Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتم الملء الثالث لسد النهضة أحاديا هذه المرة أم باتفاق ثلاثي؟

كيف سيؤثر تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي على مسيرة المفاوضات؟

كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد دعا كلاً من مصر والسودان لتغيير خطابهما في شأن سد النهضة وتعزيز خطاب التعاون (رويترز)

في ظروف مشابهة لتلك التي لازمت عملية الملء الثاني، إذ ما زال التفاوض عالقاً بين الدول الثلاث، إثيوبيا من جانب والسودان ومصر من جانب آخر، وفي الوقت الذي لم يطلق الاتحاد الأفريقي موعداً جديداً للمفاوضات، أعلنت إثيوبيا البدء في الترتيبات الأولية استعداداً لاستكمال متطلبات الملء الثالث لبحيرة سد النهضة، قبل موسم الأمطار المقبل، واقتراب ساعة الشرارة الأولى للتوليد الكهربائي من السد، مطالبة دول المصب بالتأقلم مع الواقع.  

فهل ينجح الاتحاد الأفريقي هذه المرة في دفع الأطراف الثلاثة إلى اتفاق قانوني ملزم يرضي كل الأطراف، قبيل البدء الفعلي في الملء الثالث، أم سيتم الملء الثالث على النمط الأحادي ذاته كما سابقه، في ظل مضي الجانب الإثيوبي قدماً في إجراءات الملء الثالث، وكيف سيؤثر تجميد عضوية السودان في الاتحاد، على مسيرة المفاوضات حول أزمة سد النهضة؟

ترحيب واستباق

واعتبر مصدر رفيع في الوفد السوداني المفاوض، شروع إثيوبيا الفعلي في ترتيبات الملء الثالث استباقاً للتفاوض أو حتى الدعوة إليه، من المؤشرات التي تدل على أن الجانب الإثيوبي يمضي على النهج الأحادي ذاته، متجاهلاً مطالب البلدين، بالطريقة نفسها التي اتبعها سابقاً عند الملء الأول والثاني، مبيناً أن الجانب السوداني سيصدر بياناً شاملاً حول موقفه خلال الأيام القليلة المقبلة، وأضاف المصدر أن السودان إذ يرحب بما جاء في بيان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المتفائل على حسابه على "فيسبوك"، يأمل ألا يكون مجرد كلام غير مصحوب بأفعال مشابهة تسنده، لأن ما يجري على الأرض حتى الآن يخالف ذلك، وأوضح المصدر أن السودان ما يزال عند موقفه بضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم في شأن الملء والتشغيل وحفظ حقوق الأطراف الثلاثة المعنية، معرباً عن أمله في تقوم أجهزة الاتحاد الأفريقي، الذي يرعى المفاوضات بتفعيلها، مؤكداً أن السودان ظل منذ بدء الجولات يتفاوض على أساس المصالح المشتركة والنية الحسنة والتزاماته الوطنية، وقال، "السودان إذ ينتظر دعوة الاتحاد الأفريقي، للمفاوضات، يتطلع إلى أن تكون جولة حاسمة ونهائية بعد أن طال أمدها، ما يضر بمصالح البلدان الثلاثة، وكذلك بصورة الاتحاد الأفريقي نفسه"، مستبعداً أن يشكل تجميد عضوية السودان في الاتحاد عقبة أمام الدعوة للمفاوضات أو المشاركة فيها.

تطمينات وترتيبات

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قد دعا كلاً من مصر والسودان لتغيير خطابهما في شأن سد النهضة وتعزيز خطاب التعاون، لافتاً إلى أن السد ستكون له فوائد للسودان ومصر، وليس لإثيوبيا وحدها، ومشيراً في منشور على "فيسبوك"، إلى أن مصر ستستفيد من الحفاظ على مليارات الأمتار المكعبة من المياه عند السد، بدلاً من إهدارها للتبخر وسهول الفيضانات، وسيساعد السد أيضاً على منع الانسكاب المستقبلي الذي يطل على سد أسوان، كما أنه سيوفر حماية كافية ضد الفيضانات المدمرة وآثار نقص المياه أثناء فترات الجفاف، ما يساعد البنية التحتية للمياه السودانية على التشغيل الأمثل، بتلقي تدفق منظم للمياه.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، إن بلاده تطمح لبناء اقتصاد حديث قائم على الزراعة والتصنيع والصناعة، وهي ملتزمة تطوير البنية التحتية الاجتماعية مع جودة التعليم والأنظمة الصحية وتوفير المياه النظيفة لشعبها، والكهرباء، وهي بنية تحتية أساسية يفتقر إليها أكثر من 53 في المئة من المواطنين، وما من دولة تمكنت من هزيمة الفقر، وتحقيق النمو الشامل، وتأمين حياة كريمة لمواطنيها، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة، من دون الكهرباء، وتابع، "وهذا يعني أنه يمكن توليد  مزيد من الكهرباء من البنية التحتية الحالية، ويمكن أن تتدفق المياه الكافية والمنتظمة في مجرى النهر على مدار العام لتمكين إمدادات المياه الموثوقة للناس والزراعة والبيئة، كما يجلب سد النهضة مزيداً من الطاقة للأنظمة المترابطة بالفعل في السودان وإثيوبيا إضافة إلى الآخرين".

وشدد اجتماع ضم الجهات المختصة ذات الصلة بأعمال السد من الحكومتين الاتحادية الإثيوبية والإقليمية، تم في مدينة "أسوسا" عاصمة إقليم "بني شنقول"، على الإسراع في إتمام إزالة مساحات من الغابات قبل بداية موسم الأمطار تمهيداً للملء الثالث لبحيرة السد.

عمل أحادي

وفي السياق، اعتبر المهندس مصطفى حسين، رئيس الجانب الفني في وفد السودان التفاوضي أن الملء الثالث من دون التوصل لاتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة، عمل أحادي غير مقبول بالنسبة إلى السودان، مشيراً إلى أن الفريق الفني السوداني يعقد اجتماعاته في صورة منتظمة، وموقف السودان واضح ومتوازن في ما خص بنود الاتفاق الملزم بين الأطراف الثلاثة، وأوضح حسين أن السودان يتابع باهتمام كل ما يجري في ملف سد النهضة، ويضع معالجات لسيناريوهات ملء وتشغيل أحادية لتقليل حجم الأضرار المتوقعة، في ظل غياب المعلومات الفنية المطلوبة، للتشغيل الآمن للسدود والمنشآت المائية السودانية، وذلك من خلال استغلال مواعين وإمكانيات التخزين المتاحة، وتعديل السياسات التشغيلية التي كانت مستقرة منذ الستينيات، لتقليل المخاطر المتوقعة، في ظل الغياب التام للمعلومات الفنية لعمليات الملء والتشغيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى رئيس الجانب الفني السوداني أن ما تبقى من نقاط الخلاف بين الأطراف الثلاثة يحتاج إلى إرادة سياسية للوصول إلى تفاهمات حولها، مع ضرورة أن تتخلى إثيوبيا عن نهجها الذي ظلت تتبعه في الملء الأول والثاني وما يلي ذلك من تشغيل بصورة أحادية، وقال إن السد يمكن أن يشكل أداة للتعاون بين الدول الثلاث، وتغليب النوايا الحسنة سيسهم في الوصول إلى اتفاق مرض لكل الأطراف ويخدم الاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية.

الأمر الواقع

إلى ذلك، توقع المتخصص في اتفاقيات المياه الدولية أحمد المفتي ألا يؤثر تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، لجهة أن الاتحاد كما سبق  وأرسل مبعوثاً عنه حاملاً خريطة طريق لحل الأزمة السياسية متجاوزاً التجميد، فيمكن أن يفعل الشيء ذاته بخصوص مفاوضات سد النهضة، منوهاً إلى أن أي مفاوضات حول الملء قبل التوصل إلى الاتفاق القانوني الملزم، سوف تمنح الشرعية للتصرفات الأحادية غير القانونية التي قامت وتقوم بها إثيوبيا، ولكن، وحسب المفتي، يبدو أن كلاً من السودان ومصر، قد خضعا فعلاً للأمر الواقع الذي تحدثت عنه إثيوبيا، وما عاد يُسمع صوت لأي منهما، بينما أديس أبابا مستمرة في التشييد، وتستعد لنظافة الغابات، ضمن مطلوبات الملء الثالث، وبعده تكون قد امتلكت فعلاً القنبلة المائية، ما يمكنها من التأثير على القرار السياسي في السودان، بما في ذلك القرارات المتعلقة باستخدامات مياه النيل.

وشدد المفتي على أن الضغط على إثيوبيا هو الطريق الوحيد لحملها على وقف الملء الثالث، إلى حين الوصول إلى الاتفاق المطلوب، وذلك من طريق المطالبة بالأرض التي يقام عليها السد، ثم تصعيد المطالبة، حتى تصبح تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ومن ثم يتدخل مجلس الأمن الدولي من تلقاء نفسه، بموجب الفصل السابع بما يملكه من سلطة ويطلب من إثيوبيا وقف الأنشطة إلى حين الاتفاق.

الاتفاق العادل

وتابع المتخصص في اتفاقيات المياه الدولية، "في مقابل عصا الضغط في إراضي إقليم بني شنقول، لا بد أن تسبقها جزرة بموافقة كل من السودان ومصر على حق إثيوبيا في مشروعاتها المستقبلية، إضافة إلى حصة محددة من المياه، من دون التأثير على حصتي السودان ومصر، وهو أمر مقدور عليه من الناحية الفنية من طريق مشاريع زيادة الإيرادات، وفق ما أشار به مهندسون متخصصون".

وكان وزير الري المصري، محمد عبد العاطي، طالب مطلع الأسبوع الماضي، بآلية واضحة ومدة زمنية محددة مع وجود مراقبين دوليين لهم دور للتوصل لاتفاق عادل وجاد حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ووصف عبد العاطي، في كلمته خلال ندوة نظمها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الوضع في ما يتعلق باستئناف المفاوضات بأنه في شبه تجمد حالياً، مشدداً على أن مصر جاهزة للتعامل مع أي طارئ، ولن تسمح بحدوث أزمة تخص قطاع المياه، لافتاً إلى أن القاهرة تلقت اتصالات من دول مختلفة وعلى مستويات عدة لوضع حلول للأزمة، غير أنها ليست على مستوى الطموحات.

التجربة السابقة

وكانت إثيوبيا أكملت، في 19 يوليو (تموز)، العام الماضي، عملية الملء الثاني لبحيرة سد النهضة على النيل الأزرق في إقليم "بني شنقول"، وأعلن وزير المياه والري الإثيوبي سليشي بكيلي نجاح العملية وتدفق المياه من أعلى الحاجز الأوسط الذي من المقرر أن يحجز 13.5 مليار متر مكعب من المياه، مطمئناً كلاً من مصر والسودان، بأن تدفق المياه إليهما سيستمر بانتظام، من دون حدوث أي أضرار لهما بسبب ذلك.

وتمت عملية الملء الثاني لبحيرة السد في ظل استمرار الخلاف الإقليمي المحتدم بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان حول التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم للملء والتشغيل، ووصلت الخلافات إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أحالها إلى الاتحاد الأفريقي وخوله رعاية المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، وكذلك في ظل واقع داخلي مضطرب تعيشه إثيوبيا، نتيجة الحرب في إقليم "تيغراي"، شمال البلاد.

ورفضت كل من القاهرة والخرطوم، التصرف الإثيوبي الأحادي في ملء خزان السد، من دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث، ما دفع بهما إلى مطالبة مجلس الأمن بالتدخل العاجل لمنع تصاعد التوتر، الذي يمكن أن يعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات