Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتجه الحكومة المصرية إلى رفع الدعم عن السلع والخبز؟

كلف الموازنة العامة مبالغ تتجاوز 108 مليارات دولار خلال 4 سنوات

رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي يترأس أولى جلسات مجلس الوزراء في العاصمة الإدارية الجديدة، في 23 ديسمبر الحالي (أ ف ب)

لم تكد تمر بضعة أشهر على تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول ضرورة إعادة تسعير الخبز المدعّم، حتى جاءت تصريحاته الأخيرة بشأن منظومة الدعم بشكل كامل لتعيد إلى الأذهان الملف الأكثر صعوبة في تاريخ الحكومات المصرية الذي فشلت كل الحكومات السابقة في الاقتراب منه.

وفيما ترى الحكومة المصرية، أنه حان الوقت لإعادة هيكلة الدعم، وبدأت بالفعل بهذا الملف منذ صدور قرار تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف بشكل كامل في أول نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، يرى قسم كبير من المواطنين أنه لا يجب المساس بالدعم في إطار أنه أحد الحقوق المكتسبة التي يجب أن تحافظ الحكومات على الوفاء بها. لكن الحكومة ترى أن ملف الدعم تسبب في خسائر اقتصادية عدة، فهو السبب الرئيس في ملف العجوزات الضخمة التي كانت تواجهها الميزانيات، كما أنه أحد أبواب إهدار المال العام بسبب حصول شريحة كبيرة من غير المستحقين على النصيب الأكبر في هذا الملف الذي يكلف الموازنة العامة للدولة مليارات الجنيهات.

المتزوجون الجدد

في حديثه الأخير خلال افتتاح مشروعات تنموية في صعيد مصر، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنه لا يمكن منح بطاقات تموينية مجدداً للمتزوجين حديثاً. وأضاف "لن نصدر بطاقة تموين تاني لأكثر من فردين للي فات، والجديد لا مفيش". وأوضح أن "ثقافة النمو السكاني، طفل و2 و6، دون أن تقدَّر حتصرف عليه إزاي أو تعلمه إزاي لا بد أن تتراجع".

وأوضح الرئيس المصري أن المقبلين على الزواج أو المتزوجين حديثاً الذين يرغبون في الحصول على الدعم التمويني كان عليهم عدم الإقدام على الزواج في المقام الأول لكونهم غير قادرين على تحمل المسؤوليات المالية للزواج. وقال إن هذه المشكلة تصبح أكثر وضوحاً عندما يرغب المتزوجون في إضافة المواليد إلى بطاقاتهم التموينية. وأشار إلى أن البطاقات التموينية الصادرة بالفعل يجب أن تكون لشخصين كحد أقصى، مع عدم إصدار أي بطاقات جديدة. ويُسمح في الوقت الحالي بإصدار بطاقة تموينية لكل أسرة بحد أقصى أربعة أفراد، وعادة ما يكون الزوج والزوجة وطفلان.

سبقت هذه التصريحات، تصريحات أخرى تناول فيها الرئيس المصري ملف الخبز المدعوم، حيث أكد في أغسطس (آب) الماضي، أن "الوقت حان لزيادة سعر رغيف الخبز المدعوم"، مضيفاً أنه لا يتحدث عن زيادة كبيرة في السعر، لكن عن أن "زيادة السعر باتت ضرورة".

متى بدأت قصة الدعم في مصر؟

يعود تاريخ الدعم في مصر إلى أنه خلال فترة الحرب العالمية الأولى وتحديداً في عام 1914، بدأت دول عدة بصرف دعم للشرائح التي تضررت كثيراً من تبعات وآثار الحرب. وفي هذا الوقت، قامت الحكومة المصرية نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، بمحاولة تخفيف الأعباء عن المواطنين، وتوفير الدقيق والسكر والزيت والكيروسين والشاي والمنتجات الأخرى الأساسية وبأسعار مخفضة تناسب مدخولهم مع تحملها فارق التكلفة الحقيقي، وقامت ببيعها بأقل من سعر تكلفتها للمواطنين في منافذ تابعة للدولة في مناطق مختلفة وهو ما أُطلق عليه مصطلح "الدعم".

وعقب الحرب العالمية الثانية تكرر الأمر، وارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية، واضطرت الحكومة لتخفيف الآثار التضخمية للحرب على المواطن المصري، بخاصة وأن خزانة الدولة في ذلك الوقت تحملت كثيراً لدعم الجيش الإنجليزي. وجاء إنشاء وزارة التموين والتجارة الداخلية لتحقيق هذا الهدف، وعقب ثورة يوليو (تموز) 1952 ارتفع الدعم وتضاعف بشكل كبير. وأصبح الدعم أكثر تنوعاً ويغطي مجالات وقطاعات مختلفة، حيث لم يقتصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على السلع الأساسية بل وصل إلى قطاعات التعليم الصحة والإسكان.

في عهد الرئيس أنور السادات كان التعامل مع ملف الدعم منقسماً إلى مرحلتين، الأولى هي استمراره وزيادة مخصصاته وذلك بين عامي 1970 و1977، وجاءت المرحلة الثانية وهي تقليصه وترشيده، وهي المرحلة التي انتهت بانتفاضة الخبز، التي اندلعت احتجاجاً على تقليص الدعم، وبناءً عليه تراجعت الدولة عن خططها.

ووفق تصريحات سابقة للباحث الاقتصادي محمد نجم، فإنه "في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك ارتفع الدعم إلى أكثر من مليار جنيه (0.63 مليار دولار) في الموازنة العامة للدولة، وذلك لأول مرة في بداية الثمانينيات، واستمر الدعم طيلة حكم مبارك، مع تخفيض عدد المستفيدين من البطاقات التموينية من 99 في المئة من السكان إلى نحو 70 في المئة فيما استمر دعم الحكومة لرغيف الخبز، الذي ظل سعره ثابتاً عند 5 قروش منذ عام 1989 وحتى اليوم، على الرغم من ارتفاع تكلفته الفعلية إلى أكثر من 65 قرشاً".

منظومة جديدة لهيكلة الدعم

وتشير البيانات والإحصاءات الرسمية إلى أن مخصصات الدعم الإجمالية للسلع والخدمات وصلت في موازنة 2005 - 2006 إلى 67 مليار جنيه (4.283 مليار دولار) واستمرت بالتنامي حتى وصلت إلى 115 مليار جنيه (7.352 مليار دولار) في موازنة 2010 - 2011. ثم قفزت في موازنة 2013 - 2014 إلى 204 مليارات جنيه (13.043 مليار دولار)، وصعدت إلى 233 مليار جنيه (14.897 مليار دولار) في موازنة 2014 - 2015.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي نهاية عام 2016، بدأت الحكومة المصرية إصلاح منظومة السلع التموينية، وكانت الخطوة الأولى بدعم الخبز، أو ما يُسمى نظام صرف نقاط الخبز، وإلغاء الدعم على الدقيق المستخدَم في إنتاج الرغيف المدعم. وفي مرحلة لاحقة من برنامج إصلاح منظومة الدعم، قامت وزارة التموين بتنقيَة قاعدة البيانات من غير المستحقين للدعم.

وكانت وزارة التموين والتجارة الداخلية، أعلنت خلال العام الماضي حذف نحو 10 ملايين شخص غير مستحق للدعم من قاعدة البيانات، ليصل إجمالي عدد المستحقين إلى نحو 70 مليون، ما وفر على الدولة نحو 5 مليارات جنيه (0.319 مليار دولار) سنوياً. ولا تزال الحكومة تطبق الاشتراطات التي أعلنت عنها في عام 2018 ضمن المعايير التي تحدد أحقية المواطن في الحصول على الدعم السلعي، والتي تشمل إلغاء البطاقات التموينية أو عدم استخراج بطاقات جديدة لكل مَن يحصل على راتب ثابت يبدأ من 7 آلاف جنيه (447 دولاراً)، ومَن يدفع فاتورة كهرباء تبدأ من 1200 جنيه (68 دولاراً)، ومَن لديه أكثر من خط هاتف محمول "فاتورة"، أو يدفع فاتورة لخط محمول بداية من 500 جنيه (32 دولاراً) شهرياً، ومَن يمتلك سيارة حديثة، وكذلك مكان السكن، وقيمة الإيجار شهرياً.

بيانات وأرقام عن الدعم

وتشير البيانات والإحصاءات الرسمية إلى أن إجمالي فاتورة دعم السلع التموينية بلغ نحو 89.5 مليار جنيه (5.722 مليار دولار) في السنة المالية الحالية 2021 – 2022. ويستفيد نحو 64 مليون شخص من دعم السلع التموينية في مصر، فيما يستفيد نحو 72 مليون من منظومة دعم الخبز.

وخلال الفترة الماضية، أشادت دراسة حديثة أجراها البنك الدولي، حول مراجعة الإنفاق العام لقطاع الحماية الاجتماعية خلال العام المالي 2019 - 2020، بالتجربة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأَولى بالرعاية. وأشار في دراسته إلى عدد من المبادرات التي تدعم الفئات والمناطق الأكثر احتياجاً بما يسهم في توفير وإتاحة الحد الأدنى من الدخل الأساسي للأسر التي تعاني من مخاطر ترتبط بالبطالة والحوادث الطارئة عبر تنفيذ برامج الدعم السلعي والتحويلات النقدية ودعم المعاشات والتدريب والتشغيل والتمويل الميسّر وتطوير العشوائيات والقرى الفقيرة والإسكان الاجتماعي ومنظومة التأمين الصحي الشامل، إضافة إلى التغذية المدرسية على النحو الذي يساعد في تأمين الحصول على الخدمات الأساسية وتعزيز سياسات العدالة الاجتماعية.

وفي إطار ملف الدعم، فإنه يتم توزيعه وفق أكثر من آلية أو برنامج. ويتصدر هذه الآليات برنامج الدعم النقدي "تكافل وكرامة" الذي أطلقته الحكومة المصرية في مارس (آذار) 2015، حيث يصل عدد المستفيدين منه إلى 33 مليوناً و666 ألف مستفيد، فيما يبلغ عدد المستفيدين من برنامج "تكامل" فقط نحو 2.114 مليون مستفيد، بينما يبلغ عدد المستفيدين من برنامج الضمان الاجتماعي نحو 385.546 مستفيداً، ويبلغ عدد المستفيدين من برنامج "كرامة" نحو 1.304 مليون مستفيد.

في الوقت نفسه، يبلغ عدد المستفيدين من بطاقات التموين نحو 64 مليون شخص، بينما يبلغ عدد المستفيدين من دعم الخبز نحو 71 مليون مواطن. ووفق هذه الأرقام، يحصل نحو 64 في المئة من المواطنين على سلع تموينية مدعمة، و70 في المئة منهم على دعم الخبز، كما يحصل 90 في المئة من الأطفال على دعم تمويني.

وتشير البيانات إلى أن برامج الدعم المباشر التي أطلقتها الحكومة المصرية دفعت إلى خفض معدلات الفقر بنسبة 5.2 في المئة، فيما بلغ حجم الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية نحو 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال العام المالي 2019 - 2020. في ذات الوقت، فإن حصيلة الدعم النقدي المباشر بلغت نحو 82.8 مليار جنيه (5.294 مليار دولار) خلال الفترة الممتدة بين عامّي 2016 و2020.

وتقترب مخصصات برامج الدعم خلال السنوات الأربع الماضية من 1.7 تريليون جنيه (108.7 مليار دولار)، موزعة على 211.7 مليار جنيه (13.535 مليار دولار) في عام 2016، و206.4 مليار جنيه (13.196 مليار دولار) في عام 2017، و329.4 مليار جنيه (21.061 مليار دولار) في 2018، و327.5 مليار جنيه (20.939 مليار دولار) في 2019، و326.3 مليار جنيه (20.863 مليار دولار) في 2020.