Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غرب "القنفذ" الأوكراني: ربح عدوا بعد خسارته

الأميركيون والأوروبيون لن يتدخلوا عسكرياً بشكل مباشر في هذه الحرب

الغرب يعرف أن المقاومة الأوكرانية تعرقل التقدم الروسي وتلحق بالغزاة خسائر كبيرة لكنها لن تستطيع في النهاية منع جيش قوة كبرى من احتلال أوكرانيا أو أجزاء منها (أ ب)

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، التقى الخبير السوفياتي في الشؤون الأميركية جورجي أرباتوف صديقاً أميركياً، وقال له، "أنتم في ورطة: خسرتم عدواً". اليوم، بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا يبدو الغرب في موقع القائل، "ربحنا عدواً". فالعدو البديل الذي سارع الغرب إلى البحث عنه، وهو الإرهاب ومنظمات الإسلام السياسي المتطرفة، لم يكن يكفي لتجييش المجتمعات وتشغيل الماكينة الهائلة في الغرب بكل طاقتها. ولا كان "طالبان" وصدام حسين والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق البديل الكافي أيضاً. فلا الدول الأوروبية الأعضاء في "الناتو" استجابت لدعوة أميركا إلى زيادة مساهمتها في الحلف، بحيث قال روبرت كاغان في كتاب "الجنة والقوة"، "الأميركيون من مارس، والأوروبيون من الزهرة". ولا الناخب الأميركي اختار باراك أوباما ثم دونالد ترمب ثم جو بايدن للرئاسة إلا لأنه تعب من مغامرات بوش الابن والمحافظين الجدد العسكرية. فضلاً عن أن الحماسة للعولمة و"القرية الكونية" جعلت الاعتماد المتبادل الاقتصادي في طليعة العلاقات بين الدول، ودفعت واشنطن والعواصم الأوروبية إلى إدخال روسيا والصين في منظمة التجارة العالمية.

استراتيجية التحول

حتى عندما بدأت أميركا استراتيجية التحول نحو الشرق الأقصى لمواجهة الصين الصاعدة و"روسيا الانتقامية"، فإنها لم تضع بكين وموسكو في مرتبة الأعداء. فالصين، بحسب "وثيقة الأمن القومي" لإدارة الرئيس بايدن "باتت المنافسة الوحيدة المحتملة القادرة على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحد مستدام للنظام العالمي". أما روسيا، فإنها في مرتبة أدنى من التهديد، إذ "لا تزال تصر على تعزيز نفوذها العالمي والقيام بدور يتسبب في حال من الفوضى على الساحة العالمية". ومع ذلك، فإن الوثيقة وصفت العلاقات مع الصين بأنها "تنافسية حيث ينبغي لها، ومتعاونة حين تكون قادرة، وخصومة عندما يجب أن تكون". وما كشفه السلوك العملي تجاه روسيا هو انتقال بايدن من توصيف الرئيس فلاديمير بوتين بأنه "قاتل" إلى عقد أكثر من قمة معه ولقاءات مستمرة بين الوزيرين أنتوني بلينكن وسيرغي لافروف، وتنسيق دائم بين وزارتي الدفاع ورئاستي الأركان. ومن بوش الابن إلى بايدن، فإن رد الفعل على غزو روسيا لجورجيا وضم شبه جزيرة القرم وفصل إقليمين عن أوكرانيا بقي في حدود العقوبات العادية. بعد غزو أوكرانيا، تبدل الموقف جذرياً، كأن كل ما قام به بوتين خلال السنوات الماضية، في رأي أميركا، كان "حرب عصابات" تمهيداً للحرب الواسعة الشاملة في أوكرانيا. وهنا صارت روسيا العدو الذي احتاج إليه الغرب.

حرب أوكرانيا

ذلك أن الغرب الأميركي والأوروبي، لن يتدخل عسكرياً بشكل مباشر في حرب أوكرانيا، وإن أرسل لها أسلحة ومساعدات. وهو يعرف أن المقاومة الأوكرانية تعرقل التقدم الروسي وتلحق بالغزاة خسائر كبيرة، لكنها لن تستطيع في النهاية منع جيش قوة كبرى من احتلال أوكرانيا أو أجزاء منها. وما يركز عليه هو تكبير كلفة الغزو على بوتين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمختصر، كما قال المعلق الأميركي ديفيد إغناتيوس في "واشنطن بوست"، جعل أوكرانيا "قنفذاً" صعب الهضم على المحتل الروسي. فلم يسبق أن توحد الغرب ومعه اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وبلدان عدة على موقف واحد ضد روسيا. ولا مرة كان "الناتو" مطلب كل دولة أوروبية كما هو اليوم. ولا حدود لتجييش المجتمعات ونسيان مطالبها من حكامها للتركيز على إضعاف روسيا. فالعدو هدية من السماء للغرب. ولولا العدو لازداد الانحدار في شعبية بايدن، وتوسعت المطالبة باستقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ولما تمكن المستشار الألماني أولاف شولتز من إقناع الـ"بوندستاغ"، بزيادة الإنفاق على التسلح في ألمانيا من دون قلق أوروبي حيال العسكريتاريا الألمانية بعد القيود المفروضة عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

"العدو السوفياتي"

لكن "العدو السوفياتي" أيام الحرب الباردة كان قوة عظمى بالفعل لها أيديولوجيا وأنصار مؤمنون بالماركسية في كل بقاع العالم. أما "العدو الروسي"، فإنه قوة كبرى ضعيفة اقتصادياً تلعب ورقة الوطنية بعد التخلي عن الأيديولوجيا والنظام الاشتراكي لمصلحة "رأسمالية الشلة" المرتبطة ببوتين، وليس له أنصار، بل يتحمس له من بعيد خصوم أميركا. وعدو عدوك ليس صديقاً بالفعل. فالرهان على دعمه هو سوء في الحساب وخداع النفس. والسؤال الذي لا جواب عنه في الغرب هو: هل يكفي تكبير فاتورة الغزو لكي يتخلى بوتين عن مطالبه التي بعضها صعب وبعضها الآخر مستحيل؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل