Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مجنون ليلى... سيرة الفشل العربي

هناك حالة من جلد الذات يؤججها صنف من المثقفين في مجالات عدة

متظاهر سوداني يرفع شارة النصر (أ.ب)

قتيل من الأشواق أما نهاره / فباكٍ وأمّا ليلهُ فأنينُ

فيا ليلُ كم من حاجةٍ لي مُهِمّةٍ / إذا جئتكم بالليل لم أدرِ ما هيا

لقد جَلبَ البلاءَ عليّ قلبي / فقلبي مذ علمت له جلوب

مجنون ليلى

الزمن الجميل الماضي!

قصة الحب لا تكون قصة إلا إذا كانت قصة فاشلة، على هذا تقريباً هناك إجماع، فالفشل يعني أننا أمام تراجيديا يونانية، تؤثر في البشر، يمكن قصها، وهناك دواعٍ للاهتمام بها، لأن التراجيديا اليونانية فاجعة، دافعها والمسبب فيها قوة خارقة هي القدر. هذا يعني بالضرورة أن هذه القصة من الماضي، بحيث تتحول إلى أمثولة وحدث يستدعي كتابة الشعر، وقد تتحول إلى سرد ملحمي كالقصص الكبرى، في تاريخ البشر عموماً وبخاصة في تراث العرب!..طبعاً الماضي سيكولوجياً يُصفى من شوائبه وآلامه وفجائعه، فما يتبقى ذكرى، غالباً ما تكون "الجنة" التي طُرد "آدم" منها، ما أمست كما الحلم، من الضرورة العود إليها والتحسر على فقدانها، فإنها (الزمن الجميل) في كل حال...

العربي مجنون (الزمن الجميل) في حالة مثالية ولا مثيل لها، مثلاً إذا كانت (ليلى) تيار الإسلام السياسي (ابن تيمية) فإن (ليلى) التيار العلماني (ابن رشد)، وعند الشعراء والغاوين (ابن عربي) وهلم...، الجنون والتعلق بالماضي هذا صنوان، وهو ارتهان لمنجز مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه، مأتاه نكوص سيكولوجي، كما المرء العاجز الذي ينضوي ويحتمي بالطفولة.

لذا في المنطقة حالة تشيع للماضي، نموذجها التمثل بالعدو، ما هناك إجماع عربي ظاهر حول ظلمه وعدوانه، (إسرائيل) التي هي دولة أسسها علمانيون على أسطورة لاهوتية!، وبالتالي تتمظهر كابنة للماضي، الماضي السحيق. ومن هذا التمثل العاجز عبادة الماضي تنتج عبادة الفرد نصف الإله، حتى أننا نجد في دول كدول الربيع العربي، تحقق لهذا بَيّن في "متلازمة استوكهولم"، ما تتجسد في التمجيد للديكتاتور الذي قامت الجموع ضد قمعه كصدام والقذافي...الخ.

تراجيديا الفشل

عليه، النخبة العربية تجر ذيول فشل لا ينتهي حتى الآن، وتُصدرُ إحباطات متتالية، وتكرر مقولات جاهزة ونهائية في غير سياقها، وتُجمع على هذه المقولات كضرورة أزلية، ومن ذا تتبادل التهم في ما بينها، وبينها والسلطات الحاكمة، فتعيش المنطقة في إطار هذا، مذبحة فكرية ومادية. وهكذا، حين خرجت الجموع منذ 2011م وحتى الساعة، عن سياق بات معتاداً في المنطقة، منذ ما سُمّي بحركات التحرر ونتاجه دولة الاستقلال، عندئذ أُرجع الفشلُ وعدم التحقق لغياب البرنامج لدى هذه الحركات (الثورة)، وأكثر التهم التي استعادتها النخب لدواعي الفشل، ما في الخُرجْ مثل: الجهل، التخلف، سوء أو عدم التعلم، الثقافة الرجعية المهيمنة، مقولات رددها الشيخ محمد عبده في نهاية القرن التاسع عشر عند فشل حراك (أحمد عرابي)، وما زال هناك شبه إجماع  يردد تقويمات ومقولات الشيخ تلكم، بصيغ مختلفة في الشكل وبالمحتوى ذاته. كأنما المهمة المطلقة للتاريخ أن يكرر نفسه، كي تتحقق الفاجعة العربية: قصة الحب الفاشلة للنهضة، ومن ثم ترديد وإنتاج هذا الكم الهائل للمراثي، تجريح الذات وجلدها، البكاء على الأطلال، ثم هذا العود الأبدي للبدايات/الشيخ في كل لحظة وحال.

الجرح العربي

الفشل العظيم! كذريعة مسكوت عنها لجنون عظمة مقلوب، فالجرح العربي ليس كمثله شيء في الأخير. وهناك حالة من جلد الذات يؤججها صنف من المثقفين في مجالات عدة، هم كشعراء المراثي في كل سَوقْ وتعبئة يندبون الحال العربي المزري، ولا يزيدون ولا ينقصون عما تم نتاجه، عليه هم كما العجائز، ندابات الجنائز في التراث الشعبي الموسوم بالتخلف. هذا هو المشهد المستعاد في السياسة والفكر والفنون والآداب، ومن ركائزه الأخرى التنقل في سلم الموسيقي الحزين ذا، بين مقام (الخارج/ الاستعمار) ومقام (الداخل/التخلف)، دونما أي بحث جاد ومضن في العلائق بين المقامين، وفي هذا الصدد تُكال تهمة الانتماء لنظرية المؤامرة لصاحب المقام الأول، أما صاحب الثاني فالتهمة المتغرب!...

من هذا، كأنما الفشل/ القدر في قصة مجنون ليلى وكل تراجيديا، فتكون سيرة الفشل العربي وباء لا دواء له، فالعربي موبوء منذ الأزل إلى الأبد. وفي الأحيان الحسنة، يتم إعادة ذات التشخيص، ما تردد مع نهايات القرن قبل الماضي، وقرّ الدواء ذاته: التعليم فالثقافة، التعليم للوقاية والثقافة للعلاج، هذا ما يُردده الأمي وشبه المتعلم، وشبه المثقف وكل الأشباه. هذا كالسهل الممتنع، ما مُصاب به التفكير العربي، إسهال في الميديا، والكتب، ومدرجات الجامعات، والساحات والملاعب، حيث الكلّ يُردد التشخيص والدواء، ومنذ ما يقارب القرنين، مما سُمي بالنهضة العربية الحديثة الفاشلة.

هامش:

كتبت هذا متابعاً فمعلقاً على المذبحة التي يقوم بها عسكر السودان، تجاه سوداني فقير ولا سلاح له غير حلم الخروج من بوتقة الفشل، التي أدْخلَ العسكرُ السودانَ فيها، منذ الاستقلال وحتى ساعة القيامة هذه. 

اقرأ المزيد

المزيد من آراء