Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

روس فروا إلى الخارج لا يرون مستقبلاً لهم في وطنهم

ما بين الشعور بالذنب والهروب من القمع لا يعلمون إن كانوا سيعودون ذات يوم أم لا

شهدت العاصمة التركية، أنقرة، تظاهرات تضامن مع الضحايا الأوكرانيين (رويترز)

رأت كسينيا نذر الحرب. فقد كثفت شاشات المحطات الرسمية الحملات الدعائية، واتجهت مركبات مصفحة ودبابات من منطقة موسكو باتجاه الحدود الأوكرانية، وظهرت التقارير التي تنذر بالشؤم في وسائل الإعلام الدولية التي تتابعها عن كثب.

حذرت الشابة البالغة من العمر 27 سنة عائلتها وصديقها الحميم من الموضوع، وقابلوها بالاستخفاف بمخاوفها. كانت المعالجة النفسية والناشطة والموالية للمعارضة الروسية قد انضمت إلى احتجاجات الميدان في كييف في العامين 2013-2014. كان لديها كثير من الأصدقاء في أوكرانيا، وبدأت تخاف. لذلك، تركت كسينيا روسيا في الأسابيع التي سبقت شن فلاديمير بوتين الاجتياح، ووصلت إلى إسطنبول قبل بداية الهجوم.

كلفتها الحرب التالية خسارة علاقات كانت تثمنها في الماضي، مع عائلتها وأصدقائها، كما كلفتها مهنتها، ومنزلها، وبلدها كما عرفته، وجزءاً كبيراً من آرائها حول نفسها ومستقبلها. وهي الآن في المنفى.

وتقول لـ "اندبندنت" خلال مقابلة "قصمت الحرب ظهر كثيرين، وليس الأوكرانيين فحسب".

"نسيت من كنت قبل هذه المرحلة. إن عملي، علم النفس، يدور حول تحسين الوضع النفسي للناس. ولكننا الآن في وضع يجب أن يشعر فيه الناس بالخزي، ولا أريد أن أساعد الروس على تحسين شعورهم تجاه نفسهم".

فر عشرات الآلاف من الروس من البلاد في أعقاب الحرب. وهم يدفعون أثماناً باهظة لركوب الطائرات القليلة التي تطير إلى خارج البلاد. وهم يقطعون الحدود البرية باتجاه دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، تقع نوعاً ما خارج نطاق غضب السيد بوتين مثل أرمينيا وجورجيا وكازاخستان. 

في مدينة أنطاليا التركية ذات المنتجعات السياحية التي تشكل وجهة سياحية مشهورة في أوساط الأوروبيين الشرقيين، تضاعفت بدلات الإيجارات ثلاث مرات بسبب الروسيين والأوكرانيين الأثرياء الذين يستأجرون العقارات ويشترونها. 

في أغلب الأحيان، إما ينام المنفيون على الأرائك أو الغرف الشاغرة في بيوت الأصدقاء القدامى، أو يبقون في فنادق رخيصة. معظمهم يحملون شهادات عليا، ولكنهم يصلون إلى هنا مع القليل من المال وقدر أقل من الأمل بعد، بعد أن تخلوا عن البلد الذي نبذهم وحتى شجعهم ضمنياً على الرحيل.

قال السيد بوتين في خطاب ألقاه يوم الأربعاء "أي دولة، لا سيما الدولة الروسية، يمكنها التمييز بين الوطنيين الحقيقيين والخونة، ولفظهم كما لو كانوا ذبابة تدخل فمهم بالخطأ. وأنا على قناعة من أن هذا التطهير الذاتي الضروري والطبيعي للمجتمع سوف يزيد بلادنا قوة". 

غالباً ما يكون المنفيون في حال من الصدمة ويتحدثون في المقابلات ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمحادثات على تطبيق المراسلة "تليغرام"، عن شعورهم بأنهم موصومون بسبب تصرفات حكومتهم وجنسيتهم.

تقول فيرونيكا، السيدة البالغة من العمر 30 سنة من سانت بطرسبرغ التي تنوي السفر إلى إسطنبول يوم الجمعة، "لا يروقني أن أكون مواطنة روسية في الوقت الراهن للصراحة. أشعر أنه من واجبي تقبل كل الكراهية الموجهة ضدي بسبب جواز سفري. أشعر بالخزي والعار. أنا أدفع ضرائبهم الغبية، وقد أسهمت إلى حد ما في ما يحدث الآن". 

حجزت فيرونيكا، الناشطة التي شاركت في تظاهرات متكررة عبر السنوات، تذكرة سفر منذ أسابيع وخططت رحيلها من البلاد بعناية. ولكن آخرين يُجبرون على الهرب.

كان ديما فارلاموف، المراسل في محطة دوزد التلفزيونية الروسية المستقلة، في مكان عمله يوم 1 مارس (آذار)، حين بدأ مديره يتلقى رسائل نصية تحذره من أن الشرطة على وشك مداهمة مكاتبهم.

هربوا بسرعة إلى الشوارع، ووقفوا خارج إحدى الحانات يدرسون خياراتهم. قرر فارلاموف عندها الهرب من البلاد.

ويقول الشاب الذي يبلغ من العمر 32 سنة، المتحدر من موسكو "وصلتنا الرسالة". 

جُمدت حساباته المصرفية، ولكن أصدقاءه ابتاعوا له تذكرة سفر إلكترونية إلى إسطنبول. ذهب إلى منزله ووضب حقيبة واحدة. كان قد انتقل إلى شقة جديدة للتو وعلق قضبان الستائر، ولكن الستائر نفسها ما تزال ملقاة على سريره. ظلت صديقته الحميمة في روسيا وربما تلحق به في وقت لاحق.

في غضون ساعات، كان على متن رحلة ليلية إلى إسطنبول، حيث يمكث في الوقت الحالي في منزل صحافي آخر. ما يزال في حال من الصدمة ويحاول التأقلم، ويتذكر قصص الروس الذين فروا إلى باريس ولندن وإسطنبول بعد الثورة البلشفية التي قام بها فلاديمير لينين في عام 1917.  

قال أولئك الروس منذ قرن من الزمان لأنفسهم بأنهم سيعودون إلى ديارهم في غضون أشهر قليلة، ولكنهم ظلوا في الخارج للأبد، وعليه الاعتراف لنفسه بأن احتمالات عودته إلى المنزل قليلة. 

بعد أيام قليلة من وصوله، أصدر السيد بوتين قانوناً جديداً يعاقب الآراء المعارضة للحرب بـ 15 عاماً من السجن، وأصبحت حتى الإشارة إلى الهجوم على أوكرانيا  على أنه حرب أمر مخالف للقانون. فالكرملين يسميها "عملية عسكرية خاصة".

ويقول السيد فارلاموف "إن أحرز بوتين نصراً سريعاً، فلا يمكنني العودة إلى الديار. وإن خسر بوتين وظل في الحكم، لا يمكنني العودة إلى دياري".  

يفكر في الحرب على أوكرانيا ويتساءل إن كان قد فعل ما يكفي، هو ومواطنوه الروس، لمحاولة وقف العدوان، فيطرح على نفسه أسئلة تحرق القلب.

ويضيف "ارتكبت روسيا بشنها هذه الحرب، أكبر خطأ في جيلي، ولا أريد أن أكون مسؤولاً عنه. حاولت أن أكون صحافياً جيداً، صحافياً يحاول القيام بأعمال جيدة للمجتمع. لم ننجح في ذلك. لذلك، ربما حان الوقت لبدء حياة في مكان آخر- وليس في روسيا".

هاجر أكثر من 5 ملايين روسي من روسيا في ظل بوتين، وحكمه الذي دام 22 عاماً، ويتوقع كثيرون أن تستمر هذه الموجة.

يبحث أنتون، عالم الأحياء الدقيقة من موسكو البالغ من العمر 33 سنة، عن طريقة للخروج من البلاد. حجز أخيراً شقة عبر موقع "إير بي أن بي" للاستضافة في الخارج لتلبية شرط أساسي للحصول على تأشيرة خروج من روسيا، وشعر بأنه مضطر لإخبار أصحاب الشقة في رسالة خاصة بأنه معارض للحرب على أوكرانيا.

وقال "خلقت الحرب لنا وضعاً ما عاد فيه أمل، وضع أصبح من الصعب أن نأمل بمستقبل ديمقراطي في روسيا".

"لا يمكننا في هذه المرحلة سوى الاعتماد على حدث خارجي قد يقلب حال البلاد ويحول دون توجهه إلى النظام الدكتاتوري. بادل الروس حريتهم مقابل تأمين الطعام في اليوم التالي [لقمة العيش]". 

ينظّم بعض الروس الموجودين في الخارج أنفسهم سياسياً. تشهد شوارع منطقة باي أوغلو في إسطنبول تظاهرة كل عطلة نهاية أسبوع.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصل مايرون يانوفيتش فيودوروف، أو أوكسيميرون، أحد أشهر فناني الراب في روسيا، إلى إسطنبول بعد إلغائه حفلاته المقررة في موسكو وسانت بطرسبرغ للاحتجاج على الحرب. عقد الآن أول عرض ضمن سلسلة وصفها بأنها عروض خيرية تُبث مباشرة "للروس المعارضين للحرب" لجمع التبرعات من أجل اللاجئين الأوكرانيين.

وقال في فيديو نشره على "يوتيوب" "عشرات ملايين الروس يعارضون هذه الحرب قطعياً. وأعتقد بأنه يجب التعبير عن هذا الرأي بصراحة وبصوت عال".

يوم الثلاثاء، تجمع مئات الأشخاص داخل نادٍ مكتظ في حي كاديكوي في إسطنبول، ليشاهدوا عرض أوكسيميرون ويجمعوا التبرعات للنازحين. تخلل العرض فترة استراحة خاطب الجمهور خلالها وحثهم على قطع العلاقات بأفراد عائلاتهم وأصدقائهم المؤيدين للحرب.

وقال "إن المؤيدين لهذه الحرب هم في الواقع معارضون لها. ولكنهم يعتقدون بأنها فعلاً عملية عسكرية خاصة لقصف المنشآت العسكرية. وللأسف، هذا وهم يعيش فيه أهلنا ويصدقونه بالفعل. من المهم جداً التحدث معهم لأنهم على الأرجح ليسوا أشخاصاً متعطشين لإراقة الدماء، ولكنهم يشاهدون التلفاز كثيراً". 

أما خارج القاعة، فرفع الروس لافتات للاحتجاج على الحرب.

تحمل آنا، المتخصصة في تاريخ الفن البالغة من العمر 26 سنة من سانت بطرسبرغ، لافتة كُتب عليها "لا للحرب، لا للصمت" باللغة الروسية، وتقول "أصدقائي في السجن وقد أكون أنا التالية". 

وتضيف "قررت الذهاب إلى تركيا بدل السجن الروسي، لأنه يمكنني القيام بالمزيد هنا لمحاربة الحرب". 

"أريد حقاً أن أعود إلى الديار، ولكن الوقت غير مناسب الآن. أشعر بالذنب بسبب تصرفات دولتي، ولكنني لست دولتي".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات