Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يقف بوتين وراء إعادة ترتيب البيت "السوفياتي" من الداخل؟

إطلالة على واقع الفضاء السابق وسياسات روسيا تجاه بيلاروس وكازاخستان

في الوقت الذي تظل فيه أنظار الداخل والخارج تتعلق بالكرملين في انتظار القول الفصل بشأن التطورات الأخيرة على صعيد الأزمة الأوكرانية، وما قد تتواصل بشأنه اللقاءات والاتصالات من نتائج، يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مترقباً بما قد تموج به الأحداث في الفضاء السوفياتي السابق من تغييرات ومتغيرات، سواء في بيلاروس على الجبهة الغربية، أو في كازاخستان وغيرها من بلدان آسيا الوسطى.

بيلاروس تدعم بوتين في أزمة أوكرانيا

وكان رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو استهل نشاطه خلال العام الجديد بسلسلة من التصريحات، التي منها ما جاء مواكباً لأحداث اللحظة الراهنة، بإعلانه انحيازه التام لمواقف "الشقيقة الكبرى" في النزاع الذي يتواصل حول أوكرانيا، وما طرحته روسيا من مطالب أمنية، مؤكداً "استعداد بلاده للدفع بقواتها المسلحة إلى الحدود الأوكرانية، فضلاً عما يمكن أن تسفر عنه المناورات المشتركة المتفق بشأنها مع روسيا حليفته في إطار الدولة الاتحادية". وكان هدد باحتمالات طلب الدفع بقواتها النووية إلى أراضي بلاده دعماً لمواقفها في مواجهة الضغوط الأوروبية على الجبهة البولندية. ومضى لوكاشينكو ليؤكد "أنه وبلاده استوعبا دروس أحداث 2020 التي استهدفت إطاحته، والتحول ببيلاروس صوب الانضمام إلى الأسرة الأوروبية"، وقال "إنه أوفى بما وعد به حول إعداد الدستور الجديد الذي من المقرر الاستفتاء عليه في فبراير (شباط) الحالي". وكشف عن أهم ما جاء فيه من تغييرات تتعلق بتقليص صلاحيات الرئيس، استجابة للمطالب الشعبية بالتغيير، وتمثل ذلك في الإبقاء على استقلالية وسيادة الدولة، وكان هناك من يتوقع التحول بالوضعية الاتحادية مع روسيا إلى الوحدة الاندماجية، وأضاف إلى ذلك "إعادة توزيع صلاحيات الرئيس والبرلمان والحكومة في إطار ما اقترحته اللجنة الدستورية حول تعديل (53) مادة من دستور 1994 بما طرأ عليه من تعديلات لاحقة لثلاث مرات، وإدخال (14) مادة جديدة، واستبعاد ثلاث مواد من الدستور السابق" إلى جانب تشكيل مجلس الشعب الأعلى من الرئيس الحالي وأعضاء مجالس النواب والجمهورية والمجالس المحلية ومدينة مينسك، وكذلك الرئيس السابق الذي يتمتع بعضوية المجلس مدى الحياة، وبما مجموعه 585 عضواً.

لكن الأهم قد يتمثل فيما تضمنته المسودة النهائية للدستور من إشارة إلى "حق الرئيس الحالي في خوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة لمدة لا تزيد على فترتين متواليتين، يتمتع بعدها بحق عضوية مجلس الشعب الأعلى مدى الحياة، بما يكرس وجود الرئيس الحالي مدى الحياة على رأس السلطة في بيلاروس".

الشقيق الأكبر

وكان الرئيس لوكاشينكو استبق الإعلان عن ذلك بحديث طال لما يزيد على الساعتين مع الإعلامي وثيق الصلة بالكرملين فلاديمير سولوفيوف، كشف فيه عن تقاربه الشديد مع كل توجهات الرئيس الروسي بوتين الذي وصفه بالشقيق الأكبر، مؤكداً "استعداد بلاده للانحياز لكل ما من شأنه تعزيز مواقع روسيا وتوجهاتها الاتحادية التي أراد أن تشمل في البداية البلدان السلافية الثلاث، روسيا وبيلاروس وأوكرانيا"، في أحد أشكال الاتحاد السوفياتي السابق الذي طالما أعرب الغرب عن مخاوفه من عودته.

كازاخستان وموسكو

أما عن البلدان من خارج الأسرة السلافية، فقد توقف لوكاشينكو عند خيار انضمام كازاخستان، وهي الدولة ذات القدرات الاقتصادية الهائلة في آسيا الوسطى على مقربة مباشرة من الصين، بكل ما يكمن في أراضيها من ثروات النفط والغاز واليورانيوم الذي يبلغ حجم إنتاجها منه ما يزيد على 40 في المئة من الإنتاج العالمي، بحسب بيانات "سي ار يوم كونسلتينغ الاستشارية".

ولعل ذلك يمكن أن يكون مقدمة مناسبة لتناول ما أسفرت عنه زيارة قاسم توقايف، رئيس كازاخستان لموسكو خلال الأيام القليلة الماضية، وهي أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس الكزخي إلى الخارج بعد الأحداث التي عصفت ببلاده مطلع العام الحالي.

هذه الزيارة التي جاءت في أعقاب عودة الرئيس بوتين من الصين وما توصل إليه من نتائج ثمة من وصفها بـ "المحورية" في علاقات البلدين وبلدان المنطقة، وتشي أيضاً بما يمكن أن يكون علامة فارقة في علاقات روسيا مع كازاخستان في ضوء ما قامت به روسيا من أدوار مفصلية مع قوات معاهدة الأمن الجماعي في الجهود التي استهدفت إنقاذها من براثن الاضطرابات التي داهمتها في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ومن اللافت في هذا الصدد أن قاسم توكاييف الذي ينحدر من أصول "شبه أرستقراطية"، وفرت له أعلى مستويات العلم والحياة بما يعرفه من خمس لغات هي الفرنسية والإنجليزية والروسية والصينية والكازاخستانية، وكان تلقى تعليمه العالي في جامعة العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية السوفياتية، وعمل بعد تخرجه في هذه الوزارة التي أوفدته للعمل في سفارتها بالعاصمة الصينية بكين قبل انتقاله للعمل في وزارة الخارجية الكازاخستانية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى جانب ارتباطه السابق بزوجة روسية.

زيارة توحي بالكثير

وبعيداً من السيرة الذاتية المميزة وما يتعلق منها بنشاطه العملي منذ سنوات الصبا والشباب، وبما تقلده من مناصب رسمية وحكومية، بداية من وزير الخارجية وما أعقبها من نائب الأمين العام للأمم المتحدة ورئاسة ممثلية الأمم المتحدة في جنيف ونهاية برئاسة الحكومة ثم الدولة في كازاخستان، نشير إلى ما يتمتع به توكاييف من تقدير ومكانة لدى العاصمتين الروسية والصينية، وذلك يعني كثيراً من الدلالات في الظروف الراهنة التي تنشد فيه هاتان العاصمتان لملمة القوى والقدرات اللازمة لمواجهة ما يتهدد المنطقة الأوروآسيوية من أخطار غربية التوجه والعقيدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشهدت الزيارة الأخيرة للعاصمة موسكو تركيز الرئيسين بوتين وتوكاييف على ضرورة توحيد القوي والجهود على صعيد التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني بين بلديهما، استناداً إلى كثير من المشاريع الاستثمارية بما يقيهما شرور ومطامع خصومهما، وكانت زيارة توكاييف لجمهورية تتارستان ذات الحكم الذاتي في روسيا محطة مهمة على صعيد تعميق هذا التعاون، بما تملكه هذه الجمهورية من قدرات صناعية وثروات نفطية، فضلاً عن الأصول المشتركة التي تجمعهما مع البلدان الناطقة باللغة التركية.

وثمة ما يشير إلى أن زيارة توكاييف لموسكو يمكن اعتبارها بمثابة الضلع الثالث في مثلث "الشراكة الاستراتيجية" الذي يربطها بكل من روسيا والصين، ليس فقط بحكم الجوار الجغرافي وما يتعلق به من مكونات تاريخية، بل أيضاً بموجب مقتضيات وضرورات اللحظة التي تتعرض فيها المنطقة إلى أخطار ما وراء المحيط.

وفي هذا الصدد يمكن اعتبار توكاييف وكازاخستان من أهم حلقات هذا التحالف بما يملكه من مقومات وقدرات شخصية تستند إلى أنه الوحيد بين الزعماء الثلاثة مع شي وبوتين، الذي شاءت الأقدار أن يتمتع بفرصة العمل والعيش لسنوات طوال في كل من الصين وروسيا، فضلاً عن معرفته المبهرة بكل من لغتي البلدين، وإلمامه التام بكل دقائق ظروفهما السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وفي هذا الصدد كشفت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" عن أن حجم التجارة بين الصين وكازاخستان بلغ في عام 2021 حوالى 21.5 مليار دولار (أقل من نصف في المئة من حجم تجارتها الخارجية)، بينما بلغ مع روسيا ما يزيد على 23 مليار دولار، وهو ما يعد رقماً قياسياً بالمقارنة مع نتائج العام السابق.

وفي السياق ذاته أشارت الصحيفة الروسية واسعة الانتشار إلى أن المصالح الاقتصادية الروسية في كازاخستان كبيرة، وأن الحجم الإجمالي للاستثمارات المباشرة من روسيا تجاوز على مدى 15 عاماً 16 مليار دولار، وألمحت إلى أهميتها بالنظر إلى نشاط شركة Rosatom المتخصصة في بناء المحطات والمفاعلات النووية، وتمتلك أسهماً في عدد من مشاريع تعدين اليورانيوم الكبيرة في البلاد.

وأضافت أن كازاخستان أبدت قدراً كبيراً من الاهتمام ببناء محطة للطاقة النووية وفقاً للمشروع الروسي، إلى جانب ما تقوم به شركات النفط والغاز الروسية من نشاط واسع النطاق هناك جنباً إلى جنب مع العديد من الشركات والمؤسسات البريطانية والأميركية في مجال استخراج النفط والغاز، ولا يمكن في هذا الشأن إغفال "بايكانور" السوفياتية – الروسية أكبر محطة لإطلاق السفن والمركبات الفضائية منذ سنوات الاتحاد السوفياتي السابق، حيث يعيش 25 ألف

مواطن روسي، وتدفع روسيا في المقابل إيجاراً سنوياً يقدر بما يزيد على 115 مليون دولار.

وعلى الرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً للحكم على أبعاد التطورات اللاحقة في كازاخستان وما قد تسفر عنه الأحداث المرتقبة هناك على ضوء ما يتخذه توكاييف من قرارات على صعيد إعادة ترتيب البيت من الداخل، والتخلص من تبعات إرث سلفه نورسلطان نزاربايف، فإن هناك من المؤشرات ما يقول إن توكاييف استوعب كثيراً من دروس المأساة التي دهمت بلاده خلال يناير الماضي، ومنها ما يتعلق بثقل وزن القوميين بين صفوف المعارضة الداخلية، وهو ما قد يكون وراء تعجله طلب رحيل قوات حفظ السلام التابعة لبلدان معاهدة الأمن الجماعي في غضون مدة أقصاها 10 أيام، بعد انتهاء مهمتها لإعادة الأمن والاستقرار إلى كازاخستان.

العلاقات الثنائية بين روسيا وكازاخستان

وفي هذا الصدد يشار إلى ما اضطر إليه توكاييف أيضاً من تعيين عسكر عمروف وزيراً للإعلام في الحكومة الجديدة، وهو المعروف بعدائه للروس وبتصريحاته ومواقفه وقراراته المعادية للغة الروسية، بعد أن تبنت كازاخستان رسمياً اعتماد الأبجدية اللاتينية بدلاً من السلافية، فضلاً عما جرى من وقائع وأحداث طالت سلبياتها الأقليات الناطقة بالروسية فيها.

وفي تعليقه حول العلاقات بين روسيا وكازاخستان، أشار المعلق السياسي لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا" جيورجي بوفت إلى "أنه من الأمور الرمزية أيضاً ما يتعلق بأن زيارة توكاييف لموسكو جاءت أعقاب زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الصين، وما حدث خلالها من إعلان الوحدة السياسية بين الدولتين".

 وأضاف "أن الموقع الجغرافي لكازاخستان بين الصين وروسيا يفرض عليها كثيراً من الالتزامات، ومنها ما يتعلق بمدى قدرة الدبلوماسي المحترف في علم الصينيات توقاييف من الحفاظ على سياسة متعددة الأركان والتوجهات، والمناورة بين مركزي القوة، كما أنه ليس من الواضح تماماً ما إذا كان توكاييف ينوي الالتزام بفرضيات وتوجهات سلفه نزارباييف، الذي صرح مراراً وتكراراً أن الاتحاد السياسي مع روسيا أمر مستحيل".

 وخلص المعلق السياسي إلى القول "إن مهمة رئيسي روسيا وكازاخستان تتمثل اليوم في ضمان ألا تصبح العلاقات المنوعة والمعقدة بين البلدين أكثر تعقيداً، ويفضل أن تتحرك الأخيرة بعد نزارباييف في اتجاه لا يتعارض مع موسكو"، بحسب تقدير المعلق السياسي للصحيفة الروسية.

تركمانستان

أما عن المفاجأة التي أصابت كثيراً من المعنيين بشؤون الفضاء السوفياتي السابق بالدهشة التي تجاوزت درجات مقياس "ريختر"، فقد جاءت من تركمانستان التي كاد يلفها النسيان منذ خرجت لتحلق وحدها بعيداً من الفضاء السوفياتي السابق بعد انهيار الاتحاد السابق نهاية عام 1991، وزادت عزلتها بعد أن دانت الأمور هناك إلى قربان أولي بيردي محمدوف بعد وفاة الرئيس الحزبي السوفياتي السابق صابر مراد نيازوف عام 2007.

وثمة من يقول إن الأحداث الأخيرة في كازاخستان المجاورة قد تكون وراء إعلان محمدوف قراره التنحي عن منصبه والبدء في الاستعدادات لانتخابات رئاسية مبكرة في 12 مارس (آذار) من العام الحالي "تفسح الطريق أمام الشباب" على حد قوله.

كما ألمح إلى وجود شباب خلفه في الرئاسة، وقال بيردي محمدوف لوسائل الإعلام الحكومية "إنني أؤيد فكرة أن الطريق إلى الإدارة العامة في مرحلة جديدة من تطور بلدنا يجب أن يعطى للقادة الشباب الذين تتم تربيتهم في بيئة روحية ووفقاً لمتطلبات العصر الحديث".

وترجح المصادر التركمانية، بحسب خصوصيات النظام السياسي التركماني الذي أقره الرئيس محمدوف، أن يتولى خلافته في سدة الحكم سيردار بيردي محمدوف، الذي بلغ أخيراً الأربعين من عمره، وهو الحد الأدنى المقرر دستورياً لمن يتولى رئاسة الجمهورية، لكن السؤال الذي سرعان ما راحت تتناقله الألسن داخل تركمانستان وخارجها، لم يكن اسم الخليفة للرئيس محمدوف، بقدر ما كان يتعلق بالاتجاه الذي سيتوقف عنده الخليفة المنتظر، وما إذا كان يمكن أن تكون الصين أو روسيا أو تركيا، اعتباراً من أن تركمانستان من الدول الناطقة بالتركية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير