Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشعل إطلاق "اليوان الرقمي" في الصين حربا باردة في سوق العملات؟

بكينن تسعى إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي مع تزامن الأولمبياد الشتوية لاختبار جاذبيتها في الخارج

الصين تتطلع لتعزيز نفوذها في تداول العملات مع إطلاق "اليوان الرقمي في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ( رويترز)

تسعى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى تعزيز جهود انتشار عملتها الرقمية "اليوان الرقمي" على نطاق أوسع. وطرحت بكين اليوان الرقمي، للرياضيين والمتفرجين قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، ليعد أول اختبار رئيس لجاذبية العملة الافتراضية بين الأجانب في ظل التطلع لإذاعة صيت نفوذ اليوان الرقمي على مستوى العالم.ويمكن للزوار تنزيل تطبيق أو الحصول على بطاقة فعلية تخزن اليوان الرقمي، أو تحويل الأوراق النقدية الأجنبية إلى يوان صيني عبر أجهزة الخدمة الذاتية، وفقاً لما ذكره بنك الصين المحدود، المقرض الحكومي والشريك الرسمي للألعاب. كما يحق للرياضيين ومدربيهم الحصول على الأساور التي تعمل كمحافظ إلكترونية ويمكن تمريرها لدفع ثمن السلع أو الخدمات. وينظر إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي تبدأ رسمياً في الرابع من فبراير (شباط) المقبل، على أنها فرصة لبنك الشعب الصيني لرفع مستوى الوعي حول اليوان الرقمي بعد إحراز تقدم مطرد في التجارب في حوالى 12 منطقة في جميع أنحاء الصين منذ عام 2020. وتعد الصين أول اقتصاد رئيس لديه عملة رقمية للبنك المركزي وستستخدمه خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقبلة لاختبار مدى قبولها بين الأجانب، وذلك بعد أن تم بالفعل إنشاء 140 مليون محفظة شخصية إلكترونية و10 ملايين محفظة للشركات إلكترونية. وقال محللون اقتصاديون في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إن إطلاق تلك العملة الرقمية سيعطي للصين عدة مزايا وهي دعم التعافي الاقتصادي بشكل جيد، ومعرفة أوجه الإنفاق بشكل دقيق، مشيرين إلى أن تلك الخطوة لن تمكن بكين من التغلب على التعاملات المالية بالدولار الأميركي، وبالتالي لن تكسر هيمنته على نظام التسويات.

اعتماد رئيس

وقال الرئيس التنفيذي في مركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي، إن الصين ليس لديها عملة مستقلة، حيث إن اليوان التقليدي وهو عملة بكين الأصلية معتمد بشكل رئيس على الدولار الأميركي، ولذلك لن يكون اليوان الرقمي بديلاً للعملة الأميركية في التسويات المالية.وأشار الرفاعي إلى أن تلك العملة لن يكون عليها طلب قوي كما نراه في سوق العملات الرقمية، موضحاً أن العملة الرقمية الجديدة لن تكون العملة الرئيسة للدولة، بل ستكون بديلة للرسمية في بعض المعاملات المحدودة فقط. 

تسويق مجاني 

وقال مستشار المخاطر لدى بنك "سوسييتيه جنرال" في لوكسمبورغ، نادر حداد، إن طموح الصين في طرح اليوان الرقمي للرياضيين والمتفرجين قبل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين ما هو إلا تسويق مجاني لعملتهم الجديدة، موضحاً أن تلك العملة الجديدة ستواجه عدة تحديات في مقدمتها مكافحة التهريب والتهرب الضريبي، كما أنها ستكون أقل نجاعة من الرقابة المالية على العملات التقليدية وهذا يعتبر تحدياً ثانياً لها.وأكد حداد، أن بكين لن تستطيع تعويض الدولار باليوان الرقمي، ويعود ذلك لعدة اعتبارات منها أن الدولار الأميركي أكثر عملة متداولة في العالم، خصوصاً في أسواق النفط والسندات والذهب.

تخوفات أميركية 

في هذه الأثناء، هناك تخوفات أميركية من ذلك حيث دعا 3 أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ في يوليو (تموز) الماضي، اللجنة الأولمبية الأميركية إلى منع الرياضيين الأميركيين من استخدام اليوان الرقمي، مشيرين إلى مخاوف تتعلق بالتجسس وأمن البيانات.

خطوة استباقية 

وعلى ذات الصعيد، قال محلل أبحاث الاستثمار لدى "سنشري فايننشال" ومقرها دبي يوغيش خيراجاني، إن إطلاق الصين اليوان الرقمي يعني أنها تريد أخذ خطوة استباقية على الولايات المتحدة في عالم العملات الرقمية. وأكد خيراجاني، أنه ليس من السهل التخلص من هيمنة الدولار في النظام المالي، حيث يشكل الدولار الأميركي 51 في المئة من احتياطيات البنك المركزي، بينما يشكل اليوان 2 في المئة فقط، وفي المثل يشارك الدولار في 88 في المئة من سوق تداول العملات الأجنبية العالمية. وأشار إلى أن سبب قوة الدولار تعود إلى حقيقة أن الولايات المتحدة لديها أعمق أسواق رأس المال، ولا تزال المركز المالي العالمي. ولفت إلى أن التخلص من الدولار يعني أيضاً أن على بنك الشعب الصيني السماح لليوان الصيني للانتقال بحرية في سوق تداول العملات الأجنبية العالمي، وهو شيء غير سهل القيام به، مضيفاً أنه بلا شك يمكن استخدام اليوان الإلكتروني في عمليات التجسس، حيث سيتم التحكم في المسار الرقمي ويمكنهم إزالة أي دليل على استخدامه في أنشطة مشبوهة.

حرب باردة تلوح في الأفق 

من جهته، أوضح المحلل المالي علي حمودي، أن إطلاق اليوان الرقمي يأتي في ظل حرب باردة تلوح في الأفق بين الصين وأميركا مع تزايد التوتر في العلاقات بين القوتين العظميين، مضيفاً أن بكين قد تضغط من أجل اعتماد اليوان الرقمي على الصعيد الوطني للاستهلاك المحلي قبل الألعاب الأولمبية الشتوية.وأشار إلى أن حمودي استخدام تلك العملة قد يمكنها من التدخل بشكل أعمق في النشاط الشخصي للمستخدم. لذلك سيكون هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الصين على أمل ترويج اليوان الرقمي خارج حدودها.

بدوره، قال الشريك المؤسس لأكاديمية "ماركت تريدر الأميركية لدراسات الأسواق" عمرو عبده، إن إطلاق الصين لعملة اليوان الرقمي ناتج من الدرس الذي تعلمته البنوك المركزية حول العالم من أزمة كورونا وهو إيصال المعونات المالية للمواطنين بشكل أسرع. وأوضح أن تلك العملة ستمكن الحكومة الصينية من تطبيق وتنفيذ حزم الدعم بشكل سريع لتفادي أي ركود بالاقتصاد، كما أنه يمكنها من معرفة أوجه الإنفاق بشكل دقيق جداً. وأشار إلى أن الحكومة الصينية ستستطيع من خلال ذلك برمجة النقود أنه لو حدث زلزال أو أي كارثة طبيعية في مدينة سياحية وهو المجال الذي تعتمد عليه الصين بشكل رئيس ستستطيع توجيه الإنفاق من خلال تلك العملة لدعم وتعافي تلك المدينة بشكل سريع. ولفت إلى أن من مزايا إطلاق اليوان الرقمي للصين الحد من الجريمة المنظمة وغسيل الأموال ودعم الإرهاب وغيرها، إضافة لتعظيم الإيرادات الضريبية ومحاربة التهرب الضريبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكد أن الصين لن تنجح في استبدال اليوان الرقمي بالدولار الأميركي لأن استخدام العملة الصينية لا يساوي 2 في المئة من التعاملات المالية الدولية، لافتا إلى أنه حتى بكين ذاتها تُتم التعاملات المالية بالدولار الأميركي، لافتاً إلى أن هذا إذا سيحدث فوضى في التجارة العالمية، ولن يكون في مصلحة الصين في ظل تملكها تريليوني دولار ما يعادل 20 في المئة من ناتجها المحلي ومن ستخسره. وأوضح أنه يستبعد ذلك الأمر في ظل أن الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للصين ولذلك ستتأثر من استبدال الدولار باليوان الرقمي لأن القوة الشرائية الأميركية ستقل، ومن ثم ذلك سيؤثر عليها سلباً بقوتها التجارية الخارجية.  

الإنفاق الاستهلاكي 

وقال فرانسيس تشان، محلل "بلومبيرغ إنتليجنس" في هونغ كونغ: "قد تدفع الصين إلى تبني اليوان الرقمي على مستوى البلاد ككل ليستخدم في الإنفاق الاستهلاكي محلياً قبيل انطلاق أوليمبياد الشتاء في بكين في فبراير (شباط) المقبل".وأضاف تشان، أن استخدام اليوان الرقمي في هونغ كونغ ومع الشركاء التجاريين للصين ربما يرفع مكانة اليوان إلى أن يصبح عملة احتياطي دولي وتسوية مدفوعات عالمية.

تسهيل المعاملات اليومية 

حتى الآن، ركزت تجارب "اليوان الرقمي" على دورها في تسهيل المعاملات اليومية، حيث تهيمن شركتا "علي باي" و"وي تشات باي". في ظل محاذير من تأثير عمالقة التكنولوجيا على سلوك المستهلكين الصينيين، فإن الدولة تريد إعادة تأكيد سيطرتها، يمكن لبكين استخدام القوة الجبرية للقوانين واللوائح لضمان نجاح العملة كوسيلة للدفع، بحسب وكالة "بلومبيرغ". 

تحدي الدولار 

ولكن يجب أن تعمل النقود أيضاً كوحدة حساب ومخزن للقيمة، ولن يكون تحدي الدولار في الفواتير التجارية أمراً سهلاً. تبلغ الحصة السوقية للعملة الصينية من المدفوعات العالمية أقل من 2 في المئة، مقارنة بـ40 في المئة للدولار، ومع ذلك، ينبغي أن يكون من الممكن تشجيع الأجانب على الاحتفاظ بالمزيد من ثرواتهم باليوان. وأدت محاولة بكين السابقة لترسيخ اليوان كمخزن للقيمة إلى ارتفاع ودائع بنوك "هونغ كونغ" المقومة بالعملة بما يقرب من 10 أضعاف في خمس سنوات إلى ما يقرب من تريليون يوان في يوليو (تموز) 2015. ثم جاءت صدمة تخفيض قيمة العملة واختفى نصف الودائع على مدار العامين التاليين، وتوقف مشروع تدويل اليوان، ولكن الثقة عادت الآن. 

الاحتياطيات الأعلى 

بلغت احتياطيات النقد الأجنبي في الصين، وهي الأكبر في العالم، أعلى مستوياتها في خمس سنوات، وانتهى تداول اليوان في 2021 بالقرب من أعلى مستوياته في 3 سنوات لينهي عاماً من الأداء الصاعد بدعم من النمو القوي للصادرات وزخم تدفقات المستثمرين. وبحسب بيانات رسمية، فإن احتياطي النقد الأجنبي الصيني ارتفع إلى 3.2224 تريليون دولار أميركي في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، بزيادة 4.8 مليار عن الشهر السابق. وتنفرد الصين بصدارة قائمة البلدان الأكثر امتلاكاً للاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية في العالم، وبفارق شاسع عن اليابان صاحبة المركز الثاني، وفقاً لبيانات موقع "ستاتيستا" المتخصص في الإحصاءات. 

المزيد من عملات رقمية