Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نقص الإمدادات والعمال في ظل اقتصاد متغير

الاقتصاد العالمي لم يشهد أمراً من هذا القبيل منذ عقود

في العامين الماضيين تغير وجه الاقتصاد العالمي (بريتني نيومان، أ ب)

طالب العاملون في مطعم للوجبات السريعة بمدينة سكرامنتو، بولاية كاليفورنيا، والغاضبون جرّاء العمل في درجة حرارة خانقة مقابل أجور زهيدة، طالبوا بأجور أعلى وجهاز تكييف جديد، وحصلوا على مطالبهم.

انهمرت طلبات العملاء على أحد موردي السيارات الإيطالية الذي سعى جاهداً للحصول على إمدادات كافية من الموارد كلها بدءاً من المواد البلاستيكية والرقاقات الدقيقة وغيرها لتلبية الطلب.

أدى الجفاف في تايوان إلى مفاقمة النقص العالمي في رقائق الكمبيوتر التي تعد مهمةً للغاية في تصنيع السيارات والإلكترونيات.

لم يشهد الاقتصاد العالمي أمراً من هذا القبيل منذ عقود، وربما لم يشهد أمراً مماثلاً على الإطلاق. فبعد أن أصبح التضخم البالغ الانخفاض طوال سنوات علامةً بارزةً في اقتصادات العالم، بلغت الأسعار عنان السماء في عام 2021، بما في ذلك متاجر المواد الغذائية ومحطات البنزين، وقطع السيارات المستعملة، ومحلات الأثاث. وقد يعود السبب في ذلك إلى التعافي الاقتصادي القوي والسريع من الركود الذي سببته الجائحة بسرعة فاجأت الجميع، لا سيما أن الموردين لم يكونوا مستعدين للتعامل مع الجائحة التي عطلت وعرقلت سير أعمالهم.

كافح العمال في الولايات المتحدة لسنوات لتحقيق مكاسب اقتصادية وتمكنوا من الحصول على أجور أعلى ومنافع أكثر وبيئة عمل أفضل، وتعززت ثقتهم في أنفسهم، إذ أصبح بإمكانهم الاستقالة من الوظيفة إذا لم يتلقوا الأجر والمنافع الملائمة.

وتعطلت سلاسل الإمداد العالمية التي ظلت تعمل بكفاءة لسنوات، وذلك بعد أن رزحت المصانع والموانئ ومحطات الشحن تحت وطأة الزيادة في الطلبات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان التعافي الاقتصادي مذهلاً ومفاجئاً مثل الركود الذي سبقه، وذلك بسبب ضخ كميات كبيرة من المساعدات الحكومية وطرح لقاحات "كوفيد" على نطاق واسع. والواقع أن صناع القرار السياسي، وأصحاب الأعمال التجارية، والاقتصاديين تفاجأوا بمستويات التعافي الاقتصادي السريعة، وبالمتحورات الجديدة لـ"كوفيد" وتهديدها لمستويات التعافي.

ولم يسبق لهم قط، على الرغم من كل شيء، الاضطرار إلى إدارة التداعيات الاقتصادية وغير الاقتصادية التي لا يمكن التنبؤ بها بسبب جائحة عالمية.

العودة من حافة الهاوية

وفي ربيع عام 2020، بدا أن الاقتصاد العالمي يوشك على التعرض لكارثة. فالانتشار المفاجئ والسريع لحالات الإصابة بـ"كوفيد-19" تسببت في إغلاق قسري وإثارة الفزع بين الناس الذين جلسوا في بيوتهم، وأصيبت حركة السفر بالشلل كما الأنشطة التجارية الاعتيادية، ودفعت أرباب العمل إلى تقليص عشرات الملايين من الوظائف.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن يتقلص الاقتصاد العالمي بنسبة 4,9 في المئة في 2021، ليسجل أول انخفاض في الناتج الاقتصادي العالمي منذ الأزمة المالية 2008-2009، ولكن حكومات الدول الأكثر ثراءً، التي هالها التعافي البطيء والمؤلم من الأزمة المالية قبل أكثر من عقد من الزمان بقليل، ضخت الأموال بسخاء من أجل إنقاذ اقتصاداتها في حين تبنت الولايات المتحدة على وجه التحديد نهجاً قوياً: فقد ضخت 5 تريليونات دولار كمعونة تحفيزية للأفراد والأعمال التجارية والبلديات هذا العام، والذي سبقه.

وقال روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في معهد المالية الدولية، والأخير مجموعة تجارية عالمية للشركات المالية: "إن الولايات المتحدة كانت أكثر تفوقاً على الصعيد العالمي".

وأوضح: "لدينا أكبر موارد مالية مقارنةً بأي بلد آخر، ولدينا امتياز باهظ يتمثل في القدرة على تحمل الديون لدفع تكاليف تخفيف عبء "كوفيد" من دون الاضطرار إلى دفع أسعار فائدة مرتفعة. إن المستثمرين العالميين ينظرون إلى ديون الحكومة الأميركية باعتبارها ربما الاستثمار الأكثر أماناً لأن ما يشترونه من السندات الأميركية يبقي أسعار الفائدة الأميركية منخفضة".

فعلى الرغم من الإنفاق الفيدرالي الهائل والتضخم المتصاعد، فإن العائد على سندات الخزانة الأميركية لمدة عشر سنوات، وهو حالياً أدنى من 1,4 في المئة، يظل أدنى مما كان عليه قبل الجائحة.

وفي الولايات المتحدة وبلدان أخرى، يعود الفضل، إلى حد كبير، إلى مساعدات التحفيز المالي التي ساهمت في تجنب الكوارث. وعلى الرغم من تقلص الاقتصاد العالمي عام 2020، فإنه انخفض بنسبة أقل من تلك المتوقعة، والتي بلغت 3.1 في المئة. ويتوقع صندوق النقد الدولي انتعاش النمو وعودته إلى 5.9 في المئة في عام 2021. وسيكون ذلك أسرع توسع سنوي وفقاً لسجلات صندوق النقد الدولي التي تعود إلى عام 1980.

وبدءاً من هذا العام، ساهمت اللقاحات في عودة عجلة الحياة إلى سابق حالها نوعاً ما قبل الجائحة.

قال جاكوب كيركيغارد، زميل بارز في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة: "وقعت معجزة علمية. أصبح لدينا لقاح قبل ستة إلى تسعة أشهر أبكر مما كان ليعتقد أي شخص في عام 2020. وذلك يعني أن النصف الثاني من عام 2021 شهد أساساً إعادة انفتاح [رفع قيود الإغلاق] لجميع الاقتصادات المتقدمة، وكان ذلك بالتأكيد مفاجأة إيجابية مدوية".

عدم اليقين الناشئ عن "كوفيد"

ومع ذلك، ظل الفيروس يؤثر على قدرة الجميع على التنبؤ بمآل الاقتصاد، أو تحديد ما الذي يجب فعله حيال ذلك. فعندما تعرضت اليابان لموجة من الإصابات في فصل الصيف، تعرّض اقتصادها لانهيار تام، وانكمش بين يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) بمعدل سنوي بلغ 3.6 في المئة.

وعلى نحو مماثل، فقد تعافى الاقتصاد الأميركي زخمه بمجرد ظهور متحورة "دلتا" شديدة العدوى في الصيف. فقد سجل النمو تباطؤاً بمعدل سنوي بلغ 2.1 في المئة في الفترة من يوليو إلى سبتمبر، وانخفض بشدة من معدل بلغ 6.7 في المئة في+++ الربع الأول من أبريل (نيسان) ويونيو إلى معدل 6.3 في المئة في الفترة من يناير (كانون الثاني)، ومارس (آذار).

ولكن الاقتصاد استعاد عافيته بقوة وبشكل مفاجئ. وفي يونيو 2020، ومع استمرار الاقتصاد في التعافي من هذه الجائحة، توقعت لجنة واضعي السياسات في البنك الاحتياطي الفيدرالي أن يبلغ متوسط البطالة 9.3 في المئة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام و6.5 في المئة في نهاية عام 2021. وفي الواقع، انخفض معدل البطالة من 11.1 في المئة في يونيو 2020 إلى 6.7 في المئة بحلول نهاية العام. وهو الآن عند مستوى تعافٍ شبه كامل، ويبلغ 4.2 في المئة.

بسبب تدفق الدفعات الحكومية، وفي حالات كثيرة، فإن المدخرات المتأتية من العمل في المنزل ومن مكاسب سوق الأسهم، كان سكان الدول الغنية يحتفظون بأموال أكثر وينفقون الكثير منها.

ويقدر مركز "كابيتال إيكونوميكس، أن الأسر في الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانت تحتفظ "بالمدخرات الزائدة" التي بلغت في منتصف العام 3.7 تريليون دولار أميركي ــ وهو المبلغ الذي يتجاوز ما كانوا سيدخرونه لو لم تحدث الجائحة أبداً.

حجم الطلب الكبير

وفي بعض الجوانب، كان ذلك أمراً حسناً للغاية. فقد طغى الطلب القوي على المصنعين العالميين، لا سيما على السيارات والأجهزة والسلع المادية الأخرى. لم تستطع المصانع توفير ما يكفي من المواد الخام والقطع في حين تكدست الشحنات في الموانئ وساحات [محطات] الشحن. وعانت الشركات النقص في جميع احتياجاتها، ولا سيما العمال. وتجلى ذلك بشكل واضح لدى عديد من المطاعم. ففي مطعم "غوثام" الذي أعيد افتتاحه حديثاً في مانهاتن، على سبيل المثال، لم يتمكن الزبائن من العثور على الشوكولاتة المحضرة يدوياً التي كانت تشكل ذات مرة عامل استقطاب مهماً للزبائن في الأعياد ولم يستطيعوا شراء برغر أو طلب محار. لم يتمكن المطعم من العثور على عدد كافٍ من الموظفين لكي يصنعوا الشوكولاتة، ولم يجد عمال للشوي، أو تقشير المحار.

وحول ذلك، ذكر بريت سينسيتز، المالك الجديد للمطعم: "عملنا جاهداً لافتتاح المطعم من جديد. هناك طلب في السوق، كما أن المنتج ذو جودة عالية جداً. ومع ذلك ليس لديّ ما يكفي من الموظفين لتلبية احتياجات العمل وتحقيق النجاح للمطعم".

كما أن نقص الإمدادات الأساسية مثل لوحات السيراميك والزجاج، أعاق عمل المطعم.

وشهدت تكاليف المواد الغذائية تقلبات شديدة، إذ بلغت قيمة سمك الهلبوت، الذي كان الرطل الواحد منه يكلف 14 دولاراً ذات يوم، 24.99 دولار بعد أسبوع ونصف.

وعبر المحيط الأطلسي، جرت إعادة افتتاح شركة "أم تي أي" لتصنيع قطع السيارات، والتي عانت بسبب إغلاق إيطاليا لأول مرة في فبراير (شباط) 2020، في غضون أسبوع لتنهي سنة 2020 بتعافٍ غير متوقع لنشاط أعمالها.

ولكن التعافي أثار مشاكل جديدة، حيث أوضحت ماريا فيتوريا فالشيتي، مديرة التسويق في الشركة، قائلةً: "هناك نقص على جميع المستويات. لا يوجد بلاستيك، ولا معادن، ولا ورق، ولا رقائق دقيقة حتى. كما أننا نعاني بسبب زيادة كبيرة في أسعار هذه المواد، وكذلك أسعار الطاقة".

وفي آسيا، عانت شركات التصنيع بكافة أنواعها، سواء التي تبيع الألعاب أو الهواتف الخلوية من نقص عالمي في رقائق الحاسوب وارتفاع تكاليف المكونات والمواد الخام والشحن.

وفي عام 2021، دفعت شركة "كيكسيانغ" للمواد الكهربائية، التي تصنع مصابيح LED ومصابيح الجيب في نينغبو، جنوب شنغهاي، زادت تكاليفها 20 في المئة ذهبت على شكل زيادة للعمال وثمن المواد والتعقيدات الناجمة عن عقبات الشحن البحري.

وقالت سوزان يانغ، الرئيس التنفيذي للشركة التي تضم 80 موظفاً، "إن التأخير الحالي في التسليم يصل إلى نحو شهر أو شهرين".

وقال ماكس تشن، مدير عام شركة "ميك فيغر" لتصنيع الألعاب، وهي تقع في مدينة شينتشن جنوب الصين، "إن الارتفاع الحاد في [تكلفة] الشحن البحري قد اقتطع من أرباح المصنعين وأرباحنا كذلك".

وأضاف: "إذا أردنا البقاء في السوق، نحتاج إلى خفض توقعات أرباحنا واستهداف عملاء جدد".

وقد تفاقمت مشاكل سلسلة الإمدادات بسبب ما يسميه كيركجارد من صندوق مارشال الألماني "أموراً غير اعتيادية".

وأدى الجفاف في تايوان إلى تقليص الإنتاج في مصانع رقائق الحواسيب المعتمدة على المياه في حين أغلقت موجة برد شديدة في فبراير مصانع البتروكيماويات في تكساس، وعلقت سفينة حاويات ضخمة في قناة السويس لمدة أسبوع في مارس وتسببت بقطع مسارات الشحن بين آسيا وأوروبا.

عبء الأسعار المرتفعة

لقد أدت الاختناقات في سلاسل الإمدادات إلى ارتفاع التكاليف، الأمر الذي ساهم في خلق مشكلة لم تكن أغلب الدول الغنية مضطرة لتحملها لسنوات والمتمثلة في ارتفاع معدل التضخم باستمرار. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع أسعار الاستهلاك في الاقتصادات المتقدمة 2.8 في المئة هذا العام. وسيكون ذلك أعلى معدل من هذا القبيل منذ عام 2008.

وأسهم الارتفاع المطرد في أسعار الطاقة، بسبب الانتعاش الاقتصادي السريع، إسهاماً كبيراً في زيادة الأسعار إذ ارتفع سعر الخام القياسي في الولايات المتحدة بنسبة 75 في المئة إلى 84 دولاراً للبرميل في الفترة من يناير إلى أكتوبر (تشرين الأول)، قبل أن ينخفض في الأسابيع الأخيرة بسبب متحورة أوميكرون التي أثارت احتمال أن تتباطأ مستويات النمو.

وكانت الضغوط التضخمية شديدة بصفة خاصة في الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى الطاقة، سجلت المستلزمات اليومية مثل المواد الغذائية والمسكن والسيارات والملابس أعلى زيادة في التكاليف بصفتها السلع والخدمات التي يعتمد عليها الملايين من الأميركيين بشكل يومي. وكانت الأسر ذات الدخل المنخفض التي لا تملك سوى القليل من الاحتياطيات النقدية أو لا تملك أي احتياطيات هي الأشد تعرضاً ومعاناةً. ففي الشهر الماضي، ارتفعت أسعار الاستهلاك في الولايات المتحدة بنسبة 6.8 في المئة مقارنةً بما كانت عليه قبل 12 شهراً ـ وهي أكبر زيادة سنوية منذ عام 1982.

وفي العام الماضي، ارتفعت أسعار السيارات المستعملة بنسبة 31 في المئة، ولحوم الأبقار المشوية بنسبة 26 في المئة، والبذلات والمعاطف الرجالية بنسبة 14 في المئة. وارتفاع الأسعار يفوق مكاسب الأجور. وعقب التضخم، انخفضت إيرادات العاملين في الولايات المتحدة في الساعة، على الرغم من الزيادات في الأجور، بنسبة 1.9 في المئة في الشهر الماضي مقارنةً بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وفي محطة موبيل في يونكرز، نيويورك، بلغت قيمة غالون الغاز العادي 3.89 دولار. وقال ماريو بودن، مدير مشروع في مركز تجاري قريب من المحطة، أن ملء خزان الوقود يكلفه 50 دولاراً عوض 35 دولاراً اعتاد دفعها.

وأضاف بودن: "تبدأ بالتفكير وتتساءل: هل أذهب للتسوق؟ هل أملأ خزان الوقود اليوم؟ أصبحت أضع خطة وأهداف لكل رحلة. لذا هناك تغيير في نمط الحياة".

وقال راي خوري، مدير أحد المستشفيات، بينما كأن يملأ خزان وقود سيارته المرسيدس في محطة بي.بي في يونكرز: "ما زال يتعين علينا أن نعمل كل يوم ونسعى جاهدين للبقاء على قيد الحياة".

وأضاف: "في ظل الحاجات اليومية للعائلة والأطفال وغيرها من الاحتياجات التي تتزايد شيئاً فشيئاً، يتعذر الادخار وجمع المال".

نقص عمالة المصانع في أميركا

حتى أثناء مكابدتهم ارتفاع الأسعار، استفاد العمال، لا سيما في أميركا، من سوق العمل التي تتمتع بضوابط أشد منحتهم نفوذاً للحصول على أجور ومنافع أفضل. وفي ظل تمكن العديد من الموظفين الإداريين من العمل في المنزل، وجدت الشركات أن موظفيها لا يحتاجون إلى الذهاب إلى المكتب لأداء مهام عملهم. وذلك يعني أن العمال يمكن أن ينفقوا المزيد من الوقت في المنزل ويوفروا الأموال التي كانوا سينفقونها على موقف السيارات، والذهاب للعمل، وتناول الغداء في الخارج.

وشهدت الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، نقصاً حاداً في اليد العاملة. وفي أوج الركود الذي نجم عن الجائحة في ربيع عام 2020، خفض أرباب العمل 22 مليون وظيفة. وفي ظل الانتعاش الاقتصادي، قاموا بإعادة توظيف أكثر من 18 مليون شخص ثم أعربوا عن تذمرهم لأنهم لم يتمكنوا من إيجاد العمالة الكفاية.

وفي شهري سبتمبر وأكتوبر، أعلن أرباب العمل عن 1.4 وظيفة شاغرة لكل عاطل عن العمل أميركي، وهي أعلى نسبة مسجلة منذ 15 عاماً. وكان ذلك بمثابة انقلاب في الموقف لافت للنظر مقارنة بموقفهم في شهر أبريل 2020 عندما بلغ الركود الناجم عن الجائحة أوجه، حيث لم يكن هناك سوى 0.2 فرصة لكل شخص عاطل عن العمل، أو على نحو آخر، عندما كان هناك خمسة أشخاص عاطلين عن العمل لكل وظيفة متاحة.

وأسهم ارتفاع حالات التقاعد المبكر، وعم توفر خدمات رعاية للأطفال بأسعار معقولة، وتردد العديد من عمال المطاعم في العودة، وانخفاض عدد المهاجرين، في نقص اليد العاملة. كما قامت الحكومة بتوسيع نطاق معونة البطالة، وقدمت شيكات مساعدات للأسر لتعزيز مدخراتهم وقدمت للعاطلين عن العمل خيارات أكثر مرونةً في شأن اختيار رب العمل.

وفي أوروبا، وعلى النقيض من ذلك، دفعت الحكومات أموالاً للشركات في الأساس لمنعهم من تسريح الموظفين من العمل.

وقال كيركيغارد "في أوروبا، لم تتبنَّ الشركات نهج تسريح الموظفين ثم إعادة توظيفهم".

وأشار إلى أن عدم التسريح الشركات الأوروبية للموظفين عزز من "سلاسة إجراءات إعادة فتح الاقتصاد الأوروبي لأن الموظفين يريدون العودة إلى وظائفهم القديمة".

وعلى خلاف ذلك، اضطرت الشركات الأميركية إلى استدعاء الموظفين الذين سرحتهم أو العثور على بدلاء جدد.

وفي بعض الحالات، أصبح للعمال اليد العليا في المفاوضات في شأن الأجور وشروط العمل، وقلما ما يحدث ذلك.

ويحصل العمال الذين يكون الطلب عليهم عالياً بشكل خاص بسبب الشح في اليد العاملة، والذين يعمل أغلبهم في وظائف خدمية بأجر أقل نسبياً، على أجور مرتفعة تعينهم على تحمل التضخم. وفي ضوء تعديل الأجور مراعاةً للتضخم، قفزت مكاسب أجور العمل بالساعة بنسبة 12 في المئة في العام الماضي في أوساط الذين يعملون في الحانات ونحو 6 في المئة للعاملين في الفنادق والمطاعم.

أضرب المئات من عمال متاجر فريتو بلاي في يوليو احتجاجاً على نوبات العمل الإضافي الإلزامية. وأضرب ما يربو عن 10,000 عامل في شركة "ديري وشركاه" في الخريف وأعقب الإضراب حصولهم على عقد جديد بزيادة 10 في المئة. وأعلن عمال الحبوب في الولايات المتحدة في شركة "كيلوغ" عن إضراب منذ أكتوبر.

ضمت قائمة العمال الجدد ذوي العزيمة القوية ليتيسيا رييس، وهي أم لخمسة أطفال عملت في مطعم "جاك إن ذا بوكس" في مدينة سكرامنتو، كاليفورنيا، لما يقرب من عامين. وخلال الصيف، أضربت هي وزملاؤها احتجاجاً على ظروف العمل وعلى جهاز التكييف الذي كان يتعطل باستمرار ويجبرهم على الكدح في درجة حرارة خانقة.

وقالت ليتيسيا إن المدير الإقليمي للمتجر قام بتركيب جهاز تكييف جديد ورفع أجور العمال بمقدار 1.25 دولار في الساعة.

وأضافت: "الزيادة في الأجور بسيطة، ولكنها على الرغم من ذلك تساعدنا".

بصفة عامة، كان العمال الأميركيون بالكاد يخشون تغيير الوظائف، فعدد من استقال في أكتوبر بلغ 4.2 مليون، وهو قريب جداً من الرقم القياسي عند 4.4 مليون موظف المسجل قبل شهر واحد فقط.

عقب ظهور جائحة كورونا في مارس 2020، استقالت ستيفاني بلاكلي من مدينة لويزفيل، بولاية كنتاكي، من عملها في أحد المستودعات. وفي ظل إغلاق المدارس، كان يتوجب عليها رعاية ابنها البالغ من العمر 7 سنوات. وكانت أصلاً تفكر بترك عملها على أي حال، لأن العمل في المستودع، كما قالت كان مملاً وشاقاً.

أمضت بلاكلي، البالغة من العمر 36 عاماً، ثلاثة أشهر تدريب في وظيفة تقنية بشركة هاك رياكتور، وهو مقر هندسة للبرمجيات، وتعلمت الكثير عن إدارة قواعد البيانات. كان عليها الاستفادة من مدخراتها وأخذ قرض، ولكن توقيتها كان مناسباً. فسوق العمل كانت تتماثل للتعافي، وتمكنت بلاكلي في نهاية المطاف من الحصول على وظيفة في شركة تقنية وبأجر يبلغ عشرة أضعاف أجرها السابق.

وقالت يمكنها أن تعمل في المنزل، الأمر الذي يمنحها مرونة لرعاية ابنها. وفي البداية، بدا كما لو أنه سيتوجب عليها في نهاية المطاف الانتقال إلى نيويورك للحصول على وظيفة، ولكن الشركة قررت السماح للموظفين بالعمل في المنزل. وبإمكانها البقاء في مدينة لويزفيل وتجنب تكاليف السكن العالية في نيويورك.

وكذلك الحال كان بالنسبة لباميلا ثومبسون من مدينة تامبا، ولاية فلوريدا، التي تحسنت ظروفها المعيشية بعد أن قضت أكثر من عشرة أعوام تعمل في نظام المحاكم الفيدرالية، آخرها بوظيفة مشرفة. وبينما كانت على رأس العمل، أطلقت باميلا، البالغة من العمر 38 عاماً، شركة تجارية باسم "ماي شيد أند تكستشر"، وهي عبارة عن متجر لمستحضرات تجميل. عندما حلت الجائحة، قررت العمل في متجرها بدوام كامل. مرت بانتكاسات وتقلبات بسبب إجراءات الإغلاق أثناء الجائحة، لكنها تقول إنها غير نادمة أبداً. وهي تكسب "أكثر بكثير" من وظيفتها السابقة، وتستمتع بعملها الحالي أكثر من السابق.

وأضافت: "ليس لديّ الرغبة في العودة إلى العمل في قطاع الشركات الأميركية. فأنا أستمتع بعملي الحالي".