Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فارس يواكيم: "التعصب آفة مجتمعاتنا ولهذا ترجمت ستيفان زفايغ"

العالم العربي أمام مشروع "ثمار التغيير" الذي طرحه الكاتب النمساوي في أوروبا

الكاتب والمترجم فارس يواكيم (صفحة الكاتب على فيسبوك)

في ذروة التأجج السياسي إبان ما سمي "الربيع العربي"، نشر فارس يواكيم ترجمته لواحد من أهم كتب الروائي النمساوي ستيفان زفايغ "عنف الديكتاتورية" (الفرات 2013). يومها أراد أن يذكرنا بصرخة تحذير أطلقها زفايغ حين أدرك خطر وصول الديكتاتورية إلى السلطة.

وعلى الرغم من الفارق بين الزمنين والمكانين، بدت ترجمة يواكيم كأنها رسالة ينذر من خلالها القارئ العربي على لسان زفايغ بقوله، "إن أشد أنواع الديكتاتورية عنفاً هي تلك التي جاءت مبشرة بغد أفضل".

وبعد مرور نحو 10 سنوات على "الربيع العربي"، أصدر يواكيم ترجمة كتاب آخر لستيفان زفايغ عنوانه "من يقطف ثمار التغيير" (دار مسكيلياني 2021)، مع إعادة نشر "عنف الديكتاتورية" في طبعة جديدة، ليضع بين أيدينا اثنين من أعمال النمساوي الشهير الفكرية، بعيداً من إبداعاته الروائية والبيوغرافية. وليس عبثاً انتقاء يواكيم لهذا الكتاب بالذات، هو المعروف بدقة اختياراته وحرصه على تقديم إنتاجات تواكب السياق العربي العام، في الترجمة كما في الكتابة.

مع تجذر العصبيات في مجتمعاتنا، يضعنا يواكيم أمام كتاب هو الأكثر ملائمة لواقعنا الراهن، "من يقطف ثمار التغيير". ينقله من الألمانية إلى العربية كاشفاً الوجه المرعب لوحش يُدمر الإنسان ويفتك بالإنسانية، اسمه "التعصب". وفيه يستدعي زفايغ مرحلة حرجة جداً من تاريخ أوروبا كي "يقرأ بها الحاضر ويصوغ حلم الإنسانية عبر العصور المختلفة، في الانتصار للعقل ضد التعصب ونزق الأهواء".

في مقدمة الكتاب نقرأ للمترجم، "بأسلوب الكاتب القدير على مزج المفيد بالممتع تناول زفايغ مرحلة تاريخية وأبرز وجوهها وحللها بعمق وعرضها بجمال. وقد صاغ الكتاب في ثلاثينيات القرن العشرين مع صعود النازية والفاشستية، وأراد به إطلاق صرخة التحذير والاعتراض، ولم يكن بوسعه النقد الصريح وسلطة الحُكم في أيدي أصحاب النظرة الأحادية الذين يقمعون الرأي المخالف، فأسقط أحداث التاريخ على وقائع العصر وربط بينهما بمهارة. كان لجوؤه إلى التاريخ مثمراً، إذ وفر للقارئ متعة وأشعل لديه التساؤلات في الوقت نفسه، ونبهه إلى أن ما أسفرت عنه أحداث الأمس يمكن أن يتكرر اليوم. و "ما أشبه اليوم بالبارحة".    

إيرازموس... المثل والمثال

يستقي كتاب "من يقطف ثمار التغيير" أهميته من عناصر عدة، أولها أنه يضيء على شخصية فريدة وغير "مشغول" عليها كثيراً، "إيرازموس". إنه رائد النزعة الإنسانية الذي آمن بالوحدة الكونية بين البشر، وطالب بإصلاح الكنيسة من الداخل، وقد اعتبر بمثابة الأب الشرعي للاتحاد الأوروبي قبل نحو خمسة قرون من قيامه، والممهد الأول لطريق مارتن لوثر بوصفه رائد الحركة الإصلاحية ومؤسس المذهب البروتستانتي.

وانطلاقاً من قيمة "ايرازموس"، رائد التنوير وواضع نظريات الإصلاح، سألنا الكاتب والمترجم اللبناني الكبير فارس يواكيم عن حاجة العالم العربي اليوم إلى مثل هذه النماذج الإنسانية، وعن المشكلة الحقيقية التي تعانيها مجتمعاتنا وتحول دون تطورها؟ فأجاب، "يوجد في العالم العربي من يشبه إيرازموس، أقله في الطموح. ومثله أيضاً من يتوقف عند حدود الطموح. المشكلة الحقيقية أن الناس فقدت الثقة في القيادات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، وفي لبنان بالذات مشكلة إضافية اسمها الطائفية، بمُهيج طائفي يمكن أن يحتشد مليون متظاهر وأكثر، لكن ضد فساد السلطة والدواء والغذاء والغلاء وكل وباء وتبخر الودائع، أرى منظر المجتمعين المعترضين يثير الشفقة لقلة عددهم".

ترجمة كتابين متتاليين لستيفان زفايغ، دفعتنا إلى السؤال عن علاقة يواكيم بزفايغ، وهل كان اختياره نابعاً من إعجاب شخصي بهذا الكاتب الكبير أم اقتناعاً منه بأفكاره حول التعصب والتغيير والعنف والديكتاتورية؟ أجاب يواكيم، "في البداية ثمة إعجاب شخصي بأسلوبه الذي يمزج بإتقان المضمون المهم مع أسلوب الصياغة الممتع، وعندما قرأت الكتابين أعجبتني أيضاً براعته في توظيف التاريخ بهدف بث رسالة عن الحاضر، وتحمست أيضاً لأن الرسالة ضد التعصب والعنف والدكتاتورية هي على جانب كبير من الأهمية في عالمنا العربي المعاصر، علماً أنني لم أترجم من أعماله سوى هذين الكتابين".

من الألمانية إلى العربية

قد يكون الانفتاح الثقافي العربي - الألماني أقل بالمقارنة مع الآداب الفرنسية أو الإنجليزية، وهذا ما يسوقنا إلى سؤال يواكيم حول واقع الترجمة من وإلى اللغة الألمانية، وما إذا كان يجد تقصيراً في ترجمة أعمال أدباء كبار مثل زفايغ؟ يُجيب يواكيم بالقول إنه لا يرى تقصيراً عربياً تجاه زفايغ، لأن معظم أعماله مترجمة وإن عن لغة وسيطة، في حين يُحبذ دائماً أن تكون الترجمة من اللغة الأصلية مباشرة.

ويؤكد يواكيم أن عدد الكتب المترجمة من الألمانية إلى العربية يفوق المترجمة في الاتجاه المعاكس، وبمعزل عن كمية الكتب التي تستحق الترجمة، ثمة اهتمام رسمي ألماني بدعم الترجمة إلى اللغة العربية مادياً ومعنوياً، في حين أن نشر الثقافة العربية إلى الخارج أمر لا يحظى باهتمام رسمي. 

ويضيف قائلاً، "نشطت الترجمة من الألمانية إلى العربية نوعاً وكماً خصوصاً مع تزايد عدد المترجمين الجيدين الذين ينقلون الأعمال من لغتها الأم مباشرة، ومن جهة أخرى ففي كل دار نشر ألمانية وأوروبية يوجد محرر أو أكثر، عملاً بمبدأ "أربعة عيون ترى أفضل من اثنتين"، والمحرر يقترح الحذف أو الإضافة أو التعديل بالاتفاق مع المؤلف، ويقوم بهذه المهمات بنفسه أحياناً. والمحرر يكون على درجة عالية من الثقافة، فهو ناقد وأديب وقارئ في آن، وغالباً ما تشكلت ثنائيات من مؤلف ومحرر تعاملا معاً في أغلب الأحيان، أما في العالم العربي فهناك "مصحح" فقط، مهمته تقتصر على تصحيح الأخطاء النحوية أو الطباعية. ليس في علمي غير "دار المعارف" (المصرية - اللبنانية) في عصرها الذهبي أوكلت مهمة المراجعة إلى محرر من وزن طه حسين ومحمود عباس العقاد وبنت الشاطئ وعادل الغضبان، وهؤلاء عندما تعاملوا مع الدار بصفة مؤلفين تولى محررو الدار مراجعة أعمالهم، وأول كتاب في سلسلة "اقرأ" كان "أحلام شهرزاد" تأليف طه حسين، وكان محرر السلسلة هو محمود عباس العقاد. 

أما عن تجربتي فأنا سعدت بتعاملي مع دار مسكيلياني في تونس التي نشرت ترجمتي لكتابي زفايغ، ومع الناشر شوقي العنيزي ومع المحرر الشاعر التونسي رضا الحسني، لما أبديا من اهتمام ونصح". 

الكاتب والمترجم

فارس يواكيم كاتب ومسرحي ومترجم لبناني معروف، ولد في الإسكندرية وتخرج في المعهد العالي للسينما في القاهرة. أعد وكتب وحرر وترجم، فكان واحداً من رموز الفن والثقافة في المرحلة الذهبية، وتميز في كتابة الأعمال المسرحية والسينمائية، وشكل ثنائياً مع الفنان اللبناني الراحل "شوشو" بعدما كتب له مسرحيات وأعمالاً كثيرة منها "آخ يا بلدنا"، "خيمة كراكوز"، "الدنيا دولاب"، ومسلسل "مسرح شوشو" (إنتاج تلفزيون لبنان).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسهم يواكيم في الكتابة لمسرح الأطفال الذي أسسه شوشو في بيروت خلال سبعينيات القرن العشرين، وألّف مسرحيات راسخة في ذاكرة المسرح اللبناني مثل "كرامبول" (إخراج روجيه عساف) و"الشلمصطي" (إخراج نقولا دانيال).

ومثلما نجح في المسرح بأنواعه المختلفة (كوميدي، سياسي، غنائي، شانسونييه)، تمكن يواكيم من تكريس اسمه في السينما العربية عبر كتابة السيناريو والحوار لسبعة أفلام سينمائية روائية، قام ببطولتها نجوم العالم العربي، ومنها "سيدتي الجميلة" من بطولة نيللي ومحمود ياسين وعمر خورشيد (إنتاج حلمي رفلة)، و"عندما تغيب الزوجات" و"عشاق" (إخراج مروان عكاوي) واحد زائد واحد (يوسف معلوف) "فندق السعادة" (فطين عبد الوهاب).وترسخ اسم فارس يواكيم أيضاً من خلال عمله كمعد في برنامج "سهرة مع الماضي" الذي قدمته ليلى رستم في تلفزيون لبنان وحقق شهرة عربية واسعة آنذاك.

"من يقطف ثمار التغيير" أحدث إصدارات يواكيم، وهو يضعنا أمام سؤال جوهري، هل يمكن أن يستفيد عالمنا العربي من خريطة الطريق التي رسمها زفايغ للانتقال من خطة التغيير الفكرية إلى حركة التغيير المادية؟ وهل باستطاعة إنسان القرن الواحد والعشرين أن يستفيد من تجربة تعود زمنياً إلى بداية عصر النهضة في أوروبا لتحقيق نقلته النوعية؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة