Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لندن تشهد السنة الأكثر دموية في جرائم قتل المراهقين

مخاوف من انفلات الوضع مع عنف هو الأشد منذ ما يزيد على العقد

تميم إيان هابيمانا (صورة علوية) ودركون باترسون (يسار الصورة) وجيرمن كول ليسوا سوى جزء من ضحايا هذه السنة (غيتي)

الزمان هو بعد ظهر الأربعاء، والمكان هو مقر "شرطة لندن الميتروبوليتية"Met Police ، حيث يتهيأ عناصر فريق مكلف معالجة جرائم العنف في ضاحية "كرويدن"، للتوجه في دورية. وقد برز على الفور حجم التحدي. فقبل لحظات من خروجهم إلى الشوارع برفقة مراسل "اندبندنت"، تبلغ أفراد الفريق أن رجلاً يبلغ من العمر 25 عاماً تعرض للطعن سبع مرات في ملعب للأطفال، في وضح النهار.

وقد اكتسبت هذه المساحة الترفيهية التي يفد الأطفال الصغار إليها عادةً بعد المدرسة للعب، أكثر فأكثر صفة مسرح "وباء العنف الذي يعصف بلندن"، بعدما جرت تغطيتها بشريط قوى الأمن، فيما كان الإسعاف الجوي يعمل على نقل الضحية إلى قسم الطوارئ.

واستطراداً، من المستطاع الإشارة إلى أن لندن شهدت السنة الأكثر دموية من حيث جرائم قتل المراهقين منذ أن بدأ تدوين السجلات، إذ قتل فتى يبلغ من العمر 15 عاماً طعناً في حديقة "آشبورتون بارك" العامة في "كرويدن" في 30 ديسمبر (كانون الأول)، ليصبح الضحية 29 هذه السنة. وبلغت هذه الخسائر البشرية المأساوية، المستوى الأعلى المسجل منذ 2008، في وقت حذر فيه خبراء أمنيون يعملون على خط المواجهة مع هذه الآفة، من أن الوضع سيزداد سوءاً، إذا لم يحدث تغيير جذري.

ولإعطاء صورة عما يجري، تقع حوادث استخدام سكاكين ثلاث مرات على الأقل في الأسبوع، علماً أن الشرطة تصر على أن هذا الرقم يمكن أن يكون أعلى بكثير لولا جهودها الاستباقية في مواجهة المشاكل. وتشمل تلك الجهود محاولات منع أعمال العنف بين العصابات المتمركزة في مناطق تابعة لمجلس "نيو أدينغتون" المحلي، تقع على بعد دقائق معدودة من المكان.

غير أن ثمة تحديات على غرار عدم الثقة وبعض السلوكيات العدائية تجاه الشرطة من جانب عدد من أفراد المجتمع، برزت للعيان أثناء دوريات الوحدات في الشارع الرئيس ضمن "نيو أدينغتون". فعندما شوهدت سيارة تابعة للشرطة غير موسومة بشارتها، سارع شبان على الفور إلى إخلاء المنطقة، مبدين عدم رغبتهم في التعاطي مع الشرطة على أي مستوى. ولدى إيقاف سيارة يحتمل أن تكون لها علاقة بالجريمة، كان الإحباط والغضب واضحين على الشباب الثلاثة فيها، جميعهم من السود، وقد أعربوا عن سخطهم بسبب تعرضهم للتفتيش، ولم يكونوا قادرين على معرفة الأسباب الكامنة وراء ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفيما لم يعثر على مخدرات أو أسلحة خلال عملية البحث، على الرغم من انتقاد بعض الخبراء لهذا الأسلوب المثير للجدل، فإن عناصر الوحدة أكدوا أهمية ما يفعلونه لجهة التزامهم إخراج الأسلحة الخطيرة من الشارع. أما أطول صفارات الإنذار التي سجلناها في فترة المساء، فشملت تسابقاً عبر المنطقة بحثاً عن سكين محتملة، بعدما اتصل مدير مدرسة محذراً من أن تلميذاً سابقاً عنيفاً، كان يضايق الطلاب خارج المدرسة. وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى منطقة "ساوث كرويدن"، على بعد نحو 20 دقيقة، كان ذلك الشخص قد توارى عن الأنظار ولم يعد ممكناً رؤيته في أي مكان.

وقد تعرض الفتى تميم البالغ من العمر 15 عاماً، ابن هاوا هراغاكيزام، للطعن حتى الموت في ضاحية "ووليتش" جنوب لندن الصيف الماضي، وهو في طريق العودة من المدرسة. والدته السيدة هراغاكيزام طرحت من خلال "اندبندنت" الأسئلة الآتية، "ماذا تفعل الحكومة، ماذا يفعل الناس، هل سنعمل على تطبيع هذا السلوك المتوحش؟". وأضافت أن أصدقاء تميم باتوا في حاجة لاستشارة نفسية منذ وفاته. وتوضح أنها تلتقي أصدقاءه من المدرسة، كلما أمكن لها ذلك، من أجل الحفاظ على سلامتهم.

وتضيف، "إنني فخورة للغاية به، فقد كانت لديه طموحات، وكان يحب أصدقاءه ويحبني. أشعر بأن علينا أن نفعل شيئاً. إنه لمن المؤلم أن نرى الأهالي يعانون من ذلك، فالناس يعيشون في حال خوف ولا يعرفون ماذا يفعلون".

وفي المقابل، تعرض الشاب دريكون، البالغ من العمر 16 عاماً، وهو ابن شون باترسون، للطعن حتى الموت في منطقة "برينت"، في وقت سابق من هذه السنة، تحديداً في فبراير (شباط). وقد نقل والده إلى "اندبندنت"، أن "الشوارع لم تعد آمنة للشباب، فمع وقوع هذا الكم من أعمال القتل، لا تبدو الأوضاع سليمة. وعند حدوث جريمة قتل لا أراها في عناوين الأخبار، ولا يأتي بوريس (جونسون) لوضع حد لما يجري والتحدث إلينا، كأن ذلك شيء مسموح به. أنا لا ألوم النظام المعمول به، لكن الخطة الحكومية لا تحقق نتائج في هذا الصدد. فقد توفي 28 شخصاً هذه السنة، ولم يفعل أي شيء حتى الآن".

في ذلك الصدد، نقلت ساره جونز وزيرة الشرطة في حكومة الظل العمالية، إلى "اندبندنت"، أن الحكومة "أخطأت في التعامل" مع قضايا الجرائم وعنف الشباب بشكل ملائم على مدى العقد الماضي من الزمن، بينما أسهمت عوامل أخرى كتخفيض أعمال الشرطة وتقليص الدعم لحاجات الشباب، وتنامي سوق المخدرات، في وقوع عدد قياسي من جرائم قتل المراهقين في لندن".

وأضافت مؤسسة "المجموعة البرلمانية العابرة للأحزاب المعنية بالحد من جرائم الطعن بالسكاكين والعنف"All Party-Parliamentary Group on Knife Crime and Violence Reduction إنه "على مدار أعوام عدة، منذ عام 2018 تقريباً، كان هناك دفع كبير في اتجاه اعتماد نهج للصحة العامة، ينظر إلى العنف على أنه مرض متفش ويحاول وضع تدابير فاعلة للشرطة والأمن الوقائي، بهدف منعه من الانتشار".  

وأضافت جونز، أن "ما فعلته الحكومة رداً على تلك الدعوات تمثل في القول، إن لديها نهجاً للصحة العامة في استراتيجيتها الجدية لمواجهة العنف، لكنها فعلت ذلك بطريقة مجزأة".

واستطردت جونز، وهي نائبة في البرلمان عن دائرة "كرويدن سنتر"، مشيرة إلى أسفها بسبب قصر نظر الحكومة في التعاطي مع العوامل الرئيسة المسببة لهذا الوضع، كالإقصاء من المدارس، وحذرت من أن عنف الشباب لن يُهزم ما لم تخصص موارد كافية لوسائل الوقاية والشرطة على حد سواء.

وعلى نحو مماثل، كرر دانكن بيو المستشار الطبي في جراحة الصدمات النفسية وعضو لجنة مكافحة العنف بين الشباب، دعوة السيدة جونز إلى اتباع نهج للصحة العامة في التعامل مع عنف الشباب. وفي هذا الإطار، أشار إلى أن "الاتجاه السائد يتمثل في اعتماد حلول تمويلية لعواقب العنف بدلاً من معالجة أسباب المشكلة، وفي التركيز على الإجراءات العقابية بدلاً من سبل الوقاية".

ورأى دانكن، أنه "يتوجب وجود تصورات واقعية. ثمة احتياجات كبيرة لم تلب في إطار إجراءات دعم الشباب. إننا نبذل قصارى جهدنا للتعامل مع العواقب، لكننا في حاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية، وإلا فإننا سنكون دائماً في وضع من يعمل على مكافحة الحرائق [بمعنى معالجة المشكلة بعد ظهورها بدل التعامل مع جذورها وأسبابها]".

في سياق مماثل، نبه بن ليندسي الرئيس التنفيذي لحركة "باور ذا فايت" Power the Fight الخيرية، إلى المخاطر التي قد يتعرض لها الشباب من الفقر والصدمات التي لا تشخص، مركزاً على أن عنف الشباب اليوم يتأتى كنتيجة 15 عاماً من التخفيضات الحكومية في خدمات الشباب والشرطة. ورأى أن الوباء أوجد "العاصفة الكاملة" في ممارسة العنف.

وأضاف ليندسي، "اسأل أي ممارس لهذا المجال يعمل منذ 2010، فسيخبرك أن المسار الذي نتحرك في إطاره لن يمكننا من التحكم في هذا الوضع، لأن الشباب لم يحصلوا على الدعم اللازم، ولم تقدم لهم النماذج التي يحتذى بها، فيما الموارد التي كانت تمتلكها هذه المؤسسات الخيرية قد تبخرت".

وفي حديث إلى "اندبندنت"، أوضح القائد في شرطة العاصمة البريطانية أليكس موراي، الذي يتولى ملف جرائم العنف، أنه على الرغم من انخفاض عدد جرائم الطعن بالسكاكين والأسلحة النارية في 2021، فإنه يتعين بذل مزيد من الجهود بهدف بناء الثقة داخل المجتمعات الأكثر تضرراً من الجريمة، مشيراً كذلك إلى عوامل أخرى أسهمت في إذكاء العنف، كتخفيض مهام الشرطة، ودور وسائل التواصل الاجتماعي، وتنامي سوق المخدرات، وتزايد الفقر.

واعتبر موراي أن "التخفيضات لا تزال تمثل مشكلة. فليس هناك ما يكفي من المال للدوريات، وقد دخلنا في فترات ركود إضافة إلى وباء كوفيد، وبات على الجميع أن يتخذ الخيارات. نعم، سيكون أمراً رائعاً أن تكون هناك إجراءات شاملة تلبي احتياجات الشباب في كل مكان، لكن أموال السلطات المحلية محدودة".

وخلص موراي إلى أن "ثقة شباب المجتمعات السوداء في الشرطة تتجه إلى تسجيل معدل أقل من المتوسط، ما يعني أن الجهة التي يتعين أن تحظى بمقدار أعلى من الثقة تعاني من الهشاشة والريبة. إننا بحاجة إلى تخصيص مزيد من الوقت لبناء علاقات مع الأسر والجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية، كي نثبت حسن نياتنا ودوافعنا".

© The Independent

المزيد من تقارير