Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كير ستارمر يستغل الأزمة الأوكرانية لتوجيه رسائل إلى الناخبين

انقسامات حزب العمال حول قضايا الدفاع والسياسة الخارجية لاحقته بعناد على امتداد تاريخه

زعيم المعارضة الرئيسة السير كير ستارمر، متحدثاً أثناء جلسة أسبوعية لاستجواب رئيس الوزراء بوريس جونسون الذي تحدث عن قصف روسيا مستشفى للأطفال في أوكرانيا، وتوعد بتحميل فلاديمير بوتين المسؤولية عنها. بتاريخ 09 مارس 2022 (أ ف ب)

لم يتسبّب كير ستارمر بالأزمة الأوكرانية. في المقابل، بات من المؤكد أنه يستغلها كفرصة لكي يظهر أمام الناخبين بمظهر سياسي وطني ومؤيد لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويرفض مبدأ المسالمة الذي يتبنّاه جناح اليسار ضمن الحزب وكذلك سلفه جيريمي كوربين.

يؤدي ستارمر لعبة القط والفأر مع نواب حزب العمال المناهضين للحرب، بمن فيهم دايان أبوت وجون ماكدونيل، إذ تغازل الفئران موقف "تحالف أوقفوا الحرب"، بيد أنها تشعر أن ستارمر ينصب فخاً لها. إنهم لا يريدون التعرّض للطرد من كتلة الحزب في البرلمان على غرار ما حصل مع كوربين، الذي صار حالياً نائباً مستقلاً. وقد مشى كوربين بقدميه إلى فخ ستارمر من خلال رفضه النأي بنفسه عن "تحالف أوقفوا الحرب"، الأمر الذي أدى إلى جعل منعه من الترشح باسم حزب العمال في الانتخابات المقبلة، أكثر سهولة.

كذلك وقّع أبوت وماكدونيل وتسعة آخرون من نواب حزب العمال بياناً أصدره "تحالف أوقفوا الحرب" ينتقد حكومة المملكة المتحدة لأنها "أرسلت أسلحة إلى أوكرانيا ونشرت مزيداً من القوات في أوروبا الشرقية، وهما تحركان لم يخدما أي غاية أخرى سوى تأجيج التوترات وإظهار الاحتقار للمخاوف الروسية".

بعدها، عمدوا إلى سحب أسمائهم من البيان بعدما هدّد ستارمر باتخاذ إجراءات تأديبية. وفي وقت لاحق، ألغوا خططاً للمشاركة في مسيرة نظمها "تحالف أوقفوا الحرب" يوم الأربعاء الفائت. ثم باتت أبوت التي أخبرت مسيرة نظمها ذلك التحالف في 11 فبراير (شباط) أنه "يجب التعامل بارتياب مع المزاعم بأن روسيا هي الطرف المعتدي"، تصرّ الآن على أنها تؤيد موقف ستارمر حول أوكرانيا، وهو يؤيد النهج الذي تتّبعه الحكومة [حول تلك الحرب]. ويتفق النواب من جناح اليسار سراً مع تذكير "تحالف أوقفوا الحرب" بأنه "لقد ثبت أننا كنا على صواب في ما يتعلق بأفغانستان والعراق وليبيا، فيما كان قادة حزب العمال على خطأ".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن انقسامات حزب العمال حول قضايا الدفاع والسياسة الخارجية لاحقته بعناد على امتداد تاريخه. وغالباً، تُرجمت معارضة اليسار للحرب وللرأسمالية إلى معاداة أميركا، الأمر الذي جعل هذا اليسار مستعداً لافتراض حسن النية بعدوّ الولايات المتحدة الروسي، على غرار ما فعل بالنسبة إلى أوكرانيا في بادئ الأمر. وقد كرر كوربين الموقف ذاته على نحو كارثي في أعقاب محاولة التسميم في سالزبوري [حاولت عناصر استخباراتية روسية تسميم عميل استخبارات روسي سابق]، وفق ما يعترف حالياً بعض حلفائه المقربين. وألحق ذلك الأمر الأذى بحزب العمال في انتخابات 2019، لا سيما في دوائر "الجدار الأحمر" الانتخابية [مناطق صوّتت تاريخياً لحزب العمال لكنه خسرها في تلك الانتخابات]، كذلك أسهم في تعزيز وجهة نظر أوسع ترى أن الحزب لا يمكن الوثوق به لإدارة البلاد.

يدّعي ستارمر أن حزب العمال أيّد حلف "ناتو" على الدوام. وهو على حق من الناحية النظرية. إلا أن ذلك يحجب الجدال الداخلي المكثف. في انتخابات 1983، وعد حزب العمال بقيادة مايكل فوت الذي رفع لواء "حملة نزع السلاح النووي"، بالتخلي من جانب واحد عن الأسلحة النووية التي تحوزها المملكة المتحدة، الأمر الذي جعل دعم الحزب في الوقت ذاته لحلف "ناتو" مجرد ترهات من دون معنى. ثم شعر نيل كينوك، وهو عضو آخر في "حملة نزع السلاح النووي"، بكثير من القلق والارتباك في الوقت الذي تخلى فيه عن السياسة التي تؤدي إلى خسارة الأصوات. وشكّل ذلك كله رحلة مؤلمة، دعم خلالها حزب العمال [سياستَي] نزع السلاح النووي من جانب واحد وأيضاً نزعه من جوانب عدة، وفق ما أخبرني كينوك ذات مرة.

واستطراداً، صمّم توني بلير على استئصال معاداة أميركا من الحزب، وبالغ في تصحيح ذلك من خلال دعم غزو الولايات المتحدة للعراق قبل عام كامل من تنفيذه.

لقد شوّهت كارثة العراق صورة حزب العمال الجديد، وأدت إلى عدم نيله ما استحقه من الثناء لقاء إنجازاته على صعيد السياسة المحلية. واستغل اليسار هذه الكارثة في سياق صراع القوى داخل حزب العمال، بحسب مجموعة من المقالات حول تاريخ الحزب، تتسم بالعمق وبعد النظر، سيجري إطلاقها يوم الثلاثاء تحت عنوان "إعادة النظر في ماضي حزب العمال". وبحسب تعبير محرر الكتاب ناثان يويل، وهو المدير التنفيذي لمركز بحوث "بريطانيا التقدمية"، فإن "الكوربينية" (من كوربين) كانت بالنسبة إلى مؤيديها في جانب منها "رفضاً لأكاذيب حرب العراق".

وتستحق الغاية من الكتاب الثناء، إذ تتمثّل في منع الفصائل المتنافسة في حزب العمال من اختيار ما يناسب حججها من تاريخ الحزب. ويصف يويل ذلك بأنه " تنقيب في تاريخ الحزب، في الوقت الذي يبقى المرء مدركاً لمخاطر الانزلاق التدريجي في الحنين أو التعامل مع الاستكشاف التاريخي كما لو كان نشاطاً يحلّ محل المهمة الطارئة المتمثلة في فهم التعقيدات السوسيولوجية والاقتصادية للمجتمع البريطاني المعاصر".

واستكمالاً، يتجسّد خير مثل على ذلك في أنه، بينما يبجّل اليسار "الكوربيني" راديكالية حكومة جاك آتلي التي أرست أسس دولة الضمان الاجتماعي الجديدة في مرحلة ما بعد الحرب، فإنه لا يتحدث عن وطنية آتلي ودوره المحوري جنباً إلى جنب مع وزير خارجيته إرنست بيفين، في إنشاء حلف "ناتو". وكلاهما رفع طلبات لصناعة أسلحة نووية وعزّز تحالف المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من محاولات اليسار إلصاق لقب "بليري" [نسبة إلى توني بلير] على ستارمر، فإن النموذج الذي يحتذيه يتمثّل في آتلي وبيفين، وليس بلير. ومن الأهمية بمكان تذكّر أن آتلي رأى أن حزب العمال في حاجة إلى إقناع الناس بأنه يستحق ثقتهم حول قضايا الدفاع في عالم خطير، وذلك قبل أن يحظى بفرصة كسب تأييدهم لسياساته الراديكالية.

 وبالنسبة إلى ستارمر، فإن هذه المهمة أكثر أهمية الآن، نظراً إلى وجود حرب في أوروبا، فالعالم أصبح بشكل مفاجئ خطيراً من جديد. وقد أخبر ستارمر نواب حزب العمال يوم الاثنين الماضي بـأن "ناتو، وليس هيئة ’خدمة الصحة الوطنية‘ وحدها، شكّل أحد الإنجازات العظيمة لحكومة حزب العمال في مرحلة ما بعد الحرب". ويقتضي الإنصاف الإشارة إلى أن حملته حول الوطنية والأمن قد بدأت قبل الأزمة الأوكرانية بزمن طويل. فقد نقل إليّ أحد حلفائه "إننا أدركنا أهمية الانتقال إلى موقع أفضل في هذا الشأن".

من المعتاد أن يلتف الناس حول الحكومة في أوقات الأزمات، كما فعلوا بادئ الأمر [عند تفشي] "كوفيد". هكذا، قد تتحسن قليلاً أسهم بوريس جونسون الرهيبة. بيد أن الانطباع المتنامي عن أن المملكة المتحدة تتباطأ في فرض العقوبات ضد روسيا هو أمر خطير بالنسبة إليه، حتى إن الوزراء المسؤولين [عن فرضها] يشعرون بالإحباط بسبب طول المدة التي تستغرقها العملية.

وعلى غير العادة، إن هذه الأزمة العالمية قد تساعد زعيم المعارضة أكثر مما تساعد رئيس الوزراء.

© The Independent

المزيد من تحلیل