مع تصاعد المخاطر الجدية باندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا، ارتفعت وتيرة المخاوف والقلق في تونس البعيدة جغرافياً من البلدين والتي تربطها بهما علاقات ودية طيبة، جراء وجود جالية تونسية تقدر بأكثر من ألف طالب يدرسون في الجامعات الأوكرانية، لا يعرف أحد لغاية هذه اللحظة ما هو مصيرهم، وكيف سيتم إجلاؤهم في حال اندلعت المعارك بين جيشي البلدين.
عدد كبير من الطلاب
ويقدر عدد الطلاب التونسيين في الجامعات الأوكرانية بما يقارب ألف يدرسون في كليات الهندسة بمختلف اختصاصاتها والطب وإدارة الأعمال والمراقبة الجوية وقانون العلاقات الدولية والعلوم المالية والمصرفية. وتشكل الدراسة في أوكرانيا فرصة للطلبة الذين لم تمكّنهم نتائجهم في امتحان الثانوية العامة من الحصول على رغبتهم بالدراسة في الاختصاصات التي يطمحون إليها في الجامعات التونسية.
مخاطر كبيرة
ومع تصاعد التهديدات باندلاع الحرب، دعا رئيس جمعية الجالية التونسية في أوكرانيا طارق العلوي، الحكومة إلى التحرك وتنفيذ مطالب أفراد من الجالية بإجلائهم إلى بلادهم، خصوصاً الطلبة منهم في الجامعات الأوكرانية، الذين يواصل معظمهم الدراسة عن بعد جراء جائحة "كوفيدـ19" واستمرار إغلاق الكليات فيها.
وقال العلوي في تصريحات إعلامية إن "دولاً مثل المغرب شرعت في إجلاء رعاياها في ظل تزايد القلق والخوف من احتمال اندلاع حرب"، مشدداً على ضرورة إيجاد خلية أزمة للتنسيق مع كامل الجالية والطلبة التونسيين في أوكرانيا، وعدم وجود سفارة تونسية في كييف وتبعية الجالية للسفارة التونسية في موسكو.
وزارة الخارجية على خط الأزمة
وأمام مخاوف تصاعد التوتر واحتمال اندلاع حرب بين البلدين، نشرت وزارة الخارجية التونسية بلاغاً أكدت فيه أنها على تواصل مع أفراد جاليتها بأوكرانيا من خلال سفارتها بموسكو والجمعيات التونسية الناشطة بهذا البلد، ومع السلطات الأوكرانية التي أكدت أن الوضع الداخلي الراهن يسير بشكل طبيعي، ولا يدعو للقلق بالنسبة إلى أفراد الجالية، لا سيما الطلبة مع مواصلة الدروس في الجامعات الأوكرانية بصفة عادية، وتوافر الرحلات الجوية من وإلى هذا البلد.
وأكدت الخارجية التونسية أنها لم تسجل صعوبات تُذكرُ في ما يتعلّق بوضع الجالية التونسية بأوكرانيا، ودعت مواطنيها الموجودين في هذا البلد إلى التواصل مع السفارة بموسكو للتبليغ عن الصعوبات التي قد تعترضهم، وذلك تحسّباً لكل تطور قد يطرأ على الأوضاع في المنطقة.
السفير الأوكراني في تونس فلاديمير كخومنتيس قال إنه يتواصل مع وزارة الخارجية التونسية، وهناك تعاون مباشر مع سلطات بلاده، مؤكداً تعهد كييف بحماية الجاليات الأجنبية كافة ومن بينها الجالية التونسية هناك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في انتظار المجهول
وتضاربت الأخبار في وسائل الإعلام بين اقتراب اندلاع الحرب وتطمينات وزارة الخارجية التونسية ورئيس جمعية الجالية طارق العلوي، الذي أكد أن الوضع العام في كييف يبدو مخالفاً لما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام، التي تهول الأوضاع بعكس ما هو الواقع. وأشار إلى أن الحياة تسير بشكل طبيعي وأن الجامعات والأساتذة أعطوا تطمينات لطلابهم، وأكدوا أن الوضع مستقر ولا توجد نية في الحرب.
السيدة أمال الزغلامي، والدة أحد الطلبة في جامعات "أوديسا"، قالت إنها وأفراد عائلاتها وعائلات تونسية كثيرة التي يواصل أبناؤها الدراسة في أوكرانيا، يعيشون حالة قلق دائم وخوف حقيقي من مخاطر اندلاع حرب، خصوصاً أنها لن تكون "حرباً بسيطة" بحسب تعبيرها، والكل يعلم قوة الجيش الروسي وما قد يؤدي ذلك إلى كوارث.
وأضافت أن التواصل مستمر مع ابنها وزملائه والدراسة متواصلة، ولكن لا أحد يعلم بكيفية تحوّل الأوضاع ونشوب حرب، مبتهلة لله بالقول "الله يحمي المواطنين في أوكرانيا"، متمنية أن تهدأ الأمور وتعود الحياة إلى طبيعتها واطمئنان أولياء أمور الطلبة وعائلاتهم، الذين يعيشون خوفاً حقيقياً على أبنائهم وبناتهم هناك.
حلول الإنقاذ الغائبة
وفي انتظار الإعلان عن خطة رسمية للتحرك الفعلي لإنقاذ الطلبة التونسيين في حال اندلاع الحرب بين موسكو وكييف، قال العميد المتقاعد علي الزرمديني إن تونس كانت تمتلك برامج ومخططات جاهزة للتدخل والبدء بعمليات إنقاذ مواطنيها في حال اندلاع حروب أو فوضى أو انتفاضات في الدول التي ينتشرون فيها والتي ربما تصبح حياتهم مهددة فيها.
وأضاف أن هذه البرامج دخلت طيّ النسيان ولم يتم تطويرها وتأهيلها لتتماشى مع الظروف والأوضاع المستجدة، وهذا يجعل من وضعية الجالية التونسية في أوكرانيا وروسيا بدرجة أقل، عرضة لكل الاحتمالات، والبحث عن حلول في اللحظات الأخيرة يفقد الدولة قدرتها على الفعل وتتحوّل للبحث عن حلول لترقيع واقع الحال وليس لإيجاد حلول عملية وجذرية للمشكلة، التي تهمّ حياة مئات من أبناء تونس وليس مشكلة شخص أو اثنين. وأمل في أن تكون هذه الأزمة مناسبة لكي تعيد الدولة ترتيب أولويات مؤسساتها باتجاه حماية أرواح وأملاك التونسيين في أي دولة بالعالم، لأن ذلك يُعتبر مثالاً على احترام الدولة أمام بقية دول العالم.