كاد التطرف يصاب بنكسة تضرب مفاصله في مقتل، لكن خطوات وعوامل عدة منحت الظاهرة العام الماضي وربما المقبل كذلك أيضاً من "الأكسجين" والأمل، بعد أن كان في أحلك مراحله، على الأقل في الخليج ومحيطه الشرق أوسطي.
وفي وقت كانت متحورات كورونا تكتم أنفاس الدول وتنهك أجهزة التنفس وانصرفت أكثر الجهود لمكافحتها، كان الإرهاب يوظف ذلك البيات في التسلل إلى مناطق يرى تسجيل الأهداف فيها ممكناً، في مثل الشبكات الاجتماعية وقارة أفريقيا وآسيا وأوروبا، فلم يجنح إلى السلم أبداً أو تضع حربه أوزارها في ميادين قتاله الرئيسة، بل حاول التيار توظيف الأزمة في إلحاق أكبر الأذى بخصومه، خصوصاً في الشق الفكري الذي يتخذ منه دوماً قوة استطلاع أمامية لكل برامجه وعملياته، فكانت الخطوة التي بدأ بها التفاعل مع "كورونا"، باعتباره الفيروس "جنداً من جند الله يتسلط على رقاب الخارجين عن الطاعة"، والتحريض على التمرد ضد الإجراءات التي اتخذتها الحكومات العالمية لمواجهة الفيروس.
ووثق المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) ومقره الرياض في رصد أجراه، أن أربع تنظيمات إرهابية، هي "داعش و"القاعدة" و"تحرير الشام" و"بوكوحرام"، قادت نشاطاً محموماً على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، بواقع نحو 2000 حساب يبث الدعاية المتطرفة في الفترة ما بين أبريل (نيسان) ونوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، "بهدف إعادة تموضعها نتيجة للخلافات والانقسامات في صفوفها".
أرقام ذات مغزى أبعد
وقال المركز في تحليله نتائج الرصد الذي أجراه "إن 782 حساباً أساسياً يعود لتلك التنظيمات بشكل مباشر، 42 منها تمت إعادة تفعيله، إضافة إلى نشاط 934 حساباً فرعياً (متعاطفة)، كان من بينها 499 حساباً خاملاً، إضافة إلى إطلاق 242 حساباً جديداً، فقام تنظيم القاعدة بمحاولة إعادة انتشاره افتراضياً من خلال 785 حساباً بلغات مختلفة على المنصة الرقمية ذاتها، من بينها 344 حساباً باللغة البشتونية، 310 باللغة العربية، 102 باللغة الأوردية، و29 حساباً بلغات أخرى، في محاولة من التنظيم لترميم صورته الذهنية أمام أتباعه بالدرجة الأولى، وبما يخدم محاولاته في التجنيد والانتشار".
وأسفر الرصد عن وجود 843 حساباً تابعاً لـ "هيئة تحرير الشام" التي كانت تسمى هيئة النصرة المنضوية تحت عباءة "القاعدة"، ضمن قائمة الحسابات التي تم رصدها، منها 706 حسابات باللغة العربية، و137 بلغات أخرى، وهو ما يعكس مستوى اهتمام التنظيم بالداخل السوري في تقدير محللي المركز.
وفي ما يتعلق بتنظيم داعش الأشد خطراً وفق الترجيحات الأممية، توصل الراصدون إلى قيام الكيان الدموي بتنشيط 305 حسابات، منها 241 باللغة العربية، 20 بالأوردية، 9 بالفارسية، 8 بالتركية، 7 بالإنجليزية، و20 حساباً بلغات مختلفة.
أما في أفريقيا فوجد "اعتدال" 25 حساباً تابعاً لتنظيم "بوكو حرام"، إلا أن اللافت في تلك الحسابات هو أن "معظمها باللغة العربية، إضافة إلى حسابين باللغة الأوردية، و4 بالإنجليزية، ومثلها بلغات محلية صومالية".
الرصد الذي تناول منصة واحدة فقط يرجح أنها "تيليغرام" وإن كان المركز لم يشأ الإفصاح عنها، كان اللافت فيه صدارة اللغات التي يتحدث بها أكثر الأفغان والباكستان مثل "الأوردو والباشتون" باهتمام عن تنظيم مثل القاعدة إلى درجة فاقت اللغة التي يفترض أنها الأم للتنظيم، وهي العربية.
وتلك نتيجة منطقية إذا ما نظرنا إلى العوامل التي سادت زمن الرصد، إبان الحديث عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان لمصلحة "طالبان" التي سيطرت على المشهد، وهي التي تربطها مشتركات كثيرة بـ "القاعدة"، وحلف كان استراتيجياً على الأقل في الماضي، مما يعطي إشارة بأن تقديرات الباحثين والمحللين بأن فرص انبعاث "القاعدة" وهي الحركة الأم للتنظيمات التي انشقت عنها في ما بعد، أصبحت مواتية بعد وصول حلفائها إلى كابول.
إلا أن كثيرين لا يرون أن ذلك يشكل تهديداً ضد "طالبان" بوصفها و"القاعدة" قادرتين على تبادل الأدوار والتفاهم على آلية تجنبهما التصادم، على الرغم من تضادهما الكبير في منهجية العمليات الميدانية، فبينما يقتصر نشاط "طالبان" على أفغانستان وحدودها الضيقة، تبني القاعدة أصول عملها على "عولمة الإرهاب"، وهو ما تسميه "الجهاد ضد الصليبيين وأعوانهم"، إلا أن تعهد طالبان للأميركيين والعالم بأنهم لن يسمحوا باستخدام أرضيهم للهجوم مجدداً على أي بلد من قبل أي تنظيم، قد يدفع التنظيمين مع الوقت إلى التصادم.
عودة الزخم
الأهم من كل هذا أن الأرقام التي جرى توثيقها وتفاعل التنظيمات الإرهابية مع عودة "طالبان" لحكم أفغانستان، متفقان على أن الخطوة أعطت للإرهاب زخماً و"أكسجيناً" كان يفتقده لسنوات، بعد الهزيمة النكراء التي تلقاها "داعش" على يد التحالف الدولي في العراق.
ومن المفارقات التي تكشف عن حجم أثر نموذج طالبان في الذاكرة الإرهابية، ما وثقته أخيراً كاتبة عرفت الحركة عن قرب، من أن "سلوك (داعش) في سوريا والعراق، بما في ذلك تدمير الآثار، يقلد حركة طالبان في تلك الفترة المبكرة" من تاريخها في نواح عدة.
وقالت الناشطة الاجتماعية سيبي أذربيجاني في شهادة لها حديثة نشرت ترجمتها "اندبندنت عربية"، إن طالبان أتقنت الأداء الاجتماعي للسلطة "باستخدام لغة بصرية وعميقة أساسها العنف، إذ إنها تجمع بين الروايات والمعتقدات المشتركة من التاريخ والثقافة الأفغانية في الفترة الإسلامية لكي تخلق قصصاً جديدة حول هويتها والدولة التي تنوي إنشاءها"، وهي تشير بذلك إلى تجربة الحركة الأولى التي عايشتها عن قرب والحالية التي تتابعها.
ماذا لو حدث العكس؟
إلا أن مصدرين أميركي وسعودي رفيعين تحدثا إلى "اندبندنت عربية" وفضلا عدم التصريح باسميهما، اعتبرا أن الانتكاسة التي بدا أن وصول "طالبان" إلى الحكم أحدثتها لجهود مكافحة الإرهاب، قد لا تستمر آثارها طويلاً إذا ما سارت الأمور على النحو المأمول، "فإذا ما استطاعت طالبان السيطرة على كل البلاد ودحرت تنظيمات إرهابية مثل داعش خراسان، ولم تسمح بظهور أمراء الحرب مجدداً مثل السابق، وأوجدت مقاربة في الحكم مع الأطراف الاجتماعية والعرقية والقبلية، فإن ذلك سيكون مكسباً على المدى البعيد، يعيد الاستقرار ويساعد في محاربة الإرهاب".
وتتفق أذربيجاني مع هذا التصور، إذ اعتبرت أن جزءاً من مشكلة المجتمع الدولي مع "طالبان" هي عدم فهمهما، مرجحة أنه على الرغم من تحليلات أولية وصفتها بـ "الازدرائية" اختزلت "طالبان" في أفراد متخلفين من مناطق "البشتون" النائية تلقوا تعليماً في المدارس الدينية وما زالوا يتلقونه، فإن تلك المظاهر بحسب رأيها لم تكن عرضية، "فقد أصبح من الواضح أنهم كانوا يحاولون توصيل رؤيتهم للعالم من خلال تلك الأنواع من العروض. لو فهم الآخرون ذلك، كانت المفاوضات مع "طالبان" ستؤدي ربما إلى نتائج مختلفة تماماً، كما كان سيتم تجنب الحرب الطويلة التي أودت بحياة العديد من الأشخاص".
أما بالنسبة إلى إلهام الانسحاب الأميركي حركات متطرفة أخرى، لمحاولة الانقلاب على حكومات مركزية في بلادها بإيعاز دولي، فإن المصدر الأميركي أقر بأن هذا السياق مقلق، إلا أن التصور القائم هو أن يبعث نموذج "طالبان" رسالة إلى تلك الجماعات تدفعها إلى نبذ الإرهاب، وليس العكس.
تراجع القابلية
وتشير دراسة استشرافية لمؤسسة "راند" إلى أن بين السيناريوهات المرجحة في منطقة الشرق الأوسط، هو تراجع دوافع الإرهاب في المنطقة لمصلحة العودة للمقاربات المحلية والوطنية، عوضاً عن الارتهان للصراعات الطائفية والمذهبية والأيدولوجية التي أججت الإرهاب، في مثل العراق وسوريا والخليج،
إلا أنها لا تزال تعتقد أن "الشرق الأوسط سيبقى حافلاً بالمظالم والصراعات العنيفة التي ستحاول الجهات الفاعلة طائفياً استغلالها، إلا أن هناك إمكان لتحسين الظروف".
بينما لاحظت دراسة مستفيضة لـ "شاتام هاوس" البريطاني أن معامل الصراع في المنطقة بما فيها الإرهاب، وفقاً لاستقصائها شرائح واسعة من السياسيين والخبراء (210 شخصاً)، سيحد منها "الاتفاق النووي الذي يبحثه إيران والغرب".
وخلصت نتائجها التي قدمتها أخيراً في السعودية الباحثة التي شاركت في إعدادها سنام وكيل، إلى أن "خطة العمل المشتركة" على الرغم من الجدل الذي أثارته في منطقة الخليج إلا أنها جاءت في طليعة مقترحات "النموذج الأمني الأكثر نجاعة في الشرق الأوسط" بنسبة 45 في المئة، وفقاً لإجابات من استقصى المعهد آراءهم.
واعتبرت الدراسة التي استضاف مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث نقاشها أخيراً، أن مشكلات الأمن الإقليمي في المنطقة العربية متعددة، وأنه تبعاً لذلك "بحاجة ماسة إلى إطار عمل للأمن"، إذ تشكل صراعاتها وحروبها المتعددة والمنافسة الشديدة بين الدول الإقليمية الرئيسة وتحديات الحوكمة المستمرة، جميعها تهديداً عميقاً جداً لرفاهية سكان المنطقة وسبل عيشهم.
ورجحت الورقة في خلاصتها أن الظروف مواتية الآن من أجل "الوصول إلى إطار عمل أمني إقليمي يبدأ من الآن"، إلا أن ذلك سيتطلب استثماراً دولياً وإقليمياً في إدارة الصراع وبناء الثقة، لافتة إلى سحر "التبادل التجاري" والمصالح الاقتصادية في تراجع حدة الخلافات السياسية.
الحلول الإقليمية أنجع
ولم تجد الباحثة وزملاؤها حرجاً في الإقرار بأن معالجة دور التدخل الإيراني في النزاعات والبلدان الواقعة خارج حدودها هو مفتاح تلك العملية، ولكن إذا كان هناك أي احتمال للتحسن في العلاقات الإقليمية، "فلا تحتاج إيران فقط إلى الاعتراف بالتأثير العكسي لدعمها المالي والعسكري للجماعات التي تعمل بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، وإنما يتعين أيضاً على الدول العربية أيضاً الاعتراف بأنها تتحمل أيضاً مسؤولية القيادة، كما أن الحلول الإقليمية تحقق فرص نجاح أفضل".
وتكمن الخطوة العملية لإنهاء الصراعات في المنطقة، ومن ثم إيجاد آلية مشتركة للتفاهم حول الأمن الإقليمي في عودة واشنطن وطهران للاتفاق النووي مجدداً، إلى جانب الشروع في مسارات لحل الأزمات الأخرى، مثل "التركيز على الحروب في اليمن وسوريا، وبناء قدر أكبر من التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخلق تدابير بناء ثقة ذات مغزى" بين الدول، بحسب التقرير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واللافت أن التقرير على الرغم من تأكيده على أن الثقل الدولي مهم للتوافق بين القوى الإقليمية، إلا أنه لا يرى انسحاب أميركا في المنطقة عائقاً، فهي "ستستمر في مسارها المتمثل في فك الارتباط في الشرق الأوسط والمنافسة مع روسيا والصين في ظل رئاسة بايدن، لكن مع ذلك فإن تغيير الإدارة في واشنطن يخلق فرصة واضحة للتعاون متعدد الأطراف وإدارة الصراع في الشرق الأوسط، بالاعتماد على الموارد والدعم من أوروبا وروسيا والصين".
ميليشيات إيران
وإذا ما تجاوزنا تهديدات المنظمات الإرهابية التقليدية، فإن أحد أهم روافد التطرف في السنة الماضية وربما الحالية، جاء من الجماعات المتطرفة المدعومة من إيران في كل من العراق ولبنان واليمن، فعلى الرغم من محاولة استعادة هيبة الدولة في بغداد فإن خطر الميليشيات هناك بلغ حداً نادراً في جرأته عندما استهدفت شخص رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في منزله نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بمسيرة انتحارية، سعت إلى اغتياله قبل أن ينجو بأعجوبة.
ويتوقع أن تزداد وتيرة التهديدات من هذا النوع من جانب التنظيمات الشيعية، خصوصاً بعد انسحاب أميركا ليس في أفغانستان وحسب، ولكن أيضاً في العراق القريب من الخطر الإيراني، وإن كان مراقبون يقرؤون في سقوط الأحزاب المفضلة لدى إيران في انتخابات بغداد الأخيرة، ومجاهرة شرائح من الشيعة اللبنانيين برفض هيمنة حزب الله، مؤشراً إلى تحول المزاج الشعبي ضد التطرف على هذا الصعيد، على الرغم من الفراغ الذي يحدثه الانسحاب الأميركي.
على الصعيد الأفريقي، كانت القارة السمراء ميدان الإرهاب الأكثر ضراوة العام الماضي وعلى الأرجح المقبل، خصوصاً دول أفريقيا جنوب الصحراء والصومال، وربما لاحقاً السودان الذي يعيش فوضى أمنية بعد السجال بين المكون المدني والعسكري شهوراً، وكذلك في أثيوبيا التي تشهد حرباً أهلية مع تراجع حدتها يتوقع أن تخلف ظروفاً أمنية هشة تساعد المتطرفين في تلمس الثغرات.
وتشير "عدسة الإرهاب في أفريقيا" التي تصدر بياناتها مؤسسة "ماعت" المصرية، إلى أن الشهور الأولى وحدها من السنة الماضية كانت حصيلتها دامية، وخلفت أكثر من 5 آلاف قتيل، إذ جاء غرب أفريقيا أكثر الأقاليم تضرراً، وليست هناك أي بوادر تحسن مع نهاية العام الماضي وبداية الجديد، خصوصاً في دول مثل نيجيريا ومالي وبوركينافاسو، وإعلان قوات "برخان" الفرنسية انسحابها.
بين الطي والتغاضي
لكل ذلك جدد مجلس الأمن الدولي أخيراً بالإجماع لمدة أربع سنوات تفويض لجنته لمكافحة الإرهاب، الهيئة التي تم إنشاؤها في نهاية 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول).
وقال المجلس في بيان له نهاية العام الماضي إنه "قرر في اجتماع افتراضي أن تحتفظ الإدارة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب بوضعها كمهمة سياسية خاصة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2025".
وقالت المديرة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب ميشال كونينسكس، إن القرار "اليوم لا يزال ذا صلة تماماً كما كان في يوم اعتماده"، إذ إن "التهديد الإرهابي مستمر ويسعى "إلى البقاء والتطور".
وكان مجلس الأمن اعتمد قبل 20 عاماً القرار (1373) وهو قرار تاريخي حدد ولاية واسعة للمجتمع الدولي لمكافحة الإرهاب، وأنشأ لجنة مكافحة الإرهاب لرصد تنفيذ الدول لأحكامها.
وقالت كونينسكس، "لقد تطورت الاتجاهات، وأحدها أننا نرى مزيداً من استخدام التقنيات الجديدة لأغراض إرهابية".
وأشارت إلى أنه منذ 20 عاماً "لم يكن نملك هواتف محمولة واتصالاً بشبكات التواصل الاجتماعي، والآن أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا". وأضافت أنه "بسبب كوفيد-19 نسير أكثر باتجاه مكاتبنا المنزلية، ونعتمد بشكل أكبر على إمكانات الإنترنت، وأن الجماعات التابعة لتنظيم داعش والقاعدة آخذة في التوسع وأصبحت تشكل تهديداً حقيقياً يجب احتواؤه".
واعتبرت أن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي توحيد الجهود للتأكد من أننا "نوجه قوتنا ونركزها في ما يتعلق بالفجوات المحددة وأوجه الهشاشة والأخطار، وأننا نتأكد من توجيه المساعدة الفنية وبناء القدرات إلى تلك الجوانب في أقل وقت ممكن".
مصالحة "العلا" والدعاية المتطرفة
لكن من الناحية العملية يرى كثيرون أن انسحاب واشنطن من أفغانستان يعني رمزياً انتهاء زخم "الحرب على الإرهاب" على الرغم من وجوده واقعاً في بلدان عدة، بل إن "داعش" نفسه بدأ يطل برأسه في نقاط وجوده الأولى بين سوريا والعراق قبل أن يجف حبر الاحتفال بهزيمته، لكن أميركا تدافع بأنها قادرة على التعامل مع أي تهديد إرهابي يحدث في المنطقة، حتى وإن سحبت قواتها من أفغانستان.
وعلى مستوى الدعاية المتطرفة، كان اتفاق العلا العام الماضي الذي مهد لإصلاح علاقات إقليمية متشعبة، دفع في نهاية المطاف دولة مثل تركيا إلى التخلي عن عناصر وقنوات جماعة الإخوان المسلمين التي تستضيفها وتوفر لها الدعم اللوجستي الذي تحتاجه، طبقاً لمطالبة مصر ودول خليجية.
ولا يعرف ما إذا كان إعلام الدعاية المنسجمة مع التطرف سيهاجر إلى مناطق أخرى أو يدخل مرحلة ركود، ولكن الأكيد أنه سيبحث عن رئة جديدة كان بعضهم يتهم "الجزيرة" ومنصات قطرية أخرى وتركية بتوفيرها، إلا أن الدوحة تنفي ذلك، فيما يعتقد على نطاق واسع أن اليسار الليبرالي لا يزال يوفر ملاذاً آمناً للتيارات الإسلاموية التي تتجه مآلات أكثر خطاباتها إلى التطرف والعنف، مما أقنع دولاً مثل فرنسا إلى التشديد في الرقابة على نشاطات المؤسسات المحسوبة على التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وفي الوقت الحالي وعلى الرغم من أن العمليات تحدث في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، إلا أن الملاذات والدعم المالي وجزء كبير من التجنيد في نظر المراقبين يأتي من الغرب التائه حتى الآن في كيفية التمييز بين ما هو حقوقي وإرهابي.