Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صحافة اليمن... اندلعت الحرب فجف الحبر

حال انهيار لم يتوقف عند إغلاق الصحف بل وصل إلى مئات الصحافيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مع شبح البطالة فضلاً عن الهواجس الأمنية

تقلبت أحوال الصحف في اليمن بعد الثورة والحرب (غيتي)

ما إن بدأت الصحف والمجلات الورقية تزين أكشاك التوزيع في زوايا مدن اليمن بعد مرحلة التخلق في فضاء التنافس والانتشار الذي فرضته المدنية والعمل السياسي بعد الثورة، حتى داهمتها نيران الحرب المشتعلة لتمتد إلى أوراقها الرفيعة كخبر بارز يجسد الواقع الذي ظلت تعنون أحداثه.

ومثلما كانت تزين مانشيتاتها الحمراء بتفاصيل البلد المضطرب على الدوام، لم تجد هذه الجرائد من يُعَنون رثاءها، ويكتب حنينها الذي تاه في زحمة الوطن المجروح بفعل الحرب وآلتها التي امتدت إلى القراء والمحبين، ليبقى الخبر معتملاً، ويغيب قلمهُ وقرطاسه.

فالورق قد تخضب بدماء الحرب القانية في مسارات التعبئة والحشد الطائفي الذي لا يمكن فصل روافد دوره المباشر عمّا آل إليه حال السطر في بياض صدر السلطة الرابعة، والكشك العتيق الذي تعود القراء الوقوف على جوانب ألوان مطبوعاته بشغف، تحول إلى ركام بعد أن نسفته قذيفة طائشة إلى حد ذهاب مسؤولين صحافيين للقول إن صحافة الورق أضحت من الماضي.

وعلى الرغم من ازدهار الصحافة الورقية مع بزوغ الألفية التي كسرت نمط الإعلام الحكومي المعتاد بتطرقها إلى مواضيع جريئة ذات اهتمام شعبي وسياسي، وحظيت بانتشار كبير على الرغم مما قابلته من اتهامات حينها بتلقيها دعماً دولياً مشبوهاً، فإن ذلك لم يمنع الانتشار المتنامي للصحف الإلكترونية، بل عزز من حضورها الواعد في شاشة الهاتف.

الحرب والفضاء الإلكتروني

الحديث عن واقع الصحافة الورقية لا يمكن فصله عن سياقين مهمين يجسدان واقع ما وصلت إليه اليوم، الأول هو الحرب التي بدأت عقب انقلاب الحوثي على الشرعية في 2014 ليصبح المناخ غير ملائم لاستمرار العمل الصحافي، وثانيهما الثورة الرقمية الإلكترونية التي حولت التحقيق والخبر والاستقصاء إلى "تغريدة" صغيرة، أو "بوست" برقي مختزل، يومض في الهواتف الذكية لتتهادى تفاصيل الحدث بين الأيادي بوداعة متناهية في وقت وجهد قياسيين. فكانت الغلبة لوميض الشاشة على جاذبية الورق.

ومنذ اجتياح الميليشيا العاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014 قادمة من صعدة، سارعت بإغلاق عشرات الصحف الحزبية والأهلية بخاصة الصحف المحسوبة على الحكومة الشرعية، واعتقلت عشرات المشتغلين بالمهنة، فيما تاه البقية بين البطالة والهجرة.

حال انهيار الصحافة في اليمن لم يتوقف عند إغلاق الصحف والانقطاع عن القراء، بل وصل بطبيعة الحال إلى مئات الصحافيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة غير متكافئة مع شبح البطالة، فضلاً عن الهواجس الأمنية التي ولّدها الجو المشحون التي دفعت معظمهم إلى  النأي بأنفسهم عن المهنة والالتحاق بأعمال أخرى لا علاقة لها بالكلمة.

الصحافة الرقمية والتأثير

كان اليمن من الدول الرائدة في الصحافة في منطقة شبه الجزيرة العربية، بخاصة منذ بداية أربعينيات القرن الماضي، إذ شهدت مدينة عدن صدور صحيفة "فتاة الجزيرة"، وكانت التدشين الفعلي للصحافة الورقية مع بداية حقبة الأربعينيات خلال عهد الاستعمار البريطاني للجنوب اليمني، لكن مع تزايد المحاذير الأمنية في زمن الصراع، تحولت عشرات الصحف إلى مواقع إلكترونية بمحتوى إخباري ينقل جُّل مواده من الصحف والوكالات الدولية، غلب عليها طابع الانتقاء الحربي الذي تأثر لسبب أو لآخر بحالة الاستقطاب السياسي الحاد كإحدى إفرازات الصراع. ولهذا بات الكثير يتحدث عن اندثار متلاحق للصحف الورقية خصوصاً والمؤسسات الصحافية قد باتت شبه مغلقة، كما أن الممول سواءً الجهات الحكومية أو الأهلية يبحث في نهاية المطاف عن الوسيلة المؤثرة التي توصل رسالته ومحتواه الإعلامي بأسرع وسيلة، وبأقل جهد وتكلفة، ولهذا فهو يتنافس على اقتحام الأجهزة الذكية لكل فئات المجتمع المستهدفة.

من الماضي

عرف اليمن الصحافة الإلكترونية منذ عام 1996 بإشهار النسخة الإلكترونية لصحيفة "سبتمبر" الورقية الصادرة عن وزارة الدفاع في صنعاء، ثم أعقبتها صحيفتا "الأيام" و"يمن تايمز".

ثم جاءت فترة الحرب بين الأعوام 2014 و2020 لتشهد انفجار فضاء المواقع الإلكترونية ذات التوجه السياسي الواضح، ليكسر احتكار الدولة النشاط الصحافي، ويسهم بانتشاره خارج إطار التشريع والقانون الذي ظلت تفرضه السلطات على المنصات الإعلامية، وهو ما يعزز فرضية اندثار الصحافة اليمنية بصورتها التقليدية الورقية، يقابله توسع ملحوظ لصالح الإعلام الجديد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول رئيس لجنة التدريب والتأهيل في نقابة الصحافيين اليمنيين، نبيل الأسيدي، إن الحديث عن الصحافة الورقية بات من الماضي، إذ لم تعد هناك صحافة ورقية حقيقية ولا صحافة أصلاً في ظل الحال الذي يحكم اليمن اليوم.

وأضاف "ما دام هناك حرب فلا مكان للصحافة، بخاصة في ظل الانتهاكات التي تتعرض لها في اليمن بشكل عام".

إعلام حربي

وتوضيحاً لوصف تأثير المآل الذي بلغ به حالها، يرى أن الصحافة الورقية في اليمن "انتهت مع سيطرة ميليشيات الحوثي التي أغلقت أكثر من 350 صحيفة ما بين يومية وأسبوعية وشهرية وفصلية وموسمية".

ويرى الأسيدي أن ما بقي من الصحافة التقليدية هو "صحافة وإعلام حربي يحض على الحرب والحشد، ولهذا لا توجد صحف حزبية وأهلية ومستقلة في صنعاء وباقي المحافظات الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي، وظهرت صحافة ورقية حربية تتبع الميليشيا".

نقل قسري

ويعرج على ما سببته الحرب من نقل قسري لعمل الكثير من الصحف من مقراتها وتحولها إلى صحف إلكترونية كما هو الحال بصحيفتي الثورة الرسمية، الصادرة من القاهرة، و"26 سبتمبر" الصادرة من مأرب، بعد أن استولت عليها الميليشيا في صنعاء.

ولم تكن المشكلة في مناطق الحوثي فقط، فقد تعرضت الصحف القابعة في المناطق التي تسيطر عليها جماعات مناوئة له لحال مشابه، فقد تم نهب مطابع ومقر صحيفة الجمهورية في تعز من قبل ما يسمى بـ"المقاومة" المحسوبة على الحكومة الشرعية بقوة السلاح.

يتابع "صحيفة الثورة التي تطبع بالعاصمة صنعاء على يد الميليشيا هي ما بقي من الصحف الحكومية الورقية التي تحولت إلى صحيفة حربية".

ووفقاً للأسيدي فإن المحافظات التابعة للحكومة الشرعية تشكل حالة أفضل مما هو عليه الحال في مناطق الحوثيين.

ويخلص إلى أن عودة الصحافة الورقية "مرهونة بانتهاء الحرب وعودة الدولة ومؤسساتها الضامنة للعمل الصحافي".

بين الحوثي والشرعية 

أزمة الصحافة في اليمن جزء منها تسببت به حالة الصراع والانتهاك الذي طال الصحافيين بسببها، وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين قد وثقت في مسحها الصادر عن "وضع الحريات الصحافية في اليمن" الذي أجرته خلال النصف الأول من عام 2021، استمرار الانتهاكات المستمرة تجاه الصحافة والصحافيين في اليمن، تنوعت بين الاعتقال وإغلاق المؤسسات الصحافية وتسريح الصحافيين عن أعمالهم. 

ورصدت النقابة 36 حالة انتهاك منذ مطلع العام الماضي 2021، طالت صحافيين ومصورين ومؤسسات إعلامية وممتلكات صحافيين.

النقابة التي يعمل جل أعضاء مجلس إدارتها من خارج البلاد، رصدت نحو 12 حالة تنوعت بين الاختطاف والاحتجاز والملاحقة والمضايقة بنسبة 22.2 في المئة من إجمالي الانتهاكات، وأربع حالات تهديد وتحريض ضد الصحافيين بنسبة 11.1 في المئة، وخمس حالات اعتداء على صحافيين ومقار إعلامية وممتلكات خاصة بنسبة 13.9 في المئة، و12 حالة منع ومصادرة بنسبة 33.3 في المئة، وست حالات منع من التغطية ومصادرة صحف بنسبة 9.1 في المئة، وسبع حالات محاكمة ومساءلة صحافيين بنسبة 19.5 في المئة من إجمالي الانتهاكات.

ووفقاً لمسحها الاستقصائي، فقد ارتكبت جماعة الحوثي 20 حالة انتهاك بنسبة 55 في المئة، بينما ارتكبت القوى المناوئة لها من طرف الحكومة بمختلف التشكيلات المنضوية تحتها، عشر حالات انتهاك بنسبة 28 في المئة، فيما ارتكب المجلس الانتقالي الجنوبي ست حالات بنسبة 17 في المئة.

كما لا يزال تسعة صحافيين مختطفين لدى الحوثيين هم وحيد الصوفي، وعبد الخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وأكرم الوليدي، وحارث حميد، ونبيل السداوي، ومحمد عبده الصلاحي، ووليد المطري، ومحمد علي الجنيد، "صدرت بحق أربعة منهم أحكام جائرة بالإعدام، وهم عبد الخالق عمران، وتوفيق المنصوري، وأكرم الوليدي، وحارث حميد".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات