Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فشل التوصل إلى اتفاق بين الصدر والولائيين؟

"قد يستغل حلفاء إيران القصف الصاروخي على أربيل لتحسين شروط التفاوض في ما يتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة"

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر (رويترز)

لا تزال أزمة تشكيل الحكومة العراقية مُستعرةً من دون التوصل إلى اتفاق بين الأطراف السياسية المختلفة، وتحديداً الشيعية منها، فبعد تأرجح في المواقف خلال الفترة الأخيرة عاد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لتجديد الدعوة لحكومة "الأغلبية الوطنية". جاء ذلك بعد ساعات قليلة من اللقاء الذي جمعه مع قادة "الإطار التنسيقي".

وخلال الأيام القليلة الماضية خاض الصدر حراكاً موسعاً لمحاولة تجاوز أزمة تشكيل الحكومة، إلا أنها لم تثمر أي اتفاق، خصوصاً مع التيارات المُوالية لإيران. 

تراجع سريع من الصدر

بدأت بوادر التوافق من خلال اتصال هاتفي جمع الصدر برئيس ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، وهو الأمر الذي مثّل مفاجأةً كبيرةً لدى الشارع العراقي، والذي وصفه مراقبون "إعادة إحياء مشروع التوافق والمحاصصة". 

وكانت تقارير صحافية ومصادر تحدثت عن طرح اسم جعفر الصدر، ابن عم زعيم التيار الصدري، لمنصب رئاسة الوزراء، وهو الأمر الذي بدا حوله التوافق في بادئ الأمر. 

وعلى بُعد ساعات قليلة من الاتصال الهاتفي بين الصدر والمالكي، بدأت بوادر انفراجة في الأزمة بين التيار الصدري و"الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الذي يضم معظم الجماعات المُوالية لإيران، وهو الأمر الذي رفع بورصة العودة إلى الحكومات التوافقية مرة أخرى. 

وقوبلت احتمالات العودة إلى التوافق بحملات رفض واسعة تحديداً من التيارات والكيانات التابعة للانتفاضة العراقية، والتي ركزت بشكل مستمر على رفض المحاصصة. وعلى الرغم من اقتراب تلك الأطراف من عقد اتفاق مُرضٍ، فإن الصدر سرعان ما تراجع، خصوصاً بعد نشر الصدر تغريدة على حسابه في "تويتر" أكد فيها عزمه التوجه لـ"تشكيل حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية". 

"معركة مصيرية"

وتوالت الترجيحات خلال الأيام الماضية باحتمالية عودة التوافق والمحاصصة إلى أجواء تشكيل الحكومة المقبلة، إلا أن صراع "فرض الإرادة" على الأجواء السياسية الشيعية يبدو أكثر تعقيداً، الأمر الذي يدفع مراقبين إلى استبعاد احتمالية التوصل إلى اتفاقات بين التيار الصدري والجماعات المُوالية لإيران.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، إن "الفشل في التوصل إلى اتفاق بين الصدر والإطار التنسيقي يعود إلى صراع الإرادات داخل القوى الشيعية ومحاولات كل طرف فرض وجهة نظره على الطرف الآخر".

ويشير الشمري في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن جميع الأطراف باتت تدرك أن ما يجري الآن يمثل "معركة مصيرية لفرض الإرادة على مستوى تزعم المشهد الشيعي سياسياً"، وهو الأمر الذي يعقد المفاوضات بين تلك الأطراف. 

ولعل الأمر الآخر الذي يزيد تعقيد أزمة تشكيل الحكومة يتعلق بـ"شكل الكتلة الأكبر التي تتحكم باختيار رئيس الوزراء المقبل"، كما يعبّر الشمري، الذي يضيف أن "الصراع حول تحاصص الحقائب الوزارية ومساحة الحضور في مجلس الوزراء المقبل تمثل عقبة أخرى أمام التوصل لاتفاقات". 

وبحسب الشمري، فإن تراجع الصدر عن الاتفاق مع أطراف "الإطار التنسيقي" يعطي انطباعاً بأنه "كان قد تعرض إلى ضغوط داخلية وخارجية دفعته للتنازل"، مبيناً أن لقاء الصدر بأطراف الإطار التنسيقي يمثل رسالة مفادها أن "تمسك الأطراف الأخرى باشتراطاتهم هو ما يعرقل حسم ملف الحكومة المقبلة". 

ويتابع أن "الصدر يواجه ضغطاً جماهيرياً كبيراً يعرقل إمكانية الذهاب للتوافق مرة أخرى، فضلاً عن أن أي توافقات محتملة ستهز الثقة بالتحالف الثلاثي بين الصدر والحلبوسي والبارزاني".

وعلى الرغم من استبعاد الشمري أن يكون القصف الإيراني لمدينة أربيل مرتبطاً بفشل المفاوضات، فإنه يرجح أن يستغل من قبل حلفاء إيران لـ"تحسين شروط التفاوض في ما يتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة ويعزز مساحة الضغوط على القوى الكردية لدفعها لتقديم تنازلات".

في المقابل، يعتقد مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "غالوب الدولية"، منقذ داغر، أن ما دفع الصدر إلى التراجع بعد الإعلان عن اتفاق مع أطراف "الإطار التنسيقي" هي "ردود الأفعال الواسعة الرافضة للتوافق"، مبيناً أن ردود الأفعال تلك "كشفت للصدر عن أنه سيخسر أكثر بكثير مما سيربح من أي اتفاق مع تلك الأطراف".

ويشير داغر إلى أن أي اتفاق مع أطراف الإطار التنسيقي سيؤدي إلى العودة للتوافق الأمر الذي يؤدي إلى "خسارة التيار الصدري الكثير مما كسبه خلال الفترة الماضية نتيجة إصراره على مشروع الأغلبية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قصف أربيل... "طهران على خط الأزمة"

لم تتوقف المفاجآت عند فشل المفاوضات بين التيار الصدري والتيارات الولائية، إذ على بُعد ساعات قليلة من نشر تغريدة الصدر، تعرضت مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق إلى قصف بـ12 صاروخاً من إيران.

وتشير غالبية ردود الفعل السياسية في العراق إلى أن الغاية الأساسية من القصف الإيراني ترتبط بحوارات تشكيل الحكومة المقبلة. وفي أول رد فعل على القصف الإيراني، استنكر الصدر الهجوم الصاروخي الذي استهدف مدينة أربيل، واصفاً إياه بـ"نيران الخسائر والخذلان". 

وأضاف الصدر، "لن تركع أربيل إلا للاعتدال والاستقلال والسيادة"، مردفاً "لك يا أربيل ويا أيها الكرد مني سلام ومحبة، وصبر حتى تحقيق حكومة أغلبية وطنية". وألحق الصدر بيانه الأول ببيان آخر يطالب فيه "الجهات المختصة" بـ"رفع مذكرة احتجاج للأمم المتحدة والسفير الإيراني فوراً، مع أخذ ضمانات بعدم تكرارها".

في المقابل، ربط الرئيس العراقي برهم صالح بين استهداف مدينة أربيل وأزمة تشكيل الحكومة، واصفاً ما جرى بأنه "جريمة إرهابية مُدانة".

وقال صالح، في تغريدة على "تويتر"، إن "القصف يأتي في توقيت مُريب مع بوادر الانفراج السياسي، ويستهدف عرقلة الاستحقاقات الدستورية بتشكيل حكومة مقتدرة".

أما المجلس الوزاري للأمن الوطني الذي يترأسه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، فوصف استهداف مدينة أربيل بأنه "اعتداء على مبدأ حُسن الجوار بين العراق وإيران (...)، ويمثل انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية".

وأشار المجلس إلى أن "العراق طلب عبر المنافذ الدبلوماسية توضيحات صريحة وواضحة من الجانب الإيراني، وهو ينتظر موقفاً من القيادة السياسية الإيرانية في رفض الاعتداء".

خيارات محدودة

لا تبدو الخيارات واسعة أمام زعيم التيار الصدري، الحائز أكبر تمثيل في البرلمان العراقي، والذي رفع شعار "حكومة أغلبية وطنية" منذ أشهر عديدة، حيث يرى الباحث في الشأن السياسي أحمد الياسري، أن توافق الصدر مع أطراف الإطار التنسيقي ستعني "مخالفة قواعده الجماهيرية والشارع العراقي، الأمر الذي يدخله ربما في أزمة تجعل الحكومة المقبلة تشبه حكومة عبد المهدي، ولا تستمر لأكثر من عام". 

ويعتقد الياسري أن الصدر "ربما يسمح بإدخال الأطراف المُوالية لإيران في توافقات ضمنية، شريطة أن يتسيّد المشهد السياسي الشيعي في البلاد"، مبيناً أن "غاية الصدر ليست استبعاد أطراف الإطار التنسيقي، بل عدم إدخالها كندٍّ له داخل الأجواء الشيعية". 

وبشأن القصف الإيراني لمدينة أربيل، يشير الياسري إلى أنه "أكسب الصدر خطوة في الداخل العراقي وعزز مشروعه بالتوجه نحو حكومة أغلبية طولية عابرة للطائفية". 

ويبدو أن دلالة التوقيت "تؤكد أن غاية طهران التأثير على مسارات تشكيل الحكومة العراقية لا أكثر"، كما يشير الياسري الذي يلفت إلى أن "إيران تتعرض خلال السنتين الأخيرتين للعديد من الهجمات الإسرائيلية من بينها هجمات في الداخل الإيراني لكنها لم ترد". 

ولطالما استخدمت الجماعات المُوالية لإيران اتهامات بـ"التعامل مع إسرائيل وأميركا ودول خليجية" لضرب خصومها والتيارات والأطراف المناوئة لها بضمنها الحركات الاحتجاجية. 
 
فرض إرادة حلفاء طهران

على الرغم من ادّعاء طهران أن القصف جاء رداً على مقتل قائدين إيرانيين في سوريا، فإن مراقبين وصفوه بأنه يمثل دخولاً مباشراً على خط أزمة تشكيل الحكومة العراقية.

ويقول أستاذ العلوم السياسية قحطان الخفاجي، إن "اعتراف إيران بالقصف الذي تعرضت له أربيل يمثل رسائل ضغط على مباحثات فيينا، وتعزيزاً لتوجهات روسيا الإقليمية، إلا أنه في الوقت ذاته يمثل محاولة لفرض إرادة حلفاء طهران على مسارات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة". 

ويضيف أن هذا الأمر سيُعقّد مسارات تشكيل الحكومة المقبلة بشكل أكبر، وربما يدفع الأطراف الداعية إلى تشكيل حكومة أغلبية إلى تقديم تنازلات للتيارات المُوالية لإيران". 

ولطالما ترددت عبارات "الاقتتال الداخلي" و"الحرب الشيعية - الشيعية" والمخاوف من توتر الأوضاع الأمنية من قيادات في "الإطار التنسيقي" والأجواء المُوالية إيران، للتحذير من مغبّة استبعادهم من أجواء تشكيل الحكومة المقبلة.

وكانت نتائج الانتخابات العراقية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، قد شهدت متغيرات رئيسة، إذ خسرت كتل الميليشيات المُوالية لإيران غالبية مقاعدها البرلمانية، ما دفعها إلى إثارة التصعيد تلو الآخر خلال الأشهر الماضية في محاولة لإعادة التفاهمات السياسية حول الحكومة المقبلة إلى سياق التوافق والمُحاصصة مرة أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير