بوادر انفراج أزمة الانحباس المطري الذي شهدته المنطقة الوسطى في السعودية هذا العام تلوح في الأفق، إذ توقعت الأرصاد أن مدينة الرياض ستشهد حالة مطرية نهاية الأسبوع الجاري، قبل نهاية عام 2021، وذلك بعد أن أخلفت السحابة السنوية عادتها بهطول الأمطار في موسم الوسم.
ورغم انقضاء "الوسم" الذي يمتد من 26 أكتوبر (تشرين الأول) حتى 6 ديسمبر (كانون الأول)، فإن الموسم على خلاف العادة مر شتوياً جافاً من دون مائه المعتاد الذي يكون سبباً في نمو الأرض بالنبات والخضرة وظهور "الفقع" أو الكمأة دون غيره من مواسم الأمطار.
أثار هذا التأخر الجدل في أوساط المهتمين بالمناخ والمزارعين عن تعطل سحابتهم المعتادة عن الوصول، وما إذا كان ذلك دلالة على أن فصل الشتاء الحالي سيمر من دون أمطار تذكر، كما جرت العادة عند احتباس "الوسم".
تأخير هطول الأمطار حدث متكرر
ذكر عبد الله المسند، الذي عمل أستاذاً في المناخ بجامعة القصيم سابقاً، ويشغل حالياً منصب رئيس لجنة تسمية الحالات المناخية في السعودية، أن تأخر الأمطار ليس ظاهرة جديدة، مشيراً إلى أن شواهد رقمية موثقة تؤكد تكرارها بين عام 1970 حتى 2014.
وعدد المسند سنوات تأخر الأمطار، وقال "تأخرت الأمطار في موسم 1971-1972 حتى 11 يناير (كانون الثاني) (آخر المربعانية)، وفي موسم 1983-1984 حتى 2 فبراير (شباط) (آخر الشبط)، وفي موسم 1987-1988 حتى 8 يناير (آخر المربعانية)، وفي موسم 1990-1991 حتى 11 يناير (آخر المربعانية)، وفي موسم 1993-1994 حتى 10 مارس (آذار) (آخر العقارب)، وفي موسم 1994-1995 حتى 7 فبراير (آخر الشبط)، وفي موسم 1998-1999 حتى 9 يناير (آخر المربعانية)، وفي موسم 1999-2000 حتى 16 يناير (أول الشبط)، وفي موسم 2001-2002 حتى 1 يناير (آخر المربعانية)".
وتعد "المربعانية" و"الشبط" و"العقارب" أسماء شعبية لمواسم مناخية ذات دلالات في الموروث الثقافي المحلي.
وقال المسند "بطء هطول الأمطار وتأخرها عن موعدها مسألة مألوفة، وحدث يتكرر في بعض المواسم، وليس أمراً شاذاً، بل أحياناً يتأخر حتى شهر أو شهرين أو أكثر، وما يقال عن الرياض ينسحب بالضرورة على معظم المناطق".
انتهاء الوسم لا يعني أن الأرض لن تنبت
وذكر المسند أن انتهاء "الوسم" دونما هطولات مطرية في معظم المناطق لا يعني بالضرورة أن الموسم قد انتهى، ولا يعني أن الأمطار المتأخرة لا تنفع الأرض، ولا تنبت الكلأ، مشيراً إلى أن "أمطار المربعانية نافعة، وكذلك أمطار الشبط، والعقارب كلها نافعة للأرض ومنبتة للربيع".
وأضاف "يمكن القول، إن معظم الأعشاب البرية تنبت عندما تتوفر الأمطار بغض النظر عن الوقت، والاختلاف بين نسبة منفعة الأمطار خلال هطولاتها المختلفة زمانياً يقع في مدى تأثير نسبة التبخر بسبب درجة الحرارة، فكلما كانت الأجواء معتدلة أو باردة كانت المنفعة من الأمطار أعظم، والتمايز بين الأوقات في مدى منفعة الأمطار خلالها يقع في كم بقي من أيام الموسم، وعليه أقول، إن أمطار الوسم أفضل وأنفع كونها تأتي مبكرة، ويطول معها موسم الربيع، قبل أن ترتفع حرارة الشمس فتحمسها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار المسند إلى أن الكمأة "الفقع" وإن كان طلوعها يتطلب نزول الأمطار في موسم الوسم إلا أن الظروف المناخية المناسبة لظهورها ممتدة حتى منتصف المربعانية على وجه التقريب لا التحديد، بخاصة إذا كانت أجواء "المربعانية" معتدلة أو دافئة، والكمأة يتطلب ظهورها عدة أسباب وهي الأمطار الوسمية والتربة المناسبة ودرجة الحرارة المناسبة.
ويطلق وصف "المربعانية" على فترة ذروة فصل الشتاء في مناطق الجزيرة العربية.
أمطار الرياض ربيعية وليست شتوية
ذكر عالم الفلك والإعلامي الذي يقدم برنامجاً تلفزيونياً عن الطقس، خالد الزعاق، أنه من المعروف عن أمطار الرياض بأنها "أمطار ربيعية وليست شتوية في الغالب، وعدم نزول الأمطار في الوسم أمر طبيعي".
وفصل الزعاق كيف تسير الظاهرة المطرية في السعودية، قائلاً "الأمطار لها مواسم، فموسم الأمطار يدخل علينا في نهاية موسم سهيل، وهذا يكون في شهر سبتمبر، وهو أول الأمطار الطبيعية (فيما يسمى الأمطار الوسمية)، وخطوط المطر تبدأ من شمال السعودية، فأمطار شمال السعودية أمطار وسمية ومع دخول موسم المربعانية ينتقل خط الأمطار إلى الجوف وحائل والقصيم، وهذا يكون في ديسمبر، ومع دخول موسم العقارب في فبراير تبدأ فرصة الأمطار على الرياض، ومع نهاية موسم العقارب في مارس تبدأ فرصة هطول المزيد من الأمطار على جنوب الرياض".
تأخير المطر لا يدل على الجفاف
أوضح الأكاديمي المتخصص في البيئة بجامعة الملك سعود، فرحان الجعيدي، أن السعودية تقع في النطاق الصحراوي ويسود فيها المناخ القاري "عندما نحكم على التراجع في التهاطل المطري لا بد من الرجوع للبيانات المناخية ومحطات تسجيل كميات الأمطار لمدة طويلة، ويشير علماء المناخ إلى أن تأخر الأمطار ظاهرة متكررة وليست شاذة".
وأشار إلى أن تأخير المطر لا يدل على الجفاف أو عدم إنبات الأرض مثل ما حدث في عام 1909 ميلادي والتي مر أهالي نجد فيها بالقحط والجدب، حيث انقطعت فيها الأمطار وأجدبت الأرض، وكان الأهالي حينها يتسابقون إلى أكل الجثث من الحيوانات والدواب، بعد أن قضوا أياماً من دون أكل أو شرب بعد أن غاب المطر عن مواسم الهطول لمدة ست سنوات.
ويعرض الباحث في تاريخ السعودية، عبد الله العمراني، ما حدث بعدها في عام 1955، بعدما اشتد في السعودية وشمالها القحط والجفاف، "جفت المراعي وبدأ سكان البادية يتنقلون من مكان إلى مكان بحثاً عن الحياة، واجتمع الجوع والتعب والعطش على الإبل والأغنام؛ وبدأت تتهاوى فرائس بين يدي الموت".
إلا أنه في عام 1957 أصاب منطقة نجد مطر "وسمي" في عام عرف بـ"الغرقة" والذي استمر المطر لـ58 يوماً متواصلة، كما سميت سنة "الهدام" بسبب الانهيارات التي أصابت المناطق السكنية نتيجة الفيضانات.
وتزخر الذاكرة النجدية بعدة وصوف لتلك الحقبة، "طوفان نجد الكبير" مثلاً، بعد أن تسببت أمطار الـ(58) يوماً بسيول عارمة، وحاصرتهم الأودية حتى تجاوز السيل أعتاب المباني، فانهارت معظم البيوت الطينية والمساجد والمتاجر على كل ما فيها من أنفس ومتاع، فغادر الناس بيوتهم في المدن والقرى إلى الأماكن المرتفعة.
ورصد إبراهيم العبد المحسن في كتابه "حوادث الزمان" عن من سنة 1957 "هطلت أمطار على نجد وخصوصاً القصيم، واستمرت أياماً لم يتوقف فيها نزول الماء؛ حتى (انماعت) رؤوس الحيطان وجعلت تنهار من كثرة نزول مياه الأمطار، لدرجة كانوا يتوقعون أنها ستنطبق عليهم، فتعطلت الدراسة ولم يستطع البشر الجلوس داخل المنازل؛ لشدة خرير السقوف، وخرجت الأمة إلى البراري خوفاً من سقوط البيوت، وأصبحوا مهددين بالأخطار، ولا تزال السماء تصب المياه صباً، وكان قد انخاط الجو وأظلمت الدنيا لفقدهم ضياء الشمس، وكان القوي من يملك بساطاً يرفعه بأعواد فيجلس وعائلته تحته".
الجدير بالذكر، أن الأرصاد الجوية في السعودية قد توقعت انقطاع حالة الانحباس المطري نهاية الأسبوع الجاري، حيث ستسقط أمطار شبه متوسطة إلى شديدة في فترات تقع بين الثلاثاء 28 ديسمبر وحتى الجمعة 31 ديسمبر.