Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانفصال "الصعب" لبريطانيا عن أوروبا... الإسترليني يدفع الثمن

المحللون يتوقعون استمرار الهبوط إلى مستويات 1.1 دولاراً... والغموض يسيطر على مصيره في 2019

للمرة الأولى منذ الثالث من يناير تراجع الجنيه الإسترليني إلى مستوى 1.26 دولاراً خلال التعاملات الأخيرة (أ.ف.ب)

مع استمرار الغموض، الذي يكتنف الصفقة، التي كانت تسعى رئيسة وزراء بريطانيا، المستقيلة قبل أيام، حول انفصال بلادها عن الاتحاد الأوروبي، تبقى خسائر الإسترليني إحدى المؤشرات، التي تؤكد صعوبة الأوضاع، المتجهة إليها بريطانيا.

وفي مسلسل جديد لخسائر العملة البريطانية، تراجع الجنيه الإسترليني إلى مستوى 1.26 دولار خلال التعاملات الأخيرة، وذلك للمرة الأولى منذ الثالث من يناير (كانون الثاني) موسعاً خسائره التي مُنِي بها أخيراً بفعل علامات تشير إلى أن أي خَلَف لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من المرجح أن يكون مؤيداً لخروج غير سلس من الاتحاد الأوروبي.

وهبط الإسترليني بنحو 0.3% مقابل العملة الأميركية إلى 1.2580 دولار، كما تراجعت العملة البريطانية 0.2% أمام اليورو إلى 88.34 بنس.

خسائر عملات الأسواق الناشئة وقوة الدولار
المحلل المالي أحمد الحارثي، قال إن "ما يشهده الإسترليني من خسائر خلال الفترة الماضية يأتي كرد فعل طبيعي لما يشهده ملف انفصال بريطانيا عن أوروبا من غموض واتجاه نحو انفصال دون (اتفاق سلس)"، متوقعاً أن "تعمّق العملة البريطانية من خسائرها خلال الفترة المقبلة، وربما حتى انتهاء ملف الانفصال بشكل كامل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشار، في اتصال مع "اندبندنت عربية"، إلى أن "خسائر الإسترليني لا يمكن فصلها عن الخسائر التي تواجه عملات الأسواق الناشئة، وقوة المكاسب التي حققتها العملة الأميركية طيلة الفترة الماضية، على الرغم من التوترات التي تشهدها الساحة الدولية من حروب، خصوصاً الحرب التجارية بين أميركا والصين، التي من المتوقع أن تدفع إلى مزيد من الضغوط على العملات الرئيسية حتى نهاية العام الحالي".

تحديات داخلية وخارجية تواجه "بريكست"
وتسببت الضغوط، التي تواجهها رئيسة الوزراء البريطانية بشأن ملف "بريكست"، الذي يواجه كثيراً من التحديات الداخلية والخارجية، في أن تعلن تيريزا ماي، استقالتها من رئاسة الحكومة، محددة جدولاً زمنياً لخروجها من الحكومة والحزب على خلفية أزمة البريكست.

وقالت، في كلمة ألقتها أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن، إنها "ستبقى في المنصب حتى 7 يونيو (حزيران) المقبل، حتى تتيح الفرصة أمام حزب المحافظين، الذي تنتمي إليه لاختيار زعيم جديد للحزب".

وستكون بذلك في منصبها عندما يزور الرئيس الأميركي دونالد ترمب المملكة المتحدة من 3 إلى 5 يونيو (حزيران) المقبل.

تيريزا ماي، التي تولت رئاسة الحكومة البريطانية في 2016، مثلما كانت تواجه ضغوطاً خلال مفاوضاتها حول خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، كانت في الوقت نفسه تواجه ضغوطاً داخلية ربما هي الأعنف منذ توليها رئاسة وزراء بريطانيا بعدما تبنّت خطة الانفصال عن أوروبا.

لكنها ولدى إعلان خبر استقالتها علّقت تيريزا ماي قصة الانفصال عن أوروبا في رقبة رئيس الوزراء المقبل.

"ماي" تطلب تأجيل الانفصال
وبداية الشهر الماضي، خاطبت "ماي" الاتحاد الأوروبي، وطالبته بتأجيل انفصال بريطانيا عن التكتل إلى الثلاثين من يونيو (حزيران)، حتى يتسنى لها الحصول على موافقة أعضاء مجلس العموم على اتفاق الخروج.

لكن فرنسا وهولندا عبرتا عن قلقهما بشأن الخطة، وهو ما يفاقم مخاوف مستمرة بشأن خروج دون اتفاق، ما أدى إلى استمرار خسائر الإسترليني.

ولم يتضح تأثير تأجيل طويل للانفصال على الإسترليني. لكن من المرجح أن ترتفع العملة البريطانية إذا دفع تأجيل الانفصال أعضاء مجلس العموم المناهضين للاتحاد الأوروبي إلى دعم الاتفاق، الذي توصلت إليه "ماي" مع الاتحاد، أو أدى إلى إلغاء استفتاء الخروج، الذي أُجري في عام 2016.

لكن، حتى الآن لم تستطع الحكومة البريطانية بقيادة "تيريزا ماي" التوصل إلى صياغة بنود اتفاق مع أكبر الأحزاب المعارضة، وهو حزب العمال بزعامة "جيريمي كوربين" حيال مغادرة البلاد من الاتحاد الأوروبي، ومن المقرر أن يتم التصويت على اتفاقية ماي من قبل البرلمان البريطاني في بداية الشهر المقبل للمرة الرابعة على التوالي، الأمر الذي أثار كثيراً من المخاوف حول قدرة الحكومة على صياغة اتفاق يوافق عليه جميع الأطراف، ويقره الاتحاد الأوروبي.

الأسواق لم تكن مستعدة لنتيجة الاستفتاء
وقال ريكاردو إيفانجيليستا، كبير المحللين في شركة أكتيف تريدس للوساطة المالية في لندن، إنه "وبشكل لا يمكن تجاهله كان لبريطانيا منذ انضمامها إلى الاتحاد البريطاني في 1973 فتور تجاه الاتحاد المشترك في القارة العجوز".

وفي تحليله أكد ريكاردو، أنه "بصرف النظر عن ذلك كانت نتيجة الاستفتاء صادمة بشكل غير متوقع، لم يكن الساسة في حالة استعداد لها، مما اضطرهم إلى إجراء المفاوضات لمغادرة الاتحاد الأوروبي. لكن العملية التي بدأت مع الاستفتاء ستنتهي وهي غير واضحة، وبكل المقاييس فإنه من غير الطبيعي، وبعد مضي نحو عامين ونصف العام من إجراء الاستفتاء لا يزال الغموض يهيمن على طبيعة العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد تاريخ 29 مارس (آذار)".

وتطرق المحلل إلى أن "الفترة الماضية شهدت رفض البرلمان البريطاني الاتفاق، الذي تم التفاوض عليه بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي، والآن تسعى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى إقناع نظرائها الأوروبيين بالتفاوض على اتفاق جديد يحمل ترتيبات جديدة".

السيناريوهات المحتملة
لكن في الوقت نفسه، لا تزال هناك كثير من السيناريوهات المحتملة والمطروحة على الطاولة بشأن الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، منها الخروج دون اتفاق أو ما يعرف بـ"الخروج الصعب"، أو التفاوض والحصول على اتفاق جديد، أو ما يعرف بـ"الخروج الناعم"، أو إجراء استفتاء جديد، ربما يؤدي إلى بقاء المملكة المتحدة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

أمَّا عند التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، فإن النتيجة الافتراضية لذلك سوف تكون خروج بريطانيا الصعب مع خسارة كل أنواع الحقوق في التداول، والخدمات والتعاون والأموال والأشخاص.

وينظر إلى هذا السيناريو على نطاق واسع بأنه ضار جداً على الاقتصاد البريطاني والأوروبي، ومن المحتمل أن يكون له تداعيات طويلة الأمد.

في المقابل، فإن الاحتمال الآخر هو أن يعود الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى طاولة المفاوضات من جديد لتحديد شروط العلاقة المستقبلية بين الطرفين.

لكن هناك كثير من الصفقات المطروحة على الطاولة، التي تتضمن ترتيب الأوضاع مثل النرويج أو إقامة صفقة على غرار صفقة كندا مع الاتحاد الأوروبي.

ومن غير السهل التغلب على الفجوة بين الأحزاب السياسية داخل أروقة البرلمان البريطاني، التي في النهاية ربما تؤدي إلى مأزق يدفع نحو تأجيل المادة 50 في نهاية المطاف أو الاتجاه نحو الخروج الصعب.

تأثر أداء "فوتسي" والإسترليني
وفقاً لكبير المحللين في شركة أكتيف تريدس للوساطة المالية في لندن، فمن المحتمل أن "يكون هناك تأثير لكل سيناريو مختلف على الأسواق".

اتضح ذلك تماماً بعد نتائج استفتاء يونيو (حزيران) من العام 2016 عندما تكبّد الإسترليني خسائر كبيرة، في الوقت الذي تداول فيه الإسترليني حول مستويات 1.44 قبل الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، ليفقد نحو 15% من قيمته مقابل الدولار الأميركي.

وأشار ريكاردو إلى أن "الأمر، الذي يمكن أن نستنتجه من هذه الأرقام، هو مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي تمثل مخاطر هبوطية في الاقتصاد البريطاني، وانعكاسها على الجنيه الإسترليني".

من ناحية أخرى، يدعم ضعف الإسترليني مؤشر "فوتسي"، الذي يتكوّن من عدة شركات ذات امتداد عالمي تقيّم بالدولار، لذلك يترجم ضعف الجنيه الإسترليني إلى نتائج أفضل لهذه الشركات وارتفاع قيمة المؤشر.

كيف تتأثر سوق الصرف؟
المؤشرات السابقة، التي ساقها ريكاردو  في تحليله، ربما تعطي دلائل كافية على كيفية ردة فعل الأسواق لكل سيناريو محتمل، فكلما كانت العلاقة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي أكثر سوءاً، زادت الضغوط على الجنيه الإسترليني، وعلى المدى القصير على الأقل، في حين من المرجح أن يسير مؤشر الفوتسي 100 في الاتجاه المعاكس، ويحقق مكاسب قياسية في ظل العلاقة العكسية مع الجنيه الإسترليني.

وعلى الرغم من أن كل شيء لم يتم تحديده بعد، وجميع الخيارات ما زالت مطروحة على الطاولة، فإن الأسواق تميل نحو خيار عدم الاتفاق، في حين يعتقد كثير من المراقبين أن هناك تمديداً لتفعيل المادة 50.

وهذا يفسر سبب تجاهل الجنيه الإسترليني الضجيج السياسي وعدم انخفاضه دون مستويات 1.28 أثناء التصويت على الاتفاق، الذي عرضته حكومة تيريزا ماي أمام البرلمان، إضافة إلى القرارات المهمة الأخرى، التي اتخذها المشرعون في مجلس العموم البريطاني.

وأخذاً بالاعتبار عملية الخروج الصعب من الاتحاد الأوروبي، فربما يجرى تداول الإسترليني دون مستويات 1.10 دولار، في حين من المتوقع أن يسجل ارتفاعاً في حال تم الاتفاق على خروج سلس نحو مستويات 1.40 دولار، ومن الممكن أن يواصل الارتفاع نحو مستويات 1.50 دولار وأكثر.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد