Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طيف الماضي… إرث الألعاب الأولمبية الشتوية حي في سراييفو حتى بعد عقود

تحطم الموقع الشتوي للعام 1984 خلال الحرب التي اندلعت لاحقاً

منصة التتويج في موقع القفز التزلجي الذي بني خصيصاً للألعاب الأولمبية الشتوية عام 1984 على جبل إيغمان قرب سراييفو (جازمين بروتوس)

كانت المرحلة الذهبية، ليس فقط بالنسبة إلى مدينة غامضة بعيدة من المسارات المألوفة، بل بالنسبة إلى بلد يخرج من العتمة إلى النور، لكن هذه الفترة لم تدم.

أصبحت سراييفو التي استضافت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 1984 مدينة لمع فيها البريق العالمي والتميز الرياضي، وكانت يوغوسلافيا، الدولة التي افتخرت بعدم انتمائها لأي من الكتلتين الشرقية أو الغربية اللتين كانتا تتواجهان في تلك الفترة، تستعرض نفسها وتخرج من العزلة إلى ساحة اللاعبين الدوليين.

قبل الألعاب الأولمبية تعرف معظم الغربيين على سراييفو من خلال دروس التاريخ، باعتبارها المدينة التي اغتيل فيها الأرشيدوق فرانز فرديناند على يد صربي قومي العام 1914، وأشعل مصرعه فتيل الحرب العالمية الأولى.  

ويقول كينيث موريسون، أستاذ تاريخ منطقة البلقان في جامعة دو مونفورت في لستر، "لا شك أبداً في أن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سراييفو أعادت وضع المدينة على خريطة العالم". 

"وفي سراييفو، ما يزال ذلك مصدر فخر وشرف حقيقي، وليس في سراييفو وحدها بل في يوغوسلافيا السابقة، فهناك بعض الحنين للألعاب الأولمبية" بحسب تعبير موريسون في حديثه مع "اندبندنت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إنما سرعان ما تحولت الألعاب الأولمبية للعام 1984 في سراييفو إلى فصل من التاريخ والأساطير، فبعد مرور ثمانية أعوام على انعقادها اندلعت حرب مريعة، واستحالت سراييفو مدينة منكوبة واقعة تحت نير القصف واليأس.

انقسمت يوغوسلافيا إلى سبعة كيانات بعد سلسلة من الصراعات المسلحة الدموية المتداخلة، وانقلبت المنشآت الأولمبية التي بذلت جهود مضنية لبنائها على مدار ست سنوات ساحات حرب، ولكن كان أن تركت تلك الألعاب في سراييفو بصمتها على التاريخ الجيوسياسي والرياضي، وأثرت في مسار الحرب وخلفت وراءها إرثاً دائماً.

لا يزال المؤرخون الرياضيون يتذكرون دورة الألعاب للعام 1984 بسرور. في البداية قلة من الناس آمنت بأن سراييفو، تلك المدينة المنعزلة نسبياً، سوف تتمكن من استضافة دورة أولمبية شتوية ناجحة عند فوزها بالمنافسة في العام 1978.

ويقول موريسون، "لطالما اعتبرت عاصمة ريفية ولم تكن بالتالي الخيار المتوقع". 

ولكن المدينة قامت بتحضيرات مذهلة، ووسعت مطارها وطرقاتها، وشيدت مبان سكنية لاستضافة الرياضيين والصحافيين، كما بنت منشآت جديدة ومتطورة للتزلج على الثلج والجليد والتزلج الجماعي.

 

 

قبل أيام قليلة من انطلاق الألعاب توفي الزعيم السوفياتي يوري أندروبوف، وسرت الشكوك حول مشاركة الدولة في الألعاب، ولكنها شاركت وقدمت أداء جيداً جداً كذلك. 

شعر منظمو الألعاب الأولمبية بالتوتر بسبب انعدام الثلوج، ولكن عندما تساقط الثلج أخيراً، جاء على شكل عاصفة مهيبة كست المدينة الجبلية كاملة بغطاء أبيض، وفي النهاية كان الثلج ممتازاً للتزلج، أما المنشآت فكانت من الدرجة الأولى والمدينة مضيافة.  

ويقول موريسون، "حققت الألعاب النجاح أسوة بأي دورة أولمبية غيرها، ولو أقمنا مقارنة بين ما حدث في سراييفو من جهة والمنتجعات المعروفة ببنيتها التحتية الموجودة أساساً من جهة أخرى، سنجد أن نجاح هذه الدورة كان خارقاً".

في مسابقة التزلج على الجليد أبهر الثنائي جاين تورفيل وكريستوفر دين العالم برقصتهما على موسيقى بوليرو لرافيل، فحصلا على علامة كاملة وأحرزا الميدالية الذهبية، وكانت تلك، بحسب تعبير الصحافي الرياضي ومؤرخ الألعاب الأولمبية فيليب باركر، "قصة حب مأساوية تسلب الألباب، واعتبر تزامن فوزها بالذهبية مع عيد الحب حدثاً شاعرياً ومثالياً".

ولكن الاتحاد السوفياتي وألمانيا الشرقية، وهما دولتان ما عادتا موجودتين [اندثرتا]، حصدتا غالبية الميداليات.

لو استثنينا اليونان، كانت دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 1984 الدورة الأولمبية الأولى والوحيدة التي أقيمت في منطقة البلقان، واعتبرت يوغوسلافيا السابقة هذه الفعالية مناسبة لتقديم نفسها للعالم.

حدث ذلك خلال فترة كانت سيارة يوغو هاتشباك الصغيرة التي تصنعها يوغوسلافيا تباع في المملكة المتحدة وغيرها من الدول، وسعى رجال الأعمال إلى إيجاد فرص استثمار في بلغراد ودوبروفنيك. افتتحت سراييفو فندق "هوليداي إن" لمناسبة الألعاب الأولمبية، وكان أول فندق من سلسلة فنادق عالمية يفتح أبوابه في منطقة البوسنة والهرسك سابقاً التي كانت إحدى الجمهوريات اليوغوسلافية الست في ذلك الوقت.

لكن في غضون 10 سنوات صارت معظم المنشآت ساحات معارك خلال الحرب التي اندلعت بين الأشقاء واجتاحت المدينة والبوسنة والهرسك. 

أما فندق "هوليداي إن" الذي كان في يوم من الأيام رمز السحر والتألق، فقد تحول إلى مخبأ مظلم لمراسلي الحرب المتعبين، واستولت ميليشيات صرب البوسنة على مواقع الألعاب الأولمبية فوق سراييفو، واستخدمتها لقصف المدينة الواقعة تحتها. في الأيام الأولى من حرب البوسنة دمرت القذائف المتحف الأولمبي الذي أقيم احتفاء بألعاب العام 1984 في فيلا مانديتش الراقية والتاريخية، وتحول قبو قاعة زيترا الأولمبية، حيث أذهل المتزلجون على الجليد العالم، إلى مشرحة ميدانية تستقبل جثث قتلى الحرب.

ولكن إرث الألعاب ظل حياً، إذ يقول موريسون إن جزءاً كبيراً من البنية التحتية للإعلام والنقل التي بنيت خصيصاً للألعاب الأولمبية ساعدت الصحافيين الذين يغطون النزاع في نقل فاجعة الحرب إلى باقي العالم.

خلال دورة الألعاب الصيفية التي استضافتها برشلونة عام 1992، ذكر المراسلون الذين كانوا يغطون حصار صرب البوسنة لسراييفو دورة عام 1984 من الألعاب الأولمبية مراراً.

 

ويرى موريسون أنه "لو لم تكن سراييفو معروفة على هذا النحو، فلربما ما كانت لتحظى بالتغطية الإعلامية نفسها، وقصة المدينة الأولمبية التي تتعرض للتدمير كانت ماثلة جداً".

خلال دورة الألعاب الشتوية للعام 1994 في ليلهامر، النرويج، ناشد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية خوان أنطونيو سامارانش العالم أن يتذكر سراييفو التي كانت ما تزال عالقة في أتون الحرب والقصف، ودعا إلى إعادة العمل بالتقليد اليوناني القديم المتعلق بالهدنة الأولمبية، التي تنتهي بموجبه الحروب لمناسبة إجراء الألعاب.

وقال أثناء ظهوره على شاشة التلفزيون، "إن رسالتنا أقوى من أي وقت مضى. أرجوكم أن توقفوا القتال. أوقفوا القتل".

في غضون عام واحد، بلغت الحرب في البوسنة والهرسك خواتيمها مدفوعة بالضغوطات الدولية المكثفة وتدخل حلف الـ "ناتو" العنيف.

تقع معظم المنشآت الرياضية المدمرة في ضواحي المدينة، وتبدو مصاعد التزلج والأكواخ المتهالكة وحلبات التزلج المتردية على سفوح الجبال مثل الآثار [الأطلال] القديمة التي تغزوها النباتات البرية والأعشاب، وتشوه مظهرها الرسومات التي تغطيها. أحياناً يغامر بعض الرياضيين فيمارسون الركض أو ركوب الدراجات الهوائية أو يتمرنون على مضمار التزلج الجماعي ومسار الزحافات الثلجية اللذان كلف إنشاؤهما ملايين الدولارات في جبل تريبيفيتش.

تجري بعض المحاولات الخجولة لإعادة إحياء روح تلك الألعاب، وفي هذا الإطار، وفي العام 1999 أعيد بناء مجمع زيترا الذي استضاف مسابقة التزلج على الجليد ودمر خلال الحرب، ولا يزال برجه الشهير الذي علقت عليه شارة الألعاب الأولمبية بدوائرها الخمس منتصباً.

في العام 2004 افتتح متحف أولمبي جديد مليء بأغراض تعود لدورة ألعاب العام 1984، كما أعيد تأهيل وإحياء فيلا مانديتش التي استضافت المتحف بداية بشكل شبه كامل، وفي العام 2017 قدم الاتحاد الأوروبي بعض التمويل للمساعدة في ترميم بعض المنشآت الرياضية الأولمبية. 

 

واستضافت سراييفو مهرجان الشباب الأوروبي الأولمبي الشتوي للعام 2019 الذي شارك فيه أكثر من 1500 رياضي من 46 دولة، وأعاد إحياء بعض ذكريات الفترة التي كانت فيها المدينة مركز العالم.

وخلال الفترة السابقة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية للعام 2022 في بكين، التي افتتحت رسمياً يوم الجمعة، تمنى المسؤولون البوسنيون التوفيق لنظرائهم الصينيين، وأعادوا التذكير بأهمية دورة العام 1984 في سراييفو.

من الصعب أن تجد في سراييفو المترامية الأطراف بقايا واضحة أو إشارات إلى ماضي المدينة الأولمبي، ولكن معظم الوحدات السكنية التي بنيت خصيصاً للألعاب الأولمبية لا تزال قائمة، وهي غالباً عقارات الطلب عليها كبير، ويشعر قاطنوها باعتزاز بسبب هذه الصلة بالأيام المجيدة.

ويقول المؤرخ والمنتج المسرحي نهاد كريسيلاكوفيتش المستقر في سراييفو، "الأشخاص الذين يتذكرون تلك الحقبة يعتبرونها فترة مميزة للغاية، فقد شكلت الذروة بالنسبة إلينا حين شعرنا بأننا قادرون على إنجاز أي شيء".

*أعد التقرير بمساهمة جازمين بروتوس.

© The Independent

المزيد من دوليات