Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانهيار الاقتصادي يحفز سوق سبائك الذهب في لبنان

يمتاز المعدن النفيس بسهولة تسييله بخلاف العقارات

حقق مالكو الذهب أرباحاً كبيرة، فيما تتآكل قيمة الاستثمارات الأخرى بفعل التضخم الذي يشهده الاقتصاد العالمي (اندبندنت عربية)

يبحث المواطن اللبناني اليوم، عن الأمان من خلال شراء سبائك الذهب، بعدما فقد الأمل في استعادة أمواله المحتجَزة في المصارف، والتآكل السريع لقيمة مدخراته بالعملة اللبنانية، وركود استثماراته في قطاع العقارات، وتباطؤ الحركة الاقتصادية. وتثير ظاهرة الإقبال على الذهب استغراب كثيرين، إذ تتزايد مستويات الفقر في البلاد، بينما تنشط سوق المعدن النفيس المرتفع الثمن. إلا أن الذهب يُعَد وسيلة للحفاظ على القيمة، في معرض البحث عن استثمارات مستقرة، وشعور بالأمان في بيئة مضطربة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً. وحفز الارتفاع السريع لأسعار الذهب، بفعل الأزمة الروسية – الأطلسية، المدخرين، على شراء الأونصات، بعدما شهدت البورصة ارتفاعاً كبيراً وقياسياً ليتجاوز مستوى سعر الأونصة، 2050 دولاراً، قبل أن تستقر عند مستوى الألفي دولار. وحقق مالكو الذهب أرباحاً كبيرة، فيما تتآكل قيمة الاستثمارات الأخرى بفعل التضخم الذي يشهده الاقتصاد العالمي والاضطرابات المتصاعدة بين القوى الكبرى. 

الأونصة الرابحة

ويمكن تشبيه حال سوق الذهب في لبنان بـ "خلية نحل لا تهدأ"، حيث ينتقل الصاغة من متجر إلى آخر من أجل تأمين طلبات زبائنهم المتزايدة على سبائك الذهب الصافي. ويتنوع هؤلاء الزبائن بين باحثين عن الادخار المحلي، ومغتربين يشكلون شريحة كبيرة من المشترين. ويختصر أحد أصحاب متاجر الذهب هذا المشهد الطارئ بقوله "لو كان لدي مئة أونصة لكنت بعتها". وفي ذلك تأكيد على إقبال المواطنين على شراء الذهب. أحد هؤلاء هو مروان الذي استمع إلى نصيحة أحد رفاقه باستبدال مدخراته الورقية من العملات الأجنبية بالليرات الذهبية أو الأونصات. وأوضح أنه لا يمتلك مبالغ مالية كبيرة تخوله شراء عقار، كما أنه في المقابل لا يريد شراء سيارة بمبلغ الـ 5 آلاف دولار الذي يحمله، لأنها تحتاج إلى صيانة، إضافة إلى ثمن المحروقات الكبير الذي أصبح يستهلك الدخل الفردي بشكل كبير جداً.
من جهته، دخل سمير في استثمار كبير، إذ اشترى قرابة 50 أونصة ذهبية بمبلغ يوازي 100 ألف دولار أميركي. وجعله هذا المبلغ الكبير نسبياً، يعيش حالة من القلق الدائم، وبدأ بمتابعة دائمة لسوق التداولات والبورصة العالمية، كما يستشير أصدقاءه من الصاغة لتحديد سلوكه الاقتصادي المستقبلي الذين ينصحونه بوجوب التزام استراتيجية النفس الطويل من أجل تحقيق مكاسب دائمة وثابتة.

السوق ناشطة حديثاً

من جهة أخرى، يُقر أصحاب متاجر الذهب بأن "السوق ناشطة للغاية على الرغم من الأزمة المالية الكبيرة". ويؤكد نزيه غيّة (منسق معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في شمال لبنان) على أن "المواطن لم تعد لديه ثقة بالعملة اللبنانية، ويتخوف على الدولارات الأميركية، وجاءت الحرب الروسية - الأوكرانية لتزيد حالة الهلع لديهم من تكرار تجربتهم مع الودائع البنكية، لذلك اتجهوا نحو الملاذ الآمن وتحديداً الذهب لأن سعره يزيد ولا ينقص".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويستند نزيه غية إلى خبرته في مجال بيع وصناعة الذهب والمجوهرات، ليشير إلى أن "الطلب ازداد على الذهب الصافي بشكل لافت وملموس، فيما تراجع الطلب على المشغول، الذي يتضمن أحجاراً غير كريمة، من أجل تجنب الخسارة في حال احتاج إلى بيعها، لعدم حسم وزنها"، مشيراً إلى أن "اهتمام الزبائن بات ينصب حالياً على شراء الأونصات والسبائك لأنها مصنوعة من الذهب الصافي كما أن كلفتها منخفضة، إلى جانب أن سوقها والطلب عليها موجود باستمرار، كما أن حائزها لا يتعرض للخسارة الكبرى والسريعة في استثماراته وثروته". ويضيف غية أن "معدن الذهب هو البديل الجيد عن حمل كميات كبيرة من النقود، وتحديداً بالنسبة إلى أصحاب المداخيل المرتفعة، حيث يشتري بعضهم أونصات من الحجم الكبير، يصل وزنها الإجمالي إلى ربع كيلو ونصف كيلو من الذهب الصافي، وهي مما يمكن نقله بسهولة وأمان لدى الحاجة في حقائب السفر". ويعتبر المتحدث ذاته أن الذهب يُعد خياراً مناسباً، إذ "يمكن تسييله بسرعة وعلى قدر الحاجة وبصورة مرحلية، بخلاف العقارات التي يصعب بيعها في هذه الأزمة غير المسبوقة وسط انهيار مالي واقتصادي كبير".

الذهب رمز الثروة والادخار الآمن

من ناحية ثانية، تطورت النظرة التاريخية للذهب من مرحلة المقايضة إلى الزينة والادخار. ووصف الباحث المالي والاقتصادي، باتريك مارديني، أن "الذهب يُعد الملجأ في الظروف الراهنة، لأن العالم يعيش في ظل أوضاع مضطربة"، كما أنه الخيار المفضل "في مراحل عدم الوضوح واللايقين حول الوجهة المستقبلية، وعندما تسود الأسواق مخاطر كبيرة".
ومن وجهة نظر مارديني، فإن "قرار شراء الذهب، ينطلق من مسلَمة أنه ذو قيمة ذاتية، بخلاف العملات الأجنبية الكبرى، سواء الدولار الأميركي أو اليورو، التي تعاني من حالة تضخم وخسارة قيمتها، فما تشتريه الـ 100 دولار أميركي حالياً، أقل بـ 7 في المئة، مما كانت تشتريه في العام الماضي، وهذا التضخم مرجح أن يتواصل، لذلك فإن إقبال الناس على شراء الذهب من أجل الادخار خلال الأزمات يرفع من قيمته ويحافظ على مكانته".

كما دعا مارديني إلى "التعاطي مع الذهب من وجهة نظر استثمارية، فمَن يحاول إنشاء محفظة استثمارية متنوعة، يقوم بتوزيع أمواله على نشاطات اقتصادية متنوعة، حيث يبحث عن أصول مختلفة، تبدأ من شراء سندات الخزينة للدول ليتحول إلى دائن لها، ثم يشتري أسهم شركات في قطاعات مختلفة من ناحية الأنشطة أو التوزيع الجغرافي، كما يسعى إلى الاستثمار في المعادن والمواد الأولية، وهنا تظهر مكانة الذهب، والنفط، والغاز، والقمح والذرة وغيرها".
وتحدث مارديني عن تأثير الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، على الواقع الاقتصادي العالمي، "حيث تحتاج كبار الصناديق الاستثمارية إلى إعادة توزيع استثماراتها، لتخفيف الأصول ذات المخاطر المرتفعة، من بينها الأوروبية، التي تقع الحرب على أراضيها. ومن ثم الاتجاه إلى الأصول التي تعطي الشعور بالأمان والاستقرار خلال فترة الاضطراب، وهنا تبرز مكانة الذهب ويفسَّر لماذا يتجه الذهب نحو الارتفاع، وازدياد الإقبال عليه".

الذهب والحفاظ على القيمة الدائمة

واعتبر مارديني أن "الإقبال على الذهب يعود إلى أنه يتيح إمكانية تخزين قيمة كبيرة في حجم صغير للغاية، ووزن سهل الحمل. وهذا الأمر، يعطي الذهب مواصفات عملانية، وسهلة التسييل في أي مكان، ويمتلك القيمة عينها في مختلف البلاد، ويحافظ على قيمته فهو لا يشهد تدهوراً سريعاً في القيمة".
وأكد مارديني المكانة التاريخية للذهب، فهو "استُخدم كنقود من أجل التبادل، لسهولة تداوله وقيمته التفاضلية، فهو لا يستمد قيمته من أي شيء آخر. ولم يتم الاستغناء عنه إلا تحت وطأة الخوف من السرقة، وأسهم ذلك في ظهور الأوراق النقدية التي كانت بمثابة إيصال يمثل كمية مقابلة بالقيمة من الذهب التي يمكن الحصول عليها من المصارف، أو أماكن التخزين لدى الصرافين، من هنا برزت مقولة تغطية العملة بالذهب، التي كانت بدايةً صادرة عن البنوك قبل أن تتحرك المصارف المركزية لحصر حق إصدار العملات بها. واستمر نظام "بريتون وودز" لناحية موازنة قيمة العملة بالذهب، إلى حين اعتماد الدولار كعملة احتياط عالمية في عهد ريتشارد نيكسون في عام 1971، حيث اعتمدنا على نظام صرف عائم، ولم تعد قيمة سعر صرف العملة ثابتة ومحددة بما يقابلها من الذهب".