سعى الرئيس العراقي المنتهية ولايته، الطامح إلى ولاية ثانية، برهم صالح، إلى امتصاص السخط الشعبي الذي أثاره منحه عفواً رئاسياً لنجل محافظ النجف الأسبق، لؤي جواد الياسري، المدان بتهم تتعلق بتجارة المخدرات، وذلك عبر سحب العفو والمطالبة بإعادة توقيف الأخير.
وأضعف منح العفو بعض الشيء، حظوظ التجديد لصالح كرئيس للعراق.
وكانت السلطات الأمنية العراقية قد اعتقلت في يناير (كانون الثاني) 2018، عصابة مكونة من ثلاثة أفراد يتاجرون بالمخدرات في العاصمة بغداد، أحدهم نجل محافظ النجف حينها لؤي جواد الياسري، وكان بحوزتهم 8 كيلوغرامات من المواد المخدرة، وحكم عليهم بالسجن المؤبد.
وحظي المدانون الثلاثة بعفو رئاسي بشكل غير معلن، وتم الإفراج عنهم، لكن القضية عادت إلى الواجهة في الآونة الأخيرة، بعد أن أثيرت مواقف منددة، ما دفع الرئاسة العراقية إلى طلب فتح تحقيق.
وطالب برهم صالح بالإيعاز إلى الجهات القضائية باتخاذ الإجراءات اللازمة، بعد سحب المرسومين الجمهوريين اللذين منح بموجبهما العفو للمدانين الثلاثة، ومخاطبة وزارتي العدل والداخلية لإلقاء القبض عليهم وإيداعهم في "المؤسسات الإصلاحية".
وقال صالح، بحسب بيان رئاسة الجمهورية، "لن نتهاون في مجابهة التحدي الخطير بالترويج للمخدرات وتجارتها والمحكومين فيها، ولن نتردد مطلقاً في تصويب ما قد يشوب المراسيم أو الأوامر الرئاسية من شطط أو مخالفات قانونية طالما أنها ستصب في إطار أمن المجتمع واستقراره". وكان الرئيس العراقي أمر السبت الماضي بفتح تحقيق بتلك الوقعة، ولفت مكتبه إلى أن منح العفو تم بناءً على توصية من الحكومة.
وجهة نظر قانونية
في السياق، علق الخبير القانوني المستشار سالم حواس، على مسألة رجوع الرئيس عن منح العفو الخاص، فقال حواس، إنه "لا يوجد نص دستوري يمنع رئيس الجمهورية من الرجوع عن قراره ومرسومه الجمهوري، بل على العكس، أعطاه النص الدستوري الصلاحية الكاملة، بناءً على توصية رئيس مجلس الوزراء في ظل وجود حكومة دائمة". وأضاف أن "هذا التصرف قد يجعله مسؤولاً أمام القضاء وأمام المحكمة الاتحادية العليا باعتباره قد خرق نصوصاً قانونية ودستورية، منها نص المادة 50 المتعلقة بالحنث باليمين والمادة 93 (ثالثاً وسادساً) من الدستور المتعلقة بصلاحية المحكمة وسلطة المحكمة الاتحادية العليا حول حنث اليمين أيضاً".
وبيّن أن "شروط الترشح لرئاسة الجمهورية، الواردة في المادة 68 من الدستور، الفقرة الثالثة، تنص على أن المرشح الرئاسي يجب أن يكون ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهوداً له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن". وأشار حواس إلى "احتمال انتفاء أحد تلك الشروط لدى برهم صالح، بالتالي حرمانه من الطموح السياسي لهذا المنصب".
وتابع أن "فقدان هذه الشروط لا يحتاج إلى حكم من القضاء العادي أو المحكمة الاتحادية العليا بإدانة صالح بالحنث باليمين، بل إن فقدانها يعد أمراً كافياً باستبعاده مستقبلاً أيضاً، كما فعلت المحكمة الاتحادية العليا في مسألة استبعاد هوشيار زيباري الذي بمجرد مخالفته شرط حسن السمعة والسيرة الحسنة والسلوك والإخلاص والعدالة، دون الحصول على حكم إدانة، على اعتبار أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. كذلك، وعلى الرغم من استجوابه وسحب الثقة منه أمام مجلس النواب، فإن استبعاد زيباري تم لمخالفته هذين الشرطين في النصين المذكورين، القانوني والدستوري، وليس بموجب حكم إدانة مكتسب درجة البتات".
من جهة أخرى، سعى "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى تبرئة صالح، مرشحه لولاية رئاسية ثانية، من قضية العفو عن تاجر مخدرات. وقال عضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" كاروان أنور في تصريح صحافي، إن "برهم صالح معروف بنزاهته والعفو عن تاجر مخدرات، مسألة عابرة". وأضاف أن "وسائل الإعلام ركزت على هذه المسألة دون غيرها في هذا الوقت تحديداً لغايات سيكشف عنها النقاب قريباً".
طرق المسمار الأخير
في المقابل، شن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، هجوماً قاسياً على رئيس الجمهورية الحالي.
وقال عضو الحزب، عماد باجلان، في تصريح صحافي، إن "برهم صالح مستعد للتخلي عن كل الشعب العراقي وحتى السليمانية من أجل كرسي الرئاسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك، اعتبر القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ريبين سلام، أن "رئيس الجمهورية بإصداره مرسوماً جمهورياً يتضمن عفواً خاصاً عن تاجر مخدرات، يكون قد خرق للدستور بشكل واضح وصريح في سبيل تحقيق مكاسب شخصية". ورأى أن "برهم صالح بتصرفه طرق المسمار الأخير في نعش ترشحه إلى رئاسة الجمهورية، ومكتبه قدم تبريرات أقبح من أصل الفعل نفسه".
وقال سلام للموقع الإخباري التابع لقناة "السومرية" العراقية، "للأسف الشديد فإن من يفترض أنه حامي الدستور كان الشخصية التي خرقت الدستور بكل صراحة، على اعتبار أن الدستور منع رئيس الجمهورية من منح عفو خاص لأي شخص متهم بجريمة دولية. وعلى اعتبار أن تجارة المخدرات هي جريمة دولية خطيرة، فإن ما قام به رئيس الجمهورية هو ضرب للدستور عرض الحائط، ناهيك عن كونها استهانة بمئات الضحايا لهذه الآفة التي دمرت المجتمع". وأضاف سلام، أن "التبرير الذي أطلقته رئاسة الجمهورية لهذا المرسوم المخجل كان أقبح من أصل الفعل على اعتبار أنه يعطي رسالة بأن دائرة رئاسة الجمهورية برمتها ليس فيها خبراء قانونيون ينبهون رئيس الجمهورية بوجود خرق دستوري في توصية من مجلس الوزراء، وهذه لوحدها كارثة بحق العراق وشعبه، ولا ندري لماذا كانت الأموال تصرف سنوياً من خزانة الشعب لرئاسة الجمهورية تحت عنوان مستشارين قانونيين لرئيس الجمهورية والدائرة القانونية في الرئاسة".
غلطة الشاطر بمليون
بدوره، اعتبر النائب عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني" شيروان الدوبرداني، أن "حظوظ برهم صالح انتهت تقريباً بعد مرسومه الجمهوري"، الذي قال إن "غلطة الشاطر بمليون"، مؤكداً أنه "خرق للدستور وليس خطأً عادياً. وقد اعترف برهم صالح بالخطأ بالكامل حين سحب المرسومين. وهذه إدانة له".
الدولة تمر بانتكاسة كبيرة
بدوره، قال العضو في "تحالف السيادة"، النائب مشعان الجبوري، إن "مرسوم العفو الذي أصدره الرئيس صالح عن تاجر المخدرات، نجل محافظ النجف، يظهر الحضيض الذي وصلت إليه الدولة".
من ناحية ثانية، صرح النائب عن "كتلة الصادقون"، أحمد الموسوي، أن "القضاء العراقي يسعى جاهداً للحفاظ على ما تبقى من معالم الدولة في ظل التجاوزات المستمرة من قبل الحكومة على سلطة القانون".
وأبدى الموسوي في تغريدة على "تويتر"، استغرابه من "تجاهل الرئاسات الثلاث لمواد القانون والقفز على بنوده"، مبيناً أن "الدولة العراقية تمر بانتكاسة كبيرة على الرغم من محاولات القضاء العراقي الحفاظ على ما تبقى من معالم هذه الدولة العريقة بتاريخها، عبر معالجة الرغبات السياسية بقوة القانون، دعماً للمؤسسات".
وتساءل الموسوي عن مدى قدرة شاغلي الرئاسات الثلاث على إدارة هذه المؤسسات السيادية.
وقال: "كيف لرئيس جمهورية العراق أن يصدر مرسوماً يخالف فيه الدستور علناً، فضلاً عن قيام رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بفتح باب الترشيح ومخالفة الدستور جهاراً"، فيما استهجن إصدار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي "أمر بتطويق محكمة الكرخ والاعتداء على القضاء".