Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عقود تكشف عن حجب مصرف لبنان مصير عمولات تقاضاها

بالتزامن مع إقرار مجلس النواب قانوناً لتمديد مهلة رفع السرية المرتبطة بالتدقيق الجنائي

كثير من اللبنانيين يحملون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسؤولية الانهيار المالي (رويترز)

بالتزامن مع إقرار مجلس النواب اللبناني، الاثنين 21 فبراير (شباط)، قانوناً لتمديد مهلة رفع السرية المصرفية المرتبطة بالتدقيق الجنائي عن حسابات المصرف المركزي، كشفت وثائق عن أن المصرف المركزي ظل على مدى أكثر من عشر سنوات يتقاضى من البنوك التجارية في البلاد عمولات على مشترياتها من الأوراق المالية الحكومية من دون أن يوضح أن معظم هذه العمولات تؤول إلى شركة يسيطر عليها شقيق حاكم المصرف المركزي.

عقود عادية

وترجع أربعة عقود بين مصرف لبنان وبنك تجاري لبناني، وفق وكالة "رويترز"، إلى الفترة من 2004 حتى 2014، وتنص على أن البنك يوافق على دفع ثلاثة أثمان عمولة قدرها واحد في المئة على مشترياته من شهادات الإيداع الحكومية بملايين الدولارات.

وقال اثنان من كبار التنفيذيين في القطاع المالي، إن مثل هذه العقود عادية للبنوك التجارية التي كانت تشتري إصدارات الحكومة من الأوراق المالية في ذلك الوقت.

ولا تشير العقود من قريب أو بعيد إلى شركة "فُوري أسوسييتس" التي يسيطر عليها رجا سلامة، شقيق حاكم البنك المركزي رياض سلامة (71 عاماً).

وكان رياض سلامة قد قال لـ"رويترز"، خلال مقابلة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، إن تلك شركة كانت تحصل على هذه العمولات. ولم يتسنّ الاتصال بشقيقه رجا للتعليق.

وقال رياض سلامة إن مهمة شركة "فُوري" الوحيدة "كانت جمع هذه العمولات والرسوم كلها وإعادة توزيعها وفقاً للتعليمات"، لكنه لم يذكر تفاصيل عن هذه التعليمات.

وأضاف أن العمولات تتسم بالشفافية ووافق عليها مجلس المصرف المركزي، وأنه لم تكن هناك أي شكوى من أحد في ذلك الوقت.

وقال حليم برتي، المتحدث باسم مصرف لبنان، إن مجلس المصرف لا يمكنه الرد على أسئلة عن قراراته لأن حاكمه هو الوحيد المفوض سلطة التحدث باسمه.

وتخضع العمولات وأوجه صرفها لتحقيقات في أوروبا ولبنان.

عمولات

وتوضح رسالة وجّهها المدعي العام السويسري إلى المسؤولين اللبنانيين في العام الماضي، واطلعت عليها "رويترز" أن السلطات السويسرية تشتبه في أن أشقاء سلامة ربما حصلوا من دون سند قانوني على أكثر من 300 مليون دولار بهذه الطريقة من مصرف لبنان المركزي بين عامي 2002 و2015، وغسلوا جانباً من هذه الأموال في سويسرا.

وقال مكتب المدعي العام السويسري لـ"رويترز" إنه يجري تحقيقاً جنائياً في شبهات بحدوث "غسل أموال مستفحل في ما يتصل بجرائم اختلاس مزعومة بما يضر بمصالح مصرف لبنان المركزي"، لكنه امتنع عن الإدلاء بأي تعليق آخر في هذا التقرير.

وقال سلامة إن هذه العمولات الواردة في العقود كانت تدفع لشركة "فُوري"، وهو ينفي حدوث اختلاس من المال العام، قائلاً إن أموال هذه العمولات كلها لا تخص المصرف المركزي.

وقال سلامة، إن العمولات كانت توجه إلى ما وصفه بحساب "مقاصة" في المصرف المركزي، ثم تُحوّل إلى شركة "فُوري". وأضاف أنه تعاقد مع شركة التدقيق "بي دي أو سمعان غلام وشركاهم" لتقصّي الأمر.

وأضاف سلامة، في نوفمبر، أن تقرير شركة التدقيق توصلت إلى أنه "لم تذهب أي من الأموال التي تخص مصرف لبنان إلى هذا الحساب". وامتنع عن إطلاع "رويترز" على التقرير. وامتنعت شركة التدقيق عن التعليق.

شركات أخرى

غير أن تفاصيل العقود توضح أن العملات كانت تدفع لمصرف لبنان المركزي. وتنص ثلاثة عقود مكتوبة باللغة العربية ومطبوعة على ورق يحمل شعار المصرف المركزي على أن البنك المتعاقد يفوض البنك المركزي في خصم عمولة قدرها ثلاثة أثمان الواحد في المئة. ولم يرد ذكر لشركة "فُوري" في أي من العقود.

وقالت خمسة مصادر تشغل حالياً أو كانت تشغل حتى فترة قريبة مناصب رفيعة في النظام المالي اللبناني وعلى اطلاع مباشر على هذه العقود إنها لم يسبق أن سمعت شيئاً عن شركة "فُوري" حتى نشر أنباء عن التحقيق السويسري العام الماضي.

وقال سلامة إن علاقة مصرف لبنان بشركة "فُوري" التي بدأت في 2002 ليست حصرية. وأضاف أن ست شركات أخرى تؤدي خدمات مماثلة للمصرف المركزي. وعندما طلبت منه "رويترز" ذكر أسماء الشركات امتنع عن ذلك.

استثناء

يقول متخصصون إنه ليس من الغريب أن تتقاضى البنوك المركزية عمولات على بعض المعاملات، لكن أموال العمولات توجه في العادة إلى البنوك المركزية لمساعدتها في تمويل عملياتها وتقليل اعتمادها على المال العام.

ويضيف المتخصصون أن توجيه العمولات إلى أطراف ثالثة أمر غير معتاد ويتناقض مع الهدف من تقاضيها.

وقال مايك عازر، المتخصص في النظام المالي اللبناني وأستاذ الاقتصاد السابق في جامعة جونز هوبكينز في الولايات المتحدة، "من الواضح أن هذه أموال عامة لأن المصرف المركزي كان سيحصل على صفقة أفضل لو لم تُدفع العمولة لشركة فُوري"، وذلك بالحصول عليها.

سلامة وبري وميقاتي

ويشغل سلامة منصب حاكم مصرف لبنان منذ 29 عاماً. وتزايد تسليط الأضواء عليه منذ الانهيار المالي الذي شهدته البلاد عام 2019. وكانت له في السابق مكانة مرموقة لقيادته النظام المصرفي اللبناني، لكن كثيرين يتهمونه الآن بأنه وراء الانهيار والانخفاض الكبير الذي أعقبه في قيمة العملة اللبنانية ودفع بمعظم اللبنانيين إلى صفوف الفقراء.

وينفي سلامة مسؤوليته، ويحمّل المسؤولية للساسة الذين يقول إنهم أسرفوا في الإنفاق لعشرات السنين.

ولا يزال سلامة يتمتع بتأييد بعض من أكثر ساسة لبنان نفوذاً، ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي.

اشتباه ورفض

وقال المحامي العام التمييزي جان طنوس، في نوفمبر 2021، إن سلامة موضع تحقيق للاشتباه في اختلاس أموال عامة والإثراء غير المشروع وغسل الأموال، غير أن تحقيقاته واجهت مقاومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال أربعة مصادر مطلعة على التحقيقات إن البنوك التجارية رفضت إطلاع طنوس على معلومات الحسابات التي كان يطلبها لاستخدامها كأدلة، وذلك استناداً إلى قوانين السرية المصرفية التي ترجع إلى خمسينيات القرن العشرين.

وقالت المصادر، إن البنوك أبلغت طنوس بضرورة طلب هذه المعلومات من هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان المركزي، والتي يرأسها سلامة بنفسه.

وامتنع طنوس عن الإدلاء بتعليق في هذا التقرير. ولم ترد هيئة التحقيق الخاصة على طلب للتعليق على الأمر.

ومنع غسان عويدات النائب العام التمييزي طنوس من حضور اجتماع في باريس للمدعين العامين في أوروبا في يناير (كانون الثاني) الماضي كان الهدف منه تنسيق وتبادل المعلومات عن سلامة، وذلك بحسب ما ورد في مراسلات اطلعت عليها "رويترز" بين عويدات وعضو في هيئة "يوروجوست" المختصة بالعدالة الجنائية في الاتحاد الأوروبي.

وامتنع عويدات و"يوروجوست" عن التعليق.

التدقيق الجنائي والسرية المصرفية

ويُعد التدقيق الجنائي شرطاً كي يحصل لبنان على مساعدات خارجية لمساعدته على التعافي من الانهيار المالي الذي حرم معظم المودعين من حساباتهم المصرفية المقومة بالدولار، ودفع بأربعة من كل خمسة لبنانيين إلى براثن الفقر، وفقاً لوكالات الأمم المتحدة.

وتشمل الإصلاحات المطلوبة خطوات لمعالجة الفساد، وهو السبب الجذري للانهيار المالي الذي أدى إلى انهيار العملة وتسبب في تخلف الدولة عن سداد ديونها.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، صادق مجلس النواب اللبناني على قانون يرفع السرية المصرفية عن رقابة المصرف المركزي لمدة عام. وانتهت صلاحية القانون في نهاية العام الماضي، وقال بعض المتخصصين إن ذلك يمثل عقبة جديدة أمام إجراء مراجعة.

وقال النائب إبراهيم كنعان، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، الاثنين، إن القانون مُدِّد الآن لحين الانتهاء من التدقيق. وأضاف في تصريحات نقلتها قنوات التلفزيون المحلية، "هذا القانون أقر باجماع المجلس النيابي. القانون يضع التدقيق الجنائي على سكة نهائية".

وكانت شركة "ألفاريز أند مارسال" الاستشارية لإعادة الهيكلة، التي عيّنتها الحكومة اللبنانية لإجراء التدقيق، انسحبت مبدئياً في نوفمبر 2020 قائلة إنها لم تتلقّ المعلومات المطلوبة. وتم توقيع عقد ثانٍ في سبتمبر (أيلول) 2021، لكن التدقيق لم يبدأ بعد، وسط طلبات من الشركة لمزيد من المعلومات من البنك المركزي.

وقال متحدث باسم المصرف المركزي لـ"رويترز" في وقت سابق من هذا الشهر، إن المصرف قدم "جميع المعلومات"، وحثّ "ألفاريز أند مارسال" على البدء.