Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تغلب رياضيو الألعاب الأولمبية الشتوية على الخوف؟

رياضيات يعتبرن أن تقبلهن الشك أداة حاسمة في منافسات يمتزج فيها الخطر مع السرعة والأدرينالين

المتزلجة البريطانية ليوني جيركين سكوفيلد أثناء منافستها بطلات التزلج الحر في دورة بكين (غيتي)

قد يبدو شعار "لا تستسلم أبداً" الذي يطرحه معظم الرياضيين مبتذلاً بعض الشيء، لكن رياضية التزلج الحر ليوني جيركين سكوفيلد بنت مشوارها المهني على تحقيق تلك الكلمات [ورفع لواءها]. إذ إن جسد هذه الفتاة البالغة من العمر 24 سنة مغطى بندوب كثيرة من مشارط الجراحين. فقد كسر ظهرها، وعانت انزلاقاً غضروفياً، وخضعت لجراحتين في الركبة، وخلعت كتفها ثلاث مرات ما قد يستدعى إجراء جراحة في نهاية المطاف. وجاءت ذروة المشاكل التي واجهتها هذه الشابة، عشية عيد الميلاد مباشرة، قبل نحو شهرين من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2022 في بكين. وحينها، تعرضت لحادثة تحطم أثناء التدريب على خوض مسابقة في جبال الألب. وفيما كانت الإصابات الجسدية طفيفة نسبياً في عالم هذه الرياضية، لكن التأثير النفسي فيها عند المنافسة بعد أيام، جاء هائلاً.

وفي وصف ما حصل، تحكي لـ"اندبندنت" تلك الرياضية أنه "بعد وقوع تلك الحادثة أجرى لي طبيب تابع لـ(الفريق الأولمبي البريطاني) Team GB  فحصاً للتأكد من أنني بخير، إذ تعرضت لضربة في كتفي ورأسي، لكن بدا أنه لا يوجد خطر. من ثم تحدثت مع طبيبتي النفسية الرياضية، وأخبرتها بأنني لم أشعر بأنني على ما يرام حينما كنت على القمة. فقد أثرت الكاميرات وظروف المنافسة وحال الانتظار فيَّ. وبدأت ساقاي ترتجفان، ودخلت في اضطراب عصبي كامل".

في اليوم التالي، التقت جيركين سكوفيلد مع مدربيها وطبيبتها النفسية الذين حاولوا استكشاف طريقة لجعلها تستعيد ثقتها بنفسها.

ووفق كلماتها، "أطلعتهم على ما كنت أشعر به، وكيف واجهت كل ما حدث. فقد كان الأمر من الصعوبة بمكان بالنسبة إليَّ بحيث إنني لم أكن أعرف كيف سأنافس في الأيام المقبلة. لكن، في نهاية الاجتماع تعلمت الكثير عن نفسي. أدركت أن مواجهة الوضع بمفردي لا تفيدني كثيراً، في حين أن التحدث مع فريقي عن أي شيء يبقيني بعيدة عن موضوع التزلج، من شأنه أن يجعلني أهدأ وأن أشعر بالراحة. أنا في العادة أبالغ في التفكير، من هنا فإن أي شيء يبقي ذهني منشغلاً هو في الواقع أمر جيد. وكذلك فقد صعدت في كرسي تلفريك التزلج برفقة المدرب الرئيس للفريق الأولمبي البريطاني، كي لا أترك بمفردي".

وتضيف رياضية التزلج الحر، "نجحت الخطة. كنت في البداية أشعر بالثقة. لكن طبعاً جاء ضغط المنافسة، إلا أنه لم يكن ذلك الثقل الهائل الذي كنت قد شعرت به خلال الجولة الأولى، كان (ضغطاً مقبولاً) وكنت أعرف أنني سأكون على ما يرام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أصبح التدريب والدعم النفسيان أكثر حضوراً في رياضات النخبة على مدى العقد الماضي من الزمن، إلى درجة أن معظم فرق الدوري الإنجليزي لكرة القدم بات لديها الآن خبرات في علم النفس ترافق الرياضيين في الملاعب بما يضاهي أقسامها الطبية. وفي ما يتعلق برياضات كالتزلج التي يكون الخطر عقبة ملازمة لها يجب التغلب عليها، إضافة إلى أن الإصابة تشكل خطراً على مهنة اللاعب، وبالتالي، فإن امتلاك الثقة في النفس والأداء يبقى أمراً حيوياً ليس لمجرد النجاح وحده، بل من أجل السلامة الشخصية أيضاً.

قد سلطت سيمون بايلز لاعبة الجمباز الأميركية صاحبة الإنجازات السابقة، الضوء على هذه النقطة هذا الصيف حينما انسحبت من معظم مشاركاتها الأولمبية، مشيرة إلى الحاجة إلى حماية صحتها العقلية، وبالتالي حماية نفسها. وأظهر موقف بايلز للعالم أن من الجيد تقبل الخوف ومناقشته، تماماً على غرار ما يكونه الوضع لدى الإصابة بالتواء في الكاحل.

وعلى الرغم من نجاح أسلوب إلهاء الرياضية جيركين سكوفيلد في جبال الألب عن التفكير في مشاكلها في التزلج، فإنها ترى أن الخوف في النهاية ليس شأناً يمكن تجاهله أو الحؤول دونه. وتضيف، "أعتقد أن الخوف شعور يجب الإقرار به والتحدث عنه كلما ظهر. ففي نهاية المطاف الرياضي إنسان، ويمكن للخوف الطبيعي أن يطرأ في كل موقف لا يكون صاحبه معتاداً عليه، أو ليس مرتاحاً فيه".

وكذلك يوافق عالم النفس الرياضي الدكتور مارتن تيرنر على هذه المقاربة. فقد عمل هذا الاختصاصي مع فرق النخبة ومع أفراد، وشارك في تأليف كتاب للرياضيين بعنوان "تبديل الوضع: كتيب المهارات العقلية" Tipping The Balance: The Mental Skills Handbook، ويرى أن مواجهة الخوف تعد استراتيجية فعالة أكثر من قمعه.

في المقابل، ينبه الدكتور تيرنر، أستاذ في "معهد الرياضة في جامعة مانشيستر متروبوليتان" Manchester Metropolitan University Institute of Sport إلى أن "الخطر الناجم عن الإلهاء عن الخوف يكمن في مواصلة تجاهل المشكلة ودفعها جانباً بحيث لا يتعامل الرياضي أبداً مع الخوف من الألم أو الخوف من الإصابة. وإذا استمررنا في القول للاعب، (فكر فقط في شيء آخر)، ففي مرحلة ما ستعود المشكلة إلى الظهور. إن ما نقوم به في الواقع يتمثل في حمل هؤلاء الأشخاص على التعبير عن مخاوفهم، والتحدث عنها، ومن ثم يمكنهم معرفة مصدر هذا الخوف".

ويتابع تيرنر، "في كثير من الأحيان لا يتأتى الخوف بالضرورة من الألم أو من الإصابة، إذ عادة ما ينشأ مما قد تعنيه الإصابة، كأن يفكر الرياضي على هذا النحو، (قد أصبح غير قادر على المنافسة، وإذا لم أتمكن من المنافسة فعندها يمكنني الانسحاب، وإذا ما انسحبت، فمن أكون في النتيجة؟)".

ويعد الخوف شعوراً نسبياً. إن الخوف من الإصابة التي قد يتعرض لها معظم الناس عند الانحدار إلى أسفل جبل ثلجي بسرعة 60 ميلاً (96 كيلومتراً) في الساعة، لا يشبه الشعور الذي يكون لدى رياضي أتقن حرفته على مدى حياته. فتصور الرياضيين للخطر يتحول تدريجياً بحيث يصبحون إلى حد ما متأقلمين معه، تماماً كراكبي الدراجات الكولومبيين المتعودين على الارتفاعات العالية، الذين يجتازون بانسيابية جبال الألب ضمن "طواف فرنسا للدراجات الهوائية" Tour de France.

ويتابع الدكتور تيرنر، "المتميزون في الرياضات (لا سيما منها الشتوية) عادة ما يبدأون مسيرتهم في سن يافعة باختيار فئات آمنة نسبياً، ثم يعملون لاحقاً على تطوير مهاراتهم واكتشاف قدراتهم في تحقيق إنجازات بوتيرة أكثر سرعة إنما أشد صعوبة. لذا يتشكل هذا المسار من عملية تدريجية. فمع الوقت يعززون مهارتهم وينأون بأنفسهم عن أي إحساس بالخوف قد يساورهم من شأنه أن يثنيهم عن المثابرة على الطريق التي اختاروها".

حتى في هذه الحالة، يمكن لرياضي من النخبة أن تتصدع ثقته في نفسه في لحظة ما. فالمتزلجة ميلي نايت التي تعاني إعاقة في البصر، تستعد في الوقت الراهن لخوض منافسات "أولمبياد بكين للمعوقين" Beijing Paralympics  بعدما فازت بثلاث ميداليات قبل أربعة أعوام في "بيونغ تشانغ" في كوريا الجنوبية، لكنها كادت هي أيضاً تستبعد بسبب حادثة أثارت نوعاً من التحدي لقدرتها النفسية على الصمود والمضي إلى الأمام. وقبل نحو سنة من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي أجريت سنة 2018 في كوريا، كانت نايت تلحق بدليلها بريت وايلد بسرعة عالية وتتواصل معه عبر سماعة أذن "بلوتوث"، حينما تهاوت عند خط النهاية وانقلبت على نفسها خلال أحد اختبارات الألعاب البارالمبية.

وتضيف نايت ضاحكة، "حاولت أن أتوقف عند إحدى اللفات، وهو ما لا يمكن القيام به حقاً مع الانطلاق بسرعة 100 كيلومتر في الساعة. انقلبت وتشقلبت مراراً عدة وسقطت على رأسي ثلاث مرات. خلعت فكي وكان الدم يغطي الثلج. ولم تكد تمضي ستة أشهر على الحادثة، حتى عدت إلى التزلج. حدث ذلك في أغسطس (آب) حينما سافرنا إلى تشيلي، وكان الأمر مروعاً. فقد عملت على مدى شهر كامل، على عكس الزلاجتين إلى الداخل لإبطاء الاندفاع، لأن تلك كانت السرعة الوحيدة التي يمكنني التعامل معها. بدا الأمر مثيراً للهلع إلى حد بعيد. وقد تملكني خوف لا يمكن تصوره".

في المقابل، تمكنت هذه الرياضية بمساعدة فريق دعمها بمن فيه عالمة النفس الرياضية التابعة لـ"الفريق الأولمبي البريطاني" كيلي فاي، من إعادة بناء الثقة في نفسها بصورة تدريجية. وتتحدث نايت عن فاي، "لقد فهمتني كرياضية وكإنسانة. عرفت متى تتحداني، ومتى تدفعني وتحضني على المضي إلى الأمام، ومتى تتعاطف معي ومتى تتفهمني".

لقد اقترحت فاي عليها معالجاً يستخدم التنويم المغناطيسي، لكن نايت شككت في جدوى ذلك في البداية. وتساءلت، "معالج بالتنويم المغناطيسي؟ هل سيقوم بالتلويح بساعة أمامي؟ إلا أن الطريقة التي أعاد من خلالها تنسيق أفكاري كي أتعامل بإيجابية حينما يتعلق الأمر بحوادث الاصطدام كانت أمراً لا يمكن تصديقه. فقد جعلني بطريقة ما أضحك، حينما أتذكر حادثة انقلابي".

وعلى نحو تدريجي، ساعدها الأشخاص المحيطون بها على استيعاب محنتها، وسرعان ما عادت إلى مستوياتها في الأداء وحصد ميداليات. شكلت عالمة النفس كيلي فاي على وجه الخصوص عنصراً أساسياً في جعل نايت تؤمن بمثلث الثقة، فقد وثقت بدليلها على المنحدرات بريت، الذي وثق هو أيضاً بها، ما دفع بنايت إلى أن تثق بنفسها. وفي هذا الإطار، يقول بريت "ما فعلته كيلي يثير الذهول، لذا أعزو الفضل إليها في تحقيق هذه النتائج".

إلى جانب البراعة الجسدية المطلوبة للاعب الأولمبي، والمهارات الفنية التي اكتسبها وشذبها بدقة على مدى أعوام عدة، يعد الثبات العقلي مهماً بالمقدار نفسه بالنسبة إلى أدائه الرياضي، لا سيما في "دورة الألعاب الأولمبية الشتوية". ولطالما وصف لاعب الأولمبياد الشتوي بأنه لا يظهر أي خوف، إلا أن المسألة تكون مرتبطة أكثر بطريقة تقبله هذا الشعور.

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أن اللاعبة الأولمبية ليوني جيركين سكوفيلد تعافت من حادثة تحطمها قبل عيد الميلاد، ووصلت إلى خط الانطلاق في بكين للمشاركة في مسابقة التزلج الحر الأسبوع الماضي. جسد ذلك لحظة عاطفية، فقد تأهلت شقيقتها ماكايلا أيضاً إلى ألعاب بكين، لكن شقيقها التوأم طوم غاب للتو بعد إصابته بارتجاج في الدماغ، وكذلك صدقت مخاوفها حينما تعرضت للانقلاب والتحطم خلال أول جولة لها في التصفيات. وكالعادة، لم تستسلم، إذ عاودت النهوض برباطة جأش، وأكملت المحاولة الثانية كي تحل بجدارة في المركز السابع عشر. ووفق كلماتها، "إنني أدرك المخاطر في رياضتي، ذلك أنها للأسف جزء من اللعبة، وشأن يتعين تقبله. وكي تكون رياضياً متميزاً، عليك أن تقبل التحديات ومحطات الفشل".

© The Independent

المزيد من رياضة