Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أدباء وناشرون وفنانون روس معارضون يحلمون باللجوء

يتعرضون للتضييق والعزل في الداخل وممنوعون من رفض الحرب وفي الخارج دعوات إلى مقاطعتهم

تظاهرات لمثقفين روس في موسكو (غيتي)

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بداية تسعينيات القرن الـ 20، لم تعرف روسيا حكماً ليبرالياً أو ديموقراطياً بالمعنى الغربي للكلمتين، لأن فلاديمير بوتين الذي وصل إلى الحكم العام 2000 أمسك بزمام الحكم بقبضة من حديد، وأسكت رويداً رويداً أي معارضة وأي مشاركة في الحياة السياسية لا تتوافق مع نهجه وسياسته ورؤيته للأمور، وبلغت الأمور حد أن الدائرة الاتحادية لرقابة الاتصالات وتقنية المعلومات والإعلام (roskomnadzor) باتت تتحكم بالأمور بشكل هائل، وهي التي تراقب وسائل الإعلام الروسية وتشرف على المضمون وتمنع ما يجب منعه.

ومع إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا في الـ 24 من فبراير(شباط) 2022 أخذت وسائل التواصل والإعلام في روسيا تتحدث عن "حملة عسكرية للحفاظ على السلام" في أوكرانيا، لتكون كلمة "حرب" ممنوعة في وسائل الإعلام كلها، ومن يستعملها يخاطر بخسارة وظيفته كما قد يتهم بالترويج لمعلومات خاطئة مضرة بمصلحة الدولة، وهي تهمة باتت تكلف صاحبها 15 سنة في السجن بحسب القانون الجديد.

بين خسارة الوظيفة ودخول السجن وبين الصمت عن الحرب، ما هو موقف الأدباء والفنانين والناشرين الروس من "العملية العسكرية للمحافظة على السلام في أوكرانيا"؟ كيف يتعاملون مع الواقع والأحداث الجديدة؟ ما هي الصعوبات والتهديدات التي تواجههم؟ وهل يملكون الموارد لمعارضة سياسة الدولة وبوتين؟

المعارضة في الداخل الروسي

منذ بداية الحرب، أي منذ حوالى ثلاثة أسابيع، تقوم الشرطة بمنع أي تجمع معارض للحرب، حتى إنها تغلق الأماكن التي يتوقع أن تحصل فيها تجمعات، وقد ظهرت فيديوهات كثيرة لشبان وشابات روس يتم اعتقالهم على إثر رفعهم شعارات "لا للحرب"، اعتقالات يفضحها كتاب وصحافيون يعيشون طبعاً خارج روسيا.

تعتبر أنا كولين ليبيديف (Anna Colin Lebedev) المتخصصة في شؤون مجتمعات ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، أن روسيا تعاني اليوم بؤساً اجتماعياً وصعوبات اقتصادية كبيرة للغاية، وسيتطلب الأمر صدمة كبيرة للروس ليروا إلى أي درجة بات الوضع غير مقبول. وتضيف، "لا شك في أن الروس سيعتمدون استراتيجيات الهرب أو الهجرة بدلاً من المعارضة"، فالمعارضة مستحيلة اليوم في روسيا.

علاقات عائلية

بحسب ليبيداي "فإن ثلث العائلات الروسية لديها روابط عائلية مع أوكرانيا، روابط قرابة وعاطفة تعود جذورها إلى عقود خلت"، فالدولتان تتشاركان تاريخاً واحداً وذاكرة واحدة إلى حد كبير، مما يجعل هذه الحرب قريبة وصعبة وقاسية العواقب على الروس، وهو أمر لا يجهله بوتين ويقدر خطورته، ونتيجة لذلك ظهر التشدد في منع التظاهرات والتجمعات كما ظهر القمع في نوع الأخبار المروج لها، وحتى التعابير المستعملة في نشرات الأخبار لا تفضح أي عنف أو وحشية أو اعتداء، بل هي مكتوبة بصياغة مهادنة ديماغوجياً تعتبر هذه الحرب عملية حفاظ على السلام.

وعلى الرغم من هذه التشديدات وجد الفنانون من ممثلين ومديري مسارح ورسامين طرقاً للاعتراض ولنشر هاشتاغ "لا للحرب" على الجدران وفي الأزقة، نظراً إلى أنه تم إيقاف وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا، وهو منع أراده الكرملين قبل دول الغرب، فالفنان والناشط الثلاثيني أرتيوم لوسكوتوف مثلاً الذي يقول بسخرية "لا يكون المرء مواطناً روسياً حقيقياً حتى يتم القبض عليه"، تم القبض عليه بتهمة إهانة الشرطة وصدر بحقه أمر بمنع مزاولة فنه منذ العام 2013.

أما الصحافي الروسي الحائز جائزة نوبل للسلام عام 2021 ديمتري موراتوف فيقول، "يضاف إلى عذابنا اليوم، العار". وقد أطلق موراتوف وهو مدير تحرير جريدة روسية بارزة معارضة للحكم، رسالة تدعو إلى السلام ووقف القتال وقعها حوالى 1500 أستاذ ومدرس في منشآت تعليمية رسمية، وهم معرضون جميعهم حالياً لخطر فقدان وظائفهم.

إيلينا كوفالسكايا ناقدة المسرح الروسية والأستاذة الجامعية والقيمة على أحد المسارح في موسكو تم إقفال المسرح الذي تديره منذ إعلانها معارضتها لقرار الحرب، ومينداوغاس كارباوسكيك هو الآخر فقد عمله مديراً لأحد مسارح موسكو جراء موقفه المعادي للحرب.

الفنانون والكتاب والصحافيون الذين يعترضون يخسرون وظائفهم، لكن المعارضة لا تمل ولا تهاب العواقب، فظهرت أفلام قصيرة ترفض الحرب كما ظهرت رسوم لحمامة سلام كبيرة على أكبر ست مسارح وطنية في موسكو، إضافة إلى مقابلات وأفلام جامعة لفنانين معارضين للحرب. وعلى الرغم من أن هذه الخطوات ستؤدي إلى عواقب وخيمة على أصحابها، إلا أن عدداً من المثقفين الروس يرفضون الصمت، وللمفارقة فليس الفنانون الأوكران هم الذين يطلبون اللجوء إلى دول الغرب بل الفنانون الروس، فهم الذين يتعرضون للتنكيل والتضييق، وحتى الممثل والمخرج الموالي للحكم والمقرب من بوتين الذي عين مديراً لمسرح وطني في موسكو يفغني فيتاليفيتش ميرونوف  (Yevgeny Vitalyevich Mironov) وجه رسالة معارضة للحرب، وهو الذي لم يكن ولاؤه للحكم موضع شك يوماً قبل الحرب على أوكرانيا، وها هو يجد نفسه اليوم في موقف محرج أمام الدولة.

الناشرون الروس أنفسهم لا يدعمون بمجملهم سياسة بوتين، فالشهادات وصرخات الغضب تمكنت من الوصول إلى خارج روسيا، إذ قال ناشر رفض التصريح عن اسمه لصحيفة "The Observer" البريطانية، "لم يعد بوسعنا أن نصمت إزاء ما يحصل اليوم. الحرب على أوكرانيا تتعارض مع كل ما نؤمن به ونطالب بوقفها مباشرة". ناشرون آخرون كانوا أكثر جرأة فأعلنوا معارضتهم للحرب جهاراً وأطلقوا حملة "الكتب بمواجهة القنابل" (#(booksagainstbombing.

المعارضة بمواجهة مقاطعة الغرب

من جهة أخرى، تضاعفت خلال الأيام القليلة الفائتة الدعوات إلى مقاطعة الكتاب الروسي والفيلم الروسي والفن الروسي، وكثر هم الذين يعتقدون أن الإبقاء على الفن الروسي في محافل الفن الغربي وفي معارض الكتب فرصة لنظام الحكم الروسي للترويج لنفسه، وإنما في الواقع لا يمكن وضع الفن الروسي في البوتقة نفسها مع سياسة بوتين وحربه على أوكرانيا.

يجند الغرب كتابه وصحافييه في حملة ضد الحرب على أوكرانيا، لكن الشعب الأوكراني ليس وحده الضحية، فالفنان الروسي المعارض والمرفوض في الداخل بات مرفوضاً أيضاً في الخارج، ولم يعد يملك مكاناً يلجأ إليه. الفنان الروسي هو الذي يحتاج إلى لجوء وحماية وليس الفنان الأوكراني الذي بقي في وطنه مدافعاً عنه، لكن قلة قليلة توافق على هذا الرأي، فالوكيلة الأدبية الأميركية باربرا زيتوير دعت إلى مقاطعة روسيا وفنها كوسيلة ضغط، وقالت "قررت التوقف عن بيع المؤلفات الروسية حتى نهاية الحرب بهدف حث المجتمع المدني على رفض ما يحصل، ولحث الروس على القيام ضد بوتين وجيشه"، كما أطلق معهد الكتاب الأوكراني بداية شهر مارس (آذار) الحالي حملة تدعو إلى مقاطعة شاملة للكتب الروسية حول العالم، فهذه الكتب موضوعة لغايات دعائية سياسية، وهي باتت اليوم أسلحة حرب يجب إيقاف رواجها بين القراء.

وأتت دعوة المقاطعة الثقافية على أربعة مستويات، فهناك الدعوة إلى وقف توزيع الكتب التي وضعها كتاب روس عبر الإنترنت وفي المكتبات، والدعوة إلى وقف عمليات "بيع وشراء" حقوق الناشرين الروس، والدعوة إلى تعليق مشاركة روسيا في معارض الكتب الدولية والمهرجانات الأدبية، وأخيراً الدعوة إلى إنهاء عقود ترجمة المؤلفين الروس إلى لغات أخرى.

مقاطعة النشر المؤيد لبوتين

ولقيت مطالب المقاطعة صدى واسعاً في عالم النشر والكتاب، فثلاثة معارض أوروبية ضخمة وهي معرض فرانكفورت ومعرض بولونيا ومعرض لندن أعلنت مقاطعتها الكتاب الروسي والناشرين الروس، وأكد منظمو معرض فرانكفورت أنهم سيرفضون مشاركة الناشرين الروس الموالين للحكم أو دور النشر الحكومية، بينما سيقبلون مشاركة الناشرين الروس المستقلين، وهو بند عادل عموماً لم يأخذه المطالبون بالمقاطعة بعين الاعتبار، فقد لا تكون هذه المقاطعة مفيدة بالقدر المطلوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول الأستاذة الجامعية الروسية المقيمة في باريس بيلا أوستروموخوفا إن الموقف يحتاج إلى حنكة وبراعة من جانب الغرب، فعلى الرغم من أن الروس يشعرون بالذنب إزاء وحشية ما يحصل لشركائهم وأصدقائهم وعائلاتهم في أوكرانيا، إلا أن الغرب برفضه لهم وبمقاطعتهم يتركهم عزلاً في الداخل الروسي.

كتاب معارضون كثر فروا من روسيا على مر السنوات خوفاً على حيواتهم، وها هو قسم كبير من الذين بقوا في الداخل الروسي يدأب على اللجوء إلى دول الغرب منذ بداية الحرب على أوكرانيا التي لما تظهر بوادر انتهائها، وبلغ الاستبداد السياسي والرقابة أوجهما خلال المرحلة الأخيرة في روسيا، ولم يعد الفنان الروسي يملك مساحة حرية تؤهله لممارسة إبداعه وإبداء آرائه، فيقول أستاذ الأدب الروسي المقيم في كندا ليونيد ليفاك "إن دور الكاتب التقليدي في التعبير عن الحق والحقيقة والذي كان يؤديه خلال القرنين الـ 19 والـ 20 بات اليوم مهدداً، وهو وضع يذكر بما كان سائداً زمن الستالينية السياسية".

ويعبر ليفاك عن مخاوفه على كتاب روسيا المعارضين، فالوضع برأيه مأساوي، "الكاتب عاجز عن تأدية دوره في المجتمع كما أنه عاجز عن المحافظة على صمته، والشعب الروسي قابع كرهينة في يد الحكم الروسي والطبقة المثقفة محاصرة، فأين المخرج؟".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة