تتجه الحكومة المصرية إلى إعادة هيكلة منظومة الدعم المقدم للمواطنين خلال الأشهر المقبلة، وذلك بعد عدد من التصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، انتقد خلالها المنظومة وأشار إلى حجم الإنفاق الكبير عليها.
وأعلن وزير التموين والتجارة الخارجية المصري علي المصيلحي تشكيل لجنة لـ "درس إعادة هيكلة الدعم"، بهدف "إدارته بالشكل المناسب"، وفق تصريحات صحافية، وصف خلالها الوزير المنظومة الحالية بـ "الظالمة" لبعض الفئات، متعهداً أن "تجري الهيكلة خلال 2022".
وأوضح المصيلحي أن اللجنة الحكومية تضم ممثلين عن وزارتي التموين والتضامن الاجتماعي، إلى جانب عدد من الهيئات الأخرى، مشيراً إلى أن مهمة وزارة التموين ستكون استكمال بيانات المستفيدين من دعم السلع التموينية ومدى أحقيتهم في الدعم.
وتعهد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي بتقديم تصور بشأن الدعم قبل تقديم موازنة 2022 - 2023 إلى مجلس النواب في مارس (آذار) المقبل، وذلك خلال مؤتمر صحافي بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وكان الرئيس المصري أعلن قبل أيام وقف إصدار بطاقات تموينية للمقبلين على الزواج أو المتزوجين حديثاً، وعدم زيادة المستحقين في "بطاقات التموين القديمة" لأكثر من فردين، مشيراً خلال افتتاح بعض المشاريع التنموية إلى أن "ثقافة المواطن يجب أن تتغير".
ما البطاقات التموينية؟
ويحق لحامل "بطاقة التموين" الحصول على سلع غذائية بأسعار مخفضة عن السوق، نتيجة الدعم الذي تقدمه الدولة المصرية للمواطنين، ويحصل كل فرد مقيد بالبطاقة على ما قيمته 50 جنيهاً (3.18 دولار أميركي) شهرياً، تمكنه من الاختيار بين 27 سلعة تموينية معروضة داخل محال مخصصة لذلك، ويبدأ صرفها في الأول من كل شهر ويستمر إلى نهاية الشهر نفسه. ويصل عدد المنتفعين من بطاقة التموين في مصر إلى 64 مليون مواطن.
ويبلغ إجمالي ما تخصصه الدولة لدعم السلع التموينية نحو 89.5 مليار جنيه (5.6 مليار دولار) في موازنة السنة المالية الحالية 2021 - 2022، من إجمالي 321 مليار جنيه (20.4 مليار دولار)، وهي مخصصات للحماية الاجتماعية للمواطنين، ومنها دعم نقدي يتمثل في معاشات وبرنامج "تكافل وكرامة" بـ 19 مليار جنيه (1.2 مليار دولار)، تستفيد منها أكثر من 3.6 مليون أسرة مصرية، إلى جانب سبعة مليارات جنيه (445 مليون دولار) لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، بحسب بيانات رسمية لمجلس الوزراء المصري.
ولم يكن حديث الرئيس المصري عن منظومة التموين الأول، إذ سبق وأشار إليها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مؤكداً أهمية تطوير المنظومة للتأكد من وصول الدعم إلى المستحقين.
واعتاد قطاع كبير من المصريين الحصول على الدعم طوال عشرات السنين، إذ بلغ نظام الدعم أوجه في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، وحاول خلفه أنور السادات خفضه لكنه قوبل بتظاهرات شعبية عام 1977، بينما حافظ الرئيس الأسبق حسني مبارك على آلية الدعم خلال العقود الثلاثة التي قاد فيها مصر، وإن تعرضت السلع التموينية في عهده لانتقادات عدة.
وعلى صعيد البرلمان أيد رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب فخري الفقي توجهات الدولة في ملف البطاقات التموينية، وقال في تصريحات صحافية محلية إن معدل الزيادة في السكان الذي يبلغ أقل من مليوني نسمة سنوياً، يضيف أعباء كبيرة إلى موازنة الدولة، مما يعني ارتفاعاً في أعداد المستحقين للسلع التموينية المدعمة، لافتاً إلى تقديم الدولة برامج للحماية الاجتماعية للفئات الأكثر فقراً.
دعم نقدي مشروط
وحول الصورة الأمثل لدعم السلع الغذائية، يرى المحلل الاقتصادي وائل النحاس أن محاولات الحكومة تقليص فاتورة الدعم "جزء من شروط يفرضها صندوق النقد الدولي" الذي اقترضت منه مصر 5.4 مليار دولار، وفق اتفاق وقع في يونيو (حزيران) 2020، ويبدأ سداد أقساط القرض في سبتمبر (أيلول) 2023، وفق ما قاله لـ "اندبندنت عربية".
وأبدى النحاس تعجبه من محاولات الحكومة المصرية تقليص الدعم وعدد مستحقيه، على الرغم من أن "الاتجاه لدى حكومات كثير من دول العالم هو شمول مزيد من المواطنين بالحماية الاجتماعية بسبب تداعيات كورونا".
واستبعد المحلل الاقتصادي أن تقدم الحكومة على خطوات لتنفيذ توجه خفض الدعم فعلياً، خوفاً من رد فعل "شعبي غاضب" يُحتمل أن يحدث إذا جرى رفع الدعم أو خفض عدد مستحقيه، مستشهداً بما حدث حين قرر الرئيس الأسبق السادات زيادة سعر بعض السلع الأساسية.
وأوضح النحاس أن ما تقدمه الدولة للمواطن حالياً "هو دعم نقدي مشروط"، موضحاً أنه "يُحدد لكل مقيد في بطاقات التموين 50 جنيهاً يحصل على سلع غذائية، مثل زيت الطعام والسكر وغيرها بتلك القيمة".
وأيد استمرار ذلك النهج في إيصال الدعم، رافضاً دعوات تحويله إلى الصورة النقدية، لأنه "ينضوي على أخطار عدم وصول السلع الغذائية للمستحقين الحقيقيين، فقد يتم دفع تلك النقود في مصارف أخرى غير إطعام الأسرة". داعياً إلى "تنقية قوائم المستحقين بصورة فعالة".
وأشار النحاس إلى أن السبل التي اتبعتها الحكومة لكشف غير المستحقين "غير مجدية"، ومن السهل "التحايل عليها"، مثل "تسجيل ملكية الوحدة السكنية باسم نجل مستحق الدعم وغيرها من الآليات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إعادة هيكلة
في المقابل، يرى المحاضر بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري وأستاذ الاقتصاد كريم العمدة أن "الدعم النقدي هو الأفضل لإيصال الدعم إلى مستحقيه"، مضيفاً لـ "اندبندنت عربية" أن إعادة هيكلة منظومة الدعم "مهمة في ظل القيمة الكبيرة المخصصة لها في موازنة الدولة".
وقال العمدة إن "بعض الحاصلين على السلع التموينية المدعمة من القادرين لا يستحقون"، داعياً إلى اللجوء لـ "حلول إلكترونية تربط قواعد بيانات الرواتب بقوائم الحاصلين على الدعم".
وأضاف، "حديث الدولة عن هيكلة الدعم لا يعني التخلي عن الفقير، لأنه مسؤولية أي حكومة، إنما النقاشات الجارية حالياً تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من المخصصات المالية لدعم السلع التموينية، وعدم حصول غير المستحقين".
وأرجع العمدة ما وصفه بـ "منظومة الدعم المشوهة إلى العقود الثلاثة التي تولى فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم، إذ لم يجر خلالها إصلاحاً حقيقياً للدعم"، قائلاً "من غير المنطقي استمرار سعر رغيف الخبز بقيمته نفسها في الثمانينيات من القرن الماضي".
آلية التنفيذ
وأعقب تصريحات الرئيس السيسي الأسبوع الماضي مؤتمر صحافي لوزير التموين كشف خلاله أنه "لن يتم السماح بإصدار بطاقة تموينية جديدة لمن يتزوج حديثاً".
وشدد الوزير المصري على عدم إضافة مواليد أو أبناء إلى البطاقات، موضحاً أنه سيسمح فقط بـ "استخراج بطاقات تموينية جديدة فقط من خلال وزارة التضامن الاجتماعي للمستفيدين من برامج الحماية الاجتماعية للأسر الأكثر فقراً والمرأة المعيلة، وغيرها من البرامج المخصصة لحماية الفقراء".
كما قال مساعد وزير التموين إبراهيم عشماوي في تصريحات تلفزيونية محلية، إن عدد المستفيدين حالياً "أكثر مما ينبغي"، مؤكداً "أن هناك أشخاصاً مستحقين لكن غير موجودين في المنظومة".
حذف غير المستحقين
وأشار عشماوي إلى أن قيمة الدعم كانت في السابق نحو 36 مليار جنيه (2.3 مليار دولار)، أما الآن فأصبحت 87 مليار جنيه (5.53 مليار دولار)، لافتاً إلى أن قواعد المستفيدين من دعم السلع الآن بلغت 64 مليون مواطن، وهو رقم بحاجة إلى إعادة النظر وتقويم الموقف لضبط المنظومة.
وكانت مسألة تنقية قوائم المستفيدين من بطاقات التموين محل بحث خلال السنوات الماضية لدى وزارة التموين، إذ وضعت معايير عدة تخرج من تنطبق عليه من خانة المستحقين، مثل الحصول على راتب شهري ثابت يبدأ من سبعة آلاف جنيه (445 دولاراً أميركياً)، ومن يدفع فاتورة كهرباء تبدأ من 1200 جنيه (76 دولاراً).
وأعلن وزير التموين العام الماضي أن تلك المعايير أدت إلى تنقية قائمة المستحقين وحذف 10 ملايين مواطن غير مستحق، مما وفر على الدولة خمسة مليارات جنيه (318 مليون دولار).