هل تجاوزت "فوكس نيوز" نفسها بدهاء في شأن تمرد 6 يناير (كانون الثاني) في الكابيتول الأميركي؟ وروبرت مردوخ بالمعية؟
تجاوزت بوقاحة شبكة الأنباء السلكية المحافظة فضائح من قبل، وليس أقلها سلسلة المزاعم بالتحرش الجنسي التي وجهت إلى رئيسها التنفيذي السابق الراحل روجر آيلز، التي أصبحت موضوع فيلم شارليز ثيرون "قنبلة"، وتلك التي واجهها بعض من مقدمي برامجها وموظفيها الذين غادروها الآن.
لكن فضيحة سياسية هي ما اجتاح الشبكة هذه المرة. وتأتي بفضل نشر لجنة الكونغرس التي تحقق في الأحداث البشعة التي دارت في واشنطن العاصمة العام الماضي رسائل نصية متبادلة بين مقدم برنامج في الفترة الرئيسة لدى "فوكس"، شون هانيتي، وموظفين في إدارة ترمب، بمن فيهم كبير الموظفين مارك ميدوز.
في إحدى هذه الرسائل، المرسلة في 5 يناير 2021، قال هانيتي لميدوز إنه "قلق للغاية في شأن الساعات الـ48 المقبلة". وكان محقاً في قلقه هذا، لكن في برنامجه قال كلاماً مختلفاً جداً.
وجمعت شبكة "سي أن أن" المنافسة مقارنات وتناقضات تعرض نصوص هانيتي الموجهة إلى مسؤولين في إدارة ترمب، وحلفاء لها، وأعضاء في الكونغرس، ومقاطع من برنامجه. وقالت مقدمة البرنامج بريانا كيلار في إشارة إلى شعار قديم لـ"قناة فوكس نيوز" "نحن نبلغ، أنتم تقررون". وكان هذا كل ما تطلبه الأمر.
وفي الأسبوع الماضي سعت اللجنة إلى التعاون الطوعي لهانيتي مع استفساراتها في أعقاب نشر الرسائل النصية. ويمكن أن يتبع ذلك استدعاء إذا لم يكن التعاون وارداً. وإذا رفض هانيتي الامتثال للاستدعاء، قد يواجه فترة في السجن. هل سيكون على استعداد لقبول ذلك كثمن لكونه شهيداً وبطلاً لليمين الأميركي؟
هذا يضع "فوكس" التي لم يكن لديها كثير لتقوله عن هذه المسألة في موقف صعب في شكل ملحوظ.
وعانت الشبكة من نكسة أخرى في ديسمبر (كانون الأول) عندما وضع قاضٍ في ديلاوير حداً لآمالها في إنهاء سريع لدعوى التشهير التي أقامتها "أنظمة دومينيون للتصويت" وتطالب وفقها بـ1.6 مليار دولار (1.2 مليار جنيه استرليني) بسبب مزاعم لا أساس لها من الصحة بأنها كانت متورطة في تزوير الانتخابات أذيعت على الشبكة.
وتقدمت "سمارتماتيك"، وهي شركة أخرى للتكنولوجيا الانتخابية، بدعوى أخرى تطالب هذه المرة بـ2.7 مليار دولار.
والواقع أن دعاوى التشهير في الولايات المتحدة تتطلب تسويات أعلى بكثير مقارنة بالمملكة المتحدة.
وتسعى "فوكس" إلى استخدام التعديل الأول الأسطوري لدستور الولايات المتحدة الذي يضمن حرية التعبير كجزء رئيس من دفاعها. وسيكون على خصومها أن يثبتوا أن "فوكس" كانت تعرف أن المزاعم كانت كاذبة لكنها أذاعتها بخبث على أي حال، ما ألحق الضرر بأعمالهم أثناء ذلك.
والمشكلة في قرار ديلاوير هي أن "فوكس" ستضطر على الأرجح إلى الدخول في عملية اكتشاف، ما قد يخرج إلى العلن مزيداً حتى من الاتصالات المحرجة بين مسؤوليها التنفيذيين، ومقدمي برامجها، وغيرهم، في حال عدم التوصل إلى تسوية.
تدور مناقشة طويلة في المملكة المتحدة حول ما إذا كانت الصحافة الحزبية الشرسة تؤثر في الانتخابات والآراء أو ما إذا كانت الوسائل الإخبارية تسترشد في المقام الأول بقرائها وتتبعهم.
ولعل الواقع يكمن في مكان ما في الوسط. هناك تفاعل متبادل بين الجماهير ووسائل الإعلام التي تستهلكها، هو دفع وجذب يؤثر فيه طرف في الآخر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجرى ذلك في "فوكس". فقد ساعدت في تهيئة الظروف الملائمة لاستيلاء دونالد ترمب على الحزب الجمهوري، بانغماسها في نظريات المؤامرة، واحتضانها المظلومية المحافظة، ومواقفها التي انطوت على حرب ثقافية. وساعدت في دفع الحزب القديم الكبير (الحزب الجمهوري) وقاعدته في اتجاه اليمين.
لكن "فوكس" شهدت أخيراً بعض الجذب.
فأثناء الانتخابات الرئاسية عام 2020 وبعدها، حمل دونالد ترمب المهزوم على شبكته المفضلة سابقاً لكونها غير موالية بالقدر الكافي. فهي في رأيه لم تمرر مزاعمه التي لا أساس لها من الصحة بتزوير الانتخابات بشراسة كافية. ثم كانت هناك مشكلة كون "فوكس" أول شبكة أعلنت فوز جو بايدن بأريزونا.
وحض ترمب جيش متابعيه على "تويتر" على الانتقال إلى "نيوزماكس" المنافسة، أو "وان أميركا نيوز"، وهما محطتان متشبهتان بـ"فوكس" متدنيتا المستوى أظهرتا أن من الممكن حقاً التفوق على الشبكة يميناً.
وشهدت "نيوزماكس" بصورة خاصة قفزة ملحوظة في نسبة المشاهدة، بينما بدا وكأن صعود "فوكس" لفترة طويلة في معركة التصنيف الإخباري السلكي أصبح مهدداً. وأطاحت "سي أن أن" بها عن موقعها البارز لفترة وجيزة.
وسمع المسؤولون التنفيذيون الرسالة. ومنذ ذلك الحين فقدت عملية جمع الأخبار مراسلين، ولا سيما الرجل المسؤول عن ذلك الإعلان الخاص بأريزونا (كذا). كذلك غادر مضيفون منصفون نسبياً مثل كريس والاس، المستعد لطرح أسئلة صعبة على الجمهوريين وكذلك الديمقراطيين.
ومن ناحية أخرى، ضاعف مضيفو برامج الرأي مثل هانيتي، لا سيما تاكر كارلسون، خطابهم المتشدد المروج للمؤامرات، فرفعوه إلى نبرة محمومة. ويمكن القول إن المحطة بلغت الحضيض مع "التطهير الوطني"، وهو فيلم يزعم أنه وثائقي، بث على الخدمة المدفوعة "فوكس نايشن" وليس على شبكة "فوكس نيوز"، وهذا أمر جهد مسؤولو العلاقات العامة في الأخيرة لتأكيده.
في نهاية المطاف كان القرار الذي أدى إلى هذا يتعلق بالأعمال وليس سياسياً، فهو تحرك مصمم للحفاظ على موقع "فوكس" وربحيتها. وأثبت نجاحه. لقد تعافت التصنيفات. لقد عادت "فوكس" إلى قمة أخبار شبكات الأنباء الكابلية الثلاثة الكبرى التي تتضمن أيضاً "أم أس أن بي سي" ذات الميول اليسارية، بالإضافة إلى "سي أن أن" التي تركز على الأخبار. ومن ناحية أخرى تراجعت منافستاها اليمينيتان – اللتان تقاضيهما أيضاً شركتا التكنولوجيا الانتخابية.
لكن اقتفاء "فوكس" أثرهما إلى مستنقع أقصى اليمين قد يأتي في مقابل تكلفة، لن تقع فقط على عاتق المصداقية الرقيقة التي كانت تتمتع بها قبل الانتخابات. ويتعين على هؤلاء الذين يهتمون بالديمقراطية الأميركية أن يأملوا في حصول ذلك، لأن أمتهم أيضاً تدفع ثمن أنشطة "فوكس".
© The Independent