Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عالم كاميرا خفية... عالم ترمب

"في كل جولاته تلك يصرخ بالويل والثبور رافعا يده مهددا بالحرب"

الفيلسوف الفرنسي "آلان باديو" رأى أن الانتخابات التي جاءت بترمب نفسه (ليلها أمر لا يطاق) (رويترز)

رمضان موسم لمآدبَ عامرة ولتخمة المُسلسلات الدرامية، والكثيرون يُحلونه ببرامج الكاميرا الخفية، كلما التقيت بالأصدقاء والزملاء يعمرون الجلسة، بما يشاهدون من حلقات الكاميرا الخفية التي يدمنونها كافة.

خلال الفترة الماضية أتابعُ الأحداث المضطردة في القارات القديمة، خصوصاً على ضفتي المتوسط وفي الخليج، فيظهر بطل الفيلم الأميركي دونالد ترمب شرطي العالم الجديد، مَن تراه حيثما وليت وجهك، يجول طائراً في الرقعة آسيا، بينما تجول سفائنُ بلاده الحربية، خصوصاً حاملات الطائرات، في محيط القارة وخلجانها.

ترمب من بشر ناخبيه بأميركا أولاً، يظهر في اليابان وقبل على خشبة شبه جزيرة كوريا، وكأنه يعيش نهاية الحرب الكبرى الثانية، ثم في إيران حيث يعيش زمن إسقاط مصدق، وفي كل جولاته تلك يصرخ بالويل والثبور، رافعاً يده مهدداً بالحرب.

حربه التجارية ضد الصين

اليوم التالي هذا الـ "ترمب" يخرج لك لسانه في أول نشرة، بأن ما شاهدته أمس كاميرا خفية، ويبدو كرجل ينادي بالمفاوضات والجلوس على الطاولة وكراسيها المريحة!

وفي الوقت نفسه، تتابعهُ وهو يعلن حربه التجارية ضد الصين، وأيضاً يعمل كـ "مارشال" على التدخل في الانتخابات الأوروبية، كما يفعل القيصر الروسي بوتين، من اتهم بالتدخل في الانتخابات الأميركية التي جاءت بترمب، هما معاً يتدخلان لأجل دعم الشَعبويين أمثال ترمب وحتى اليمين المتطرف والبريكست، وبذلك يظهر الرئيس الأميركي كما حليف تحت الطاولة لروسيا.

وقد جاء تنديد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتواطؤ القوميين، و"مصالح أجنبية" بهدف (تفكيك أوروبا) برسالة واضحة في هذا الاتجاه، خصوصاً عبر إشارته إلى (أنه لم يسبق للروس ولبعض الجهات الأخرى أن تدخلوا إلى هذا الحد في تمويل الأحزاب اليمنية ومساعدتها).

وكان الفيلسوف الفرنسي "آلان باديو" قد رأى أن الانتخابات التي جاءت بترمب نفسه (ليلها أمر لا يطاق)، وسأل (ما الذي استوجب العالم المعاصر أن يدخل هذا الليل ومن ثم هذا الرعب؟).

عالم الشعبوية!

أتابع الأخبار، ما يأتي به المحللون، ما يكتب المتفكرون، فيزدادُ جهلي بما يحدث... كيم الطفل الكوري من ألعابه النووية، يلعب وترمب لعبة كما فوازير رمضان؟ ثم يخرج كيم لسان حاله بأن لقاءهما كاميرا خفية ليس إلا، أما ملالي إيران فيتعهدون ترمب بمصير صدام! الذي من بلاده يطلق أحدهم حمامة السلام، فيحييه ترمب بإرسال دفعة جديدة من جنوده إلى المنطقة، بينما العراقيون الغارقون في خصوماتهم، يتطوعون بالوساطة بين الخصمين لأجل تبريد القلوب وإصلاح ذات البين.

والحاصل في آسيا يدفعك لإنقاذ رأسك من التشويش، بمتابعة ما يحصل في أوروبا حيث العقلانية قارة، لكن الانتخابات القارية الأوروبية الأخيرة تبشرك بفوز ثلة من مثل مارين لوبين، وماتيو سالفيني، ونيجل فاراج، الشخصيات الشعبوية التي نموذجها الأسمى ترمب.

هؤلاء من دفعوا الشعوب الأوروبية إلى صناديق الاقتراع في نسبة غير معتادة منذ فترة طويلة، لكن ذلك لم يعنِ أن الشعبوية قد خرجت بالفوز الأعظم فحسب، بل إنها خلقت خلائط في الجسم العجوز أوروبا، فشبابها هذه المرة من خلطوا الأوراق، أوروبا حيث العقلانية قارة، مشوشة، فتتذكر حقبة ما بين حربيها الكبريين الأخريين، وهكذا تجد أن ما تشاهده في النشرات الإخبارية كالذي يشاهده زملاؤك في برامج الكاميرا الخفية.

عالم ثالث

لستُ أوروبياً ولا من آسيا، ولدتُ وأعيشُ في شمال أفريقيا، حيث كل شيء واضح كشمس صحاريها الكبرى، لكن ما يتجلى عجاج، في بلادي ليبيا التي قيل إنها ليست من اهتمامات إدارة ترمب، ليبيا قبيل حربها الحالية وليست الأخيرة، اتصل ترمب بالمشير خليفة حفتر، هذا الاتصال خلط الحابل بالنابل، وحتى الساعة المحللون والمهتمون في غيه يعمهون.

إذاً في جنوب المتوسط، في شمال القارة السمراء، الجزائر الحائرة، حيث الجيش ممسك باللجام منذ استقلالها 1962، ولا يريد غير ذلك، لذا ينادي ويعمل لأجل استقرار دستوري مخافة العشرية السوداء. وبدستور بوتفليقة يقود قائد الجيش (قايد صالح) البلاد لصالحها، منذ اندلاع الربيع العربي في هشيم سلطة بوتفليقة في فبراير (شباط) الماضي، منذ فبراير هذا، والشعب الجزائري يُصلي الجمعة في الميادين.

الحديقة الخلفية لشُرطي العالم

في هذا المشهد، المفارقة، ليس ثمة من محلل، غير بيانات قايد صالح بين تارة وتارة، فحواها الدستور الطريق والانتخابات الطريقة، ولا صوت يعلو فوق صوت (قايد صالح)، الجزائر الحائرة إلى أين؟ حتى الساعة لا أفق.

أما عن السودان فحدّث، فهناك انقلاب عسكري غير مسمى سودانياً، على الرغم من تسميته من قبل المنظمة الأفريقية، وهناك ربيع عربي غص به حلقوم الشعب السوداني، من يكرر وفقط مرة تلو مرة، وما هو ظاهر أن حبل الصراع على السلطة التف على ربيع السودان، كما التف عمن عاشوا هذا الربيع من قبل، على الأقل حتى الآن.

وهكذا في أفريقيا كما في غيرها، كلما بانت لحظة انفراج، يباغتك شرطي العالم الجديد... كاميرا خفية.

وملاحظة... لم أُذكر بفنزويلا، حتى لا أتهم بالتدخل في الشؤون الداخلية لليانكي، فمعلوم أن أميركا اللاتينية الحديقة الخلفية لشُرطي العالم.

المزيد من آراء