Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سعد البازعي يقدم الحداثة الغربية الشاملة في 60 نصاً

كتاب موسوعي يقارب الأعمال الرائدة في حقول الفلسفة والأدب والفن

الحداثة كما ينظر إليها بول كلي (صفحة الرسام على فيسبوك)

 في كتابه الجديد الموسوعي الطابع، "معالم الحداثة" الصادر عن دار روايات (2022)، يواصل الكاتب والناقد السعودي سعد البازعي (1953) مسيرته البحثية المتكاملة مع مكانته الأكاديمية الفريدة التي تجلت خلال العقود الماضية.

ولما كان الكاتب والأكاديمي البازعي قد أدرك الحاجة إلى تتبع مراحل تكوين الحداثة الغربية ومدى انعكاسها على سائر الحداثات في زمننا الحاضر، لا سيما الحداثة لدى العرب، رأى لزاماً عليه لكونه ناقداً وأكاديمياً، السير على خطى سابقين، وأخصهم ريتشارد إيلمان وتشارلز فيدلسون، في تتبع نصوص رائدة لكتاب وفلاسفة وأدباء كانت لهم إسهاماتهم في رسم مسار الحداثة الغربية، كما بلغتها أواسط الستينيات من القرن العشرين (1965).

وحين لم ير ما يوازيه في اللغة العربية وما يدل على تكون مسار الحداثة المنشود من خلال النصوص العائدة إلى المفكرين المحدثين، عزم على القيام بهذه المهمة بدءاً بالقرن الـ 17، أي منذ عصر التنوير المختلف في منبته (النظر في: جوناثان إزرايل)، وصولاً إلى العصر الحديث والقرن الـ 21، مروراً بالـ 18 والـ 19 والـ 20، تعريفاً بأهم صناع الحداثة باعتبارها "التحول الذي شمل مناحي الحياة كافة، ومنها الدين والفلسفة والقوانين والعلوم والآداب والفنون" (ص:15)

إسهامات شاملة

بيد أن مهمة اختيار النصوص الدالة دلالة دامغة على الحداثة، وإسهامات الفلاسفة والمفكرين والأدباء والفنانين والنقاد فيها، ما كانت لتتحقق لولا اتباعه خمسة معايير لانتخاب أي نص تركه هؤلاء، وهي أهمية النص وأهمية كاتبه، واشتمال النص المنتخب على مجالات متعددة من النشاط الفكري، ومراعاة النص والحدود الزمانية والمكانية لمعالم الحداثة، وأن يكون ذا صلة واضحة بالحضارة العربية والإسلامية، ويكون قصره النسبي ملائماً لإدراجه في المنتخبات.

وعلى هذا النحو ومن أجل أن "يكوّن القارئ العربي رؤية شمولية عن تشكل الحداثة وتحولها وتفرعها في الحضارة الغربية" (ص:24)، عمل الكاتب البازعي على ترتيب منتخباته وتقسيمها خمسة أقسام يدل عليها فهرس المحتويات، يتقدمها قسم الفلسفة وعلم النفس، أول أعلامهما ديكارت وروسو وشليغل وشوبنهاور وكيركغارد، وانتهاء بسارتر. ويليه قسم الدين، ويُعنى فيه أيضاً بدرس الطبيعة والأسطورة والأخلاق، أما القسم الثالث فقد عني بالثقافة والتاريخ الثقافي، في حين خص الكاتب القسم الرابع بدرس الفن والجمال والأدب واللغة، والقسم الخامس والأخير اهتم فيه الكاتب البازعي بدرس الواقع والسياسة والاجتماع.

ولئن بدا نافلاً إيراد أسماء المفكرين والفلاسفة والأدباء النقاد واللاهوتيين، وقد بلغوا 49، فإنه قد يكفي القارئ شأني ذكر العديد منهم بل أكثر من نصفهم في متن العرض، طمعاً في نقل صورة وافية عن المجهود الكبير الذي بذله الكاتب لتقصي أعمال هؤلاء جميعاً، وتصنيف مجمل إسهاماتهم في الحداثة، وانتخاب نصوص دالة على كشوفاتهم، ومن ثم العمل على ترجمة هذه النصوص إلى العربية بأسلوب ميسر وقريب المتناول، وبمعجم وتراكيب ومصطلحات متداولة في غالبيتها العظمى.

ولكن قبل أن أعرض بإيجاز تام كلاً من مضامين الأقسام، تاركاً جهد متابعتها للقراء العرب، تجدر الإشارة إلى دور المصنفات والموسوعات الفكرية والأدبية في تعليم الناشئة وتكوين معارفهم الأدبية والعلمية والفلسفية، وتوسيع آفاقهم الروحية والفلسفية والفنية، وحثهم على الانتقال من حيز التلقي والتقليد إلى حيز التفكر في الذات والآخر والعالم، وتحفيزها بطريقة غير مباشرة على الإبداع والتجديد، وكل ذلك بلغة أقل ما يقال فيها إنها ميسرة وبعيدة عن التقعر، وعلى السجل اللغوي الوسط حيث يلتقي المتخصص بالمتدرب وبغير المتخصص.

أسماء ومنتخبات

وبالعودة للطريقة التي اعتمدها الكاتب سعد البازعي، فهي تقتصر على أمرين متتابعيْن، أولاً يعرف بالكاتب أو الفيلسوف أو الأديب الذي كان أدرجه ضمن خانة معينة (من خمس)، ومن ثم يبسط للقراء النص المنتخب العائد لذلك المعرف به مترجماً إلى العربية، تأكيداً للعنوان ومضمونه، فعلى سبيل المثال لما كان عنوان القسم الأول الآتي (الوجود والوعي واللاوعي)، عمد الكاتب إلى توسعته بالكلام على كل من قدم أفكاراً تنويرية أو تقدمية للحداثة، من حيث مناهج التفكير والتعبير الدالة على لزوم إدراك الإنسان ذاته وتفعيل قدراته العقلية، والنفاذ من الشك إلى اليقين الثابت، من مثل الفيلسوف ديكارت والأديب جان جاك روسو والفلاسفة شليغل وشوبنهاور وكيركغارد ونيتشه وفرويد وهايدغر وأندريه جيد وسارتر.

وقد لا يحتاج الناقد، ولا المتتبع شؤون الأدب  العربي، إلى تفحص أدبيات النقد العربي الحديث والمعاصر، لكي يتثبت من أثر كل من هؤلاء الوارد ذكرهم أعلاه، في سلوك الشعراء والأدباء العرب، وقد تكفي النظرة إلى مقدمات دواوين الشعراء والمجلات الشعرية الصادرة أواخر القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، من مثل مجلة السائح للرابطة القلمية ومجلة أبولو لمؤسسها أحمد زكي أبو شادي ومجلة شعر لمؤسسها يوسف الخال، ويتفحص ترجمات النقد الغربي إلى العربية، مشفوعة بترجمات لكبار الشعراء الأجانب الممثلين للتيارات الفكرية والفلسفية، ليدرك شمول تأثير هؤلاء العميق في الأدب العربي وفي ترسيخ خطواته نحو الحداثة، موضوع الكتاب، فكيف بالدراسات المقارنة التي تبين التأثر العميق بمفكر من هؤلاء وبفنان وفيلسوف، كما هي حال مقارنة نتاج جبران خليل جبران بما لدى الشاعر والرسام بايكون والفيلسوف الأديب نيتشه وغيرهما؟

الأسئلة الكبرى

وعلى المنهج ذاته يمضي الكاتب في القسم الثاني من كتابه الذي خصه بدرس الدين والطبيعة والأسطورة والأخلاق، وقد اختار تفصيل كلامه على كل من سبينوزا الذي لا يخفى تأثيره الطاغي على الفكر الفلسفي وتحريره من أولية اللاهوت على الناسوت، وداروين ونظرياته التطورية، ويونغ وكاسيرر وت. س. إليوت، الذي لا تخفى آثاره الحاسمة على حركة الحداثة الشعرية العربية، سواء من خلال عشرات الترجمات لقصيدته الطويلة "أرض اليباب" إلى العربية، (عبد الواحد لؤلؤة، توفيق صايغ، نبيل راغب، محمد بدوي، وغيرهم) أو من خلال استلهام شعراء عرب كثيرين لقصيدته من أجل صوغ قصائدهم بناء على الخراب المستفحل في بلدانهم العربية بوجهيه الروحي والمادي.

وهكذا مضى الكاتب في بسط ترجمات المفكرين والفلاسفة في القسم الثالث من كتابه بعنوان الثقافة والتاريخ، ومن هؤلاء فيكو وهيغل وهوركهايمر وبوبر وفنغشتاين وأدورنو، وإيراد مختارات لكل منهم دالة على توجههم الحداثوي وتأثر العرب، أدباء وقراء، بما أضافوه إلى تراث الحداثة على حد ما يقول المؤلف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما القسم الرابع الذي خصه المؤلف بالفن والجمال والأدب واللغة، وأهم أركانه غوته ووردذروث وكولردج وفاغنر وريلكه وييتس وبيكاسو ومالرو، فتكفي الإحالة إلى الدراسات المقارنة بين التراث الشعري العربي الحديث وبين أعمال هؤلاء، لتبين الآثار الدامغة لكل من هؤلاء فيه، على الرغم من التفاوت بين فاعل حداثي وآخر، أو تكفينا الإحالة إلى الترجمات العربية لأعمال كل من هؤلاء، قام بها أكثر من شاعر أو مفكر أو باحث عربي لاكتساب المعارف أو المواقف أو أساليب الكلام الشعري.

في حين أن القسم الخامس والأخير، وكان بعنوان "الواقع والسياسة والاجتماع"، يعالج الأثر الحاسم، لا على صوغ النص الأدبي نثراً وشعراً صوغاً حداثياً وحسب، بل على صوغ المواقف من الحاكم والانتماء إلى الجماعات، ومن الحرية الشخصية إزاء الضغوط المختلفة التي تعانيها ذات المثقف والمواطن المتحرر من كل القيود، أو هكذا يُظن.

وموجز الكلام في تجربة الكاتب والأكاديمي السعودي سعد البازعي من خلال موسوعته "معالم الحداثة"، أنها استمرار فاعل لمسيرة دوائر المعارف والموسوعات العلمية والفلسفية والأدبية العربية، وأنها بشير باستعادة الحداثة والمعاصرة مجراهما على أيدي الناشئة العربية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة