع الدولي، ليس فقط كتحركات حكومية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فسحب، بل كذلك كتحركات يفرضها الإعلام الحرّ وسلطته القوية على تلك الحكومات للضغط على المجلس العسكري.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء