أثار فشل الحلم الانتخابي في ليبيا كثيراً من التساؤلات في الشارع المحلي والوسط السياسي حول الأسباب التي قادت إلى هذا الإخفاق المؤلم، الذي أبقى مستقبل البلاد في دائرة الخطر، بينها أسئلة كثيرة مرتبطة بخريطة الطريق الأممية، التي كان هدفها المركزي الوصول إلى صناديق الاقتراع.
الجدل الذي خلفه تعثر العملية السياسية والانتخابات العامة جعل كثيرين يتساءلون عن جدوى الخطة الأممية لإنقاذ ليبيا، والعبور بها من المرحلة الانتقالية إلى الاستقرار السياسي والأمني، واقترح البعض البحث عن بدائل واقعية للخطة الدولية الحالمة، التي تتطلب ظروفاً ومعطيات غير متوافرة على الساحة الليبية.
وليامز تخيب الآمال
كان الشارع الليبي قد استبشر خيراً بعودة المبعوثة الأممية في ليبيا الأميركية ستيفاني وليامز إلى منصبها، قبل أسابيع من موعد الانتخابات العامة، التي كانت مهددة وقتها بكثير من العوائق والخلافات، وهي التي لعبت دور المهندسة للاتفاق السياسي والأمني الليبي، اللذين قادا إلى اتفاق على خريطة طريق تنتهي بالاحتكام إلى صناديق الانتخاب.
لكن، هذا التفاؤل سرعان ما تبدد بعد تأكد تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، حتى الآن، وفشل كل الجهود التي بذلتها وليامز لإنقاذ الاستحقاق الانتخابي.
وتواصلت الخيبات من عودة المرأة التي اعتاد الليبيون وصفها بـ"الحديدية"، بعد أن نجحت في إقناع الأطراف المتناحرة منذ سنوات بالتوقيع على اتفاقات مهمة في ثلاثة مسارات، سياسية وعسكرية، واقتصادية، عقب إعلانها أكثر من مرة أن بعثتها لا يمكن أن تفعل شيئاً حيال الانسداد السياسي الذي يخيم حالياً على المشهد.
وفوجئ الجميع في ليبيا بهذا التغيير الذي عادت به ستيفاني إلى ممارسة مهامها وتخليها عن صرامتها المعهودة، وتصريحها أكثر من مرة أن دور البعثة الأممية حالياً استشاري ليس إلا في سياق العملية السياسية، وأنها أوصلت الكرة إلى ملعب البرلمان والمفوضية، وعليهما معاً أن يجدا طريقة لتحقيق الهدف.
أسباب غامضة
ويرى الباحث والأكاديمي الليبي فرج الجارح أن "البعثة الأممية، ومن خلفها المجتمع الدولي، كان من الممكن أن يلعبا دوراً ضاغطاً على الأطراف الليبية في وقت مبكر، لدفعها إلى تنفيذ اتفاقاتها وتعهداتها إنجاح العملية الانتخابية، لكن شيئاً من هذا لم يحدث لأسباب غامضة".
وأضاف الجارح، "حتى عندما تعقد الموقف الانتخابي، وكان واضحاً توجهه لطريق مسدود، تفاءل الجميع بأن عودة ستيفاني وليامز ستنقلب الطاولة، وتنقذ الانتخابات، وتوقعنا أن تعيد الأمور إلى نصابها باستخدام عصا العقوبات الدولية والتلويح بها، وهو الأسلوب الذي لعب دوراً محورياً في نجاحها في التوصل إلى اتفاق جنيف، بشقيه السياسي والعسكري".
وتابع، "بشكل غريب وغير متوقع اتضح أن عصا وليامز السحرية كسرت، ولم تحاول حتى استخدامها، على الرغم وضوح الرؤية حول المعرقلين لتنفيذ الاتفاق السياسي والعملية الانتخابية".
دوامة اللا حل
من جانبه، يتساءل الصحافي الليبي محمد عرابي، "ماذا جنت ليبيا من الرعاية الدولية للحوار الليبي - الليبي طيلة السنوات السبع الماضية؟ سوى تدوير الأزمة وإبقائها في مربع اللا حل، والقفز بها من مغامرة إلى أخرى، ومن حوار إلى ثانٍ دون نتيجة تُذكر".
ويشير عرابي إلى أنه "حتى الإنجاز الأبرز الذي يمكن أن يحسب للبعثة، وهو التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف عام 2020، لا يمكن نسبه إليها بالكامل، فقد لعبت التوازنات الإقليمية، ممثلةً في مصر وتركيا، دوراً مهماً في فرض حالة من الجمود العسكري في سرت، كان لا بد معها من الجلوس للتفاوض، وإلقاء السلاح، الذي كان من الواضح أنه لن يحسم المعركة".
ويرى عرابي أن "جرداً بسيطاً لما حققته البعثة الأممية لليبيا في السنوات الأخيرة يدعم نظرية المؤامرة التي يعتنقها البعض، بخصوص دور هذه البعثة في ليبيا والغرض من إنشائها وتكليفها بحل أزمة البلاد، لأنها في الحقيقة أدخلتها إلى دائرة مفرغة، تبدأ من حيث تنتهي في كل مرة، بلا حل نهائي".
ورأى أمين اللجنة التنفيذية للحركة الوطنية الشعبية الليبية، مصطفى الزائدي، أن "من أسباب فشل البعثة الأممية إلى ليبيا هو اعتمادها على موظفين صغار من بعض الدول لديهم أجندات خاصة في ليبيا، ومستشارين ليبيين نجحوا في تمرير مواقفهم الخاصة وأجنداتهم، ولعل الاتفاقات العبثية وما نتج عنها، يعكس حقيقة دور المستشارين الليبيين في صياغة اتفاقات غير قابلة للتطبيق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماذا حققت البعثة؟
وكثير ما يطرح الليبيون التساؤل التالي، ماذا حققت بعثة الأمم المتحدة من إنجازات في ليبيا بعد عقد على إنشائها في عام 2011؟
لم يبرز دور البعثة في ليبيا إلا بعد سنوات من تكليفها بالعبور البلاد من المرحلة الانتقالية إلى الاستقرار السياسي، عقب الانقسام الذي بدأ بعد انتخابات مجلس النواب عام 2014، عندما تولت ملف الأزمة، وأدارت الحوار بين أطرافها، بداية من حوار الصخيرات المغربية عام 2015.
في السنوات اللاحقة، توالت الأسماء، التي جاءت لإدارة البعثة دون نجاح يذكر في إنهاء الصراع، قبل أن يتغير كل شيء مع تكليف المبعوثة الحالية الأميركية ستيفاني وليامز بالمنصب لفترة مؤقتة، عقب استقالة اللبناني غسان سلامة في مارس (آذار) 2020، نجحت خلالها في الإشراف على توقيع اتفاق شامل بين الأفرقاء الليبيين، بعد حوار في مسارات ثلاثة، سياسي واقتصادي وعسكري.
وعلى الرغم مرور أكثر من عام كامل على توقيع الاتفاق، فإن أغلب ما تم التعهد به في المسارات الثلاثة لم ينفذ، فما زال الانقسام يخيم على المشهد السياسي، ولم يفِ المسار العسكري بوعوده في إخراج القوات الأجنبية من ليبيا وتوحيد الجيش، وبقي توحيد المؤسسات الاقتصادية، على رأسها المصرف المركزي، حبراً على ورق.
الخيبة الكبرى
ومثل الفشل في التوجه إلى الانتخابات العامة في 24 ديسمبر (كانون الأول) ضربة كبرى للجهود الأممية لحل النزاع الليبي المعقد، والسبب المباشر في تداول مقترحات بتجاهل خريطة الطريق التي أشرفت عليها البعثة الدولية، والبحث عن مخرج جديد من المأزق الذي دخلته ليبيا بعد التعثر الانتخابي.
واعتبر الصحافي الليبي هشام بن صريتي، أن "فشل الخطة الأممية للذهاب بليبيا إلى انتخابات برلمانية ورئاسية كان نتيجة طبيعية للقفز على المراحل، ووضع العربة أمام الحصان".
وأوضح بن صريتي، أن "محاولة الذهاب إلى الانتخابات قبل تهيئة الأرضية الملائمة لها كان مستحيلاً، بداية بتحقيق مصالحة وطنية حقيقية تنهي الخلافات من جذورها وتضمن القبول بنتائج العملية الانتخابية، ووضع قواعد قانونية منطقية لها ومتوافق عليها، وقبل كل ذلك حل المشكل الأمني وتوحيد المؤسسة العسكرية".
وأشار إلى أن "عدم حسم هذه القضايا المرتبطة مباشرة بنجاح الانتخابات قاد إلى هذا الفشل، الذي ستكون لها عواقب كثيرة سياسية وأمنية". واقترح أن "يمسك الليبيون بأنفسهم بملف أزمتهم، كما فعل الأجداد زمن الاستقلال، الذي جرى في ظروف أصعب مما نحن فيه، بعد أن حصدنا الخيبة تلو الخيبة من حوارات البعثة الدولية وخططها وخرائط الطريق التي تصل بنا في كل مرة إلى نفق مسدود".