ما إن وصل رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، الخميس 10 مارس (آذار) إلى الإمارات في زيارة تُعد الأولى له خارجياً منذ إعلانه حالة الطوارئ في البلاد في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، التي تسببت في اندلاع احتجاجات واسعة حتى اليوم، لاعتبارها انقلاباً عسكرياً، بدأت التكهنات بأن الزيارة ترتبط بصفقة سياسية لحل الأزمة السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود في ظل التصعيد الثوري الذي تقوده لجان المقاومة في الشارع من خلال مواكب (مليونيات) متواصلة، والتي قوبلت بعنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية أدى إلى سقوط 87 قتيلاً ومئات الجرحى.
مبادرة إماراتية
وما يؤكد أن هذه الزيارة التي ما زالت مستمرة، وراءها مبادرة إماراتية لإنهاء وتسوية الأزمة السودانية الراهنة، بحسب المراقبين، اللقاء الذي جمع البرهان، برئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الموجود حالياً في العاصمة أبو ظبي، فضلاً عن الزيارة التي قام بها نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) للإمارات، الشهر الماضي، التقى خلالها ولي عهد أبو ظبي وعدداً من المسؤولين الإماراتيين، لكن المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني، الطاهر أبو هاجة، أشار إلى أن زيارة البرهان للإمارات تتعلق بملفات اقتصادية وسياسية، وستتم خلالها بلورة رؤية مشتركة حول مجمل القضايا، إضافة إلى بحث المستجدات الإقليمية والدولية، معتبراً أبو ظبي شريكاً استراتيجياً داعماً للانتقال الديمقراطي في السودان.
وفي أول لقاء رسمي له، التقى البرهان، الجمعة، ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد آل نهيان، وبحثا، بحسب وكالة أنباء الإمارات، العلاقات الثنائية وسبل تنميتها، فضلاً عن القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك. وأكد الأخير دعم بلاده كل ما يصب في مصلحة الشعب السوداني ويحقق تطلعاته نحو التنمية والاستقرار والازدهار، مشدداً على أهمية الحوار والتفاهم بين شركاء المرحلة الانتقالية لتجاوز التحديات التي تواجه العملية السياسية، وصولاً إلى توافق وطني يقود البلاد إلى الاستقرار والوحدة وتوجيه الجهود باتجاه البناء والتنمية.
تباين واضح
الناطق الرسمي لقوى الحرية والتغيير، الواثق البرير، أكد أنهم، كقوى سياسية، ليس لديهم تنسيق أو علم بطبيعة أو خلفية هذه الزيارة، لكن مؤكد أنها مرتبطة بتداعيات الوضع الداخلي في السودان، والتشظي العسكري العسكري، والمدني المدني في البلاد، بسبب الأزمة السياسية التي تفجّرت عقب انقلاب 25 أكتوبر. أضاف، "المعلومات التي تسربت خلال الفترة الماضية تشير إلى أن هناك نوعاً من التباين الواضح بين العسكريين وأطراف عملية السلام من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام حول مسألة الترتيبات الأمنية، كما أن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان (حميدتي) الأخيرة إلى موسكو أحدثت تداعيات عدة، بخاصة أنها جاءت في توقيت لم يكن مناسباً، فكل هذه الموضوعات لها علاقة بزيارة البرهان للإمارات".
وتابع البرير، "نحن كقوى سياسية تمثل قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، طرحنا بوضوح رؤيتنا لحل أزمة البلاد السياسية، والتي تتمثل في العودة للمسار الديمقراطي المدني من أجل تلبية مطالب الشارع السوداني في تحقيق حلمه طوال العهود الماضية، أما ما يثار في وسائل الإعلام، وبخاصة مواقع التواصل بأن هناك تسوية وصفقة سياسية يجري الترتيب لها، فليس لدينا علم بها، وفي اعتقادنا أنه ليس المهم الآن من الذي يحكم السودان بقدر كوننا محتاجين إلى مسألة كيف نصل إلى حل يقودنا للرجوع إلى التحول الديمقراطي المدني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد، "لكن عملية الوصول إلى التحول الديمقراطي فيها تعقيدات، فهي تتطلب تهيئة المناخ للحوار، فليس معقولاً ممارسة القتل والاعتقال، والبلاد تشهد انهياراً أمنياً داخل المدن، وتشهد كذلك انهياراً اقتصادياً كاملاً، وتقوم بسياسات ضد مصالح المجتمع الدولي، وتريد أن تصل إلى حلول. في نظرنا أن الإشكالية الحالية سياسية ودستورية واجتماعية، ولا يعقل أن تبحث عن حل من دون إشراك أصحاب المصلحة الحقيقية، على الرغم من ترحيب الجميع بأي جهود دولية وإقليمية لإحداث تقارب لإيجاد حل سوداني سوداني، ولا بد من الالتزام الأخلاقي أمام المواطن".
وحول إمكانية عودة حمدوك لرئاسة الوزراء في إطار ما يجري من مساع ومبادرات، أجاب الناطق الرسمي لقوى الحرية والتغيير، "هذا كلام سابق لأوانه، نحن الآن لسنا مشغولين بأفراد، أو مسألة مناصب وسلطة، بل شغلنا الشاغل هو الوطن، وكيف نصل إلى حل قضايانا المصيرية التي هي سبب تأخرنا".
عودة حمدوك
وكانت تقارير صحافية أشارت إلى أن المبادرة الإماراتية، تسعى إلى إعادة حمدوك إلى المشهد حال نجاحها رئيساً للمجلس السيادي، بينما يذهب البرهان لرئاسة مجلس للأمن والدفاع مع تكوين حكومة تكنوقراط ومجلس تشريعي تشارك فيه القوى السياسية وفق ضمانات تشمل إطلاق سراح المعتقلين من لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير، وتشكيل محكمة خاصة بقضايا قتل المتظاهرين، بيد أن مسؤولاً سودانياً أشار إلى إحدى وسائل الإعلام السودانية، إلى أنه تلقى اتصالاً من شخصية مقربة من حمدوك، أبلغته بعودة الأخير في غضون الأيام المقبلة إلى منصبه كرئيس للوزراء، بموجب اتفاق تم بينه وبين البرهان في الإمارات.
وسبق أن أبرم الاثنان (البرهان وحمدوك) في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) اتفاقاً عاد بموجبه الأخير رئيساً للوزراء، لكن لم يصمد الاتفاق لأكثر من ستة أسابيع، حيث قدم حمدوك استقالته مبرراً ذلك بفشله في جمع الأطراف السودانية وخلق توافق سياسي يعيد البلاد إلى مسار الانتقال الديمقراطي، بينما لا يزال مقعد رئيس الوزراء خالياً في ظل استمرار الأزمة السياسية والتصعيد الشعبي الرافض للانقلاب العسكري، فضلاً عن الأزمة الاقتصادية التي تحاصر قادة الانقلاب.
جهود دولية وإقليمية
وكان قد دعا كل من رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان "يونيتامس" فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الأفريقي محمد حسن ولد لبات، خلال مؤتمر صحافي مشترك في الخرطوم، الخميس، إلى ضرورة وقف العنف وتهيئة المناخ من أجل إنجاح الجهود الدولية والإقليمية، وأكدا أن الحل سيكون بأيدي السودانيين أنفسهم.
وطالب بيرتس بضرورة خلق مناخ لإجراء حوار حقيقي، وضمان حق التظاهر السلمي، وإنهاء الاعتقالات التعسفية والإفراج عن المعتقلين السياسيين، فضلاً عن التعاون في محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة الحالية الناتجة عن انقلاب 25 أكتوبر. وأكد بيرتس أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ملتزمان بالعمل لإيجاد حل سلمي يقود السودان إلى انتقال ديمقراطي، إضافة إلى الاستعداد لتسهيل العملية السلمية، لكن من دون فرض حل على البلاد، لأن الحل يجب أن يكون سودانياً.
ونوّه ولد لبات، بدوره، إلى أن السودان يمر بوضع خطير ما يستدعي تسريع الحوار، والوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف، لافتاً إلى أن عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي ستكون معلقة إلى حين العودة للوضع الدستوري والمسار الانتقالي. أضاف، "لا بد من ترتيبات دستورية جديدة، سواء بتعديل الوثيقة الدستورية السابقة أو إعداد وثيقة دستورية جديدة". وتابع ولد لبات، "نحن هنا تحت تصرف السودانيين وندعوهم إلى استغلال الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ونحثهم على التوافق على الحد الأدنى".
وانعكست الاضطرابات الأمنية والسياسية، التي يعيشها السودان حالياً، سلباً على الأداء الاقتصادي، وتدهورت العملة الوطنية بشكل ملحوظ خلال اليومين الماضيين، وفقدت أكثر من 30 في المئة من قيمتها، وجرى تداول الدولار الواحد بنحو 600 جنيه مقارنة مع نحو 430 جنيهاً قبل أحداث 25 أكتوبر.