شهدت أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق الأوروبية ارتفاعاً هائلاً، الثلاثاء، مع توقف ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا من خلال خط الأنابيب "يامال – يوروب" الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا. وارتفعت أسعار عقود الغاز الطبيعي في البورصة الهولندية، وهي المعيار القياسي لأسعاره في أوروبا، بنحو 11 في المئة، الثلاثاء، ليصل السعر إلى 183 دولاراً (162 يورو) لكل ميغاوات/ساعة. وفي بريطانيا ارتفعت بنحو عشرة في المئة ليصل السعر إلى 5.3 دولار (4 جنيهات استرلينية) لكل وحدة حرارية.
وتشهد إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا تراجعاً منذ عطلة نهاية الأسبوع، في وقت يتعرض فيه نصف الكرة الأرضية الشمالي لموجة برد قارس، تزيد الطلب على الغاز للتدفئة، وكذلك الطلب من محطات توليد الكهرباء بالغاز لتلبية الاحتياجات المتزايدة من استهلاك الكهرباء.
ووصل التراجع، يوم الاثنين، في إمدادات الغاز من شركة غازبروم الروسية، التي تحتكر تصدير الغاز الروسي تقريباً، عبر خط الأنابيب "يامال يوروب" إلى نسبة أربعة في المئة فقط من طاقته. وصباح الثلاثاء وصل الضخ إلى الصفر، ثم انعكس اتجاه سريان الغاز في خط الأنابيب نحو الشرق، أي من محطته الأخيرة في ألمانيا نحو بولندا.
وتبلغ الطاقة القوى لخط أنابيب الغاز الذي يمد بولندا وألمانيا بالغاز الطبيعي 89 مليون متر مكعب يومياً. وأخذت الإمدادات في التراجع من 27 مليون متر مكعب، الجمعة، إلى 5.2 مليون متر مكعب و4.7 مليون متر مكعب في عطلة نهاية الأسبوع السبت والأحد، قبل أن تكاد تنعدم الاثنين وتصبح بالسلب الثلاثاء. وكانت أسعار الغاز الطبيعي وصلت إلى مستوى مرتفع الاثنين عند 1700 دولار للألف متر مكعب، قبل أن تصل إلى مستواها القياسي الجديد الثلاثاء.
الأزمة الروسية مع الغرب
وسارع بعض السياسيين في الغرب والمراقبين والمحللين في سوق الغاز الطبيعي إلى اتهام روسيا بقطع إمدادات الغاز الطبيعي عن أوروبا بسبب الأزمة مع الغرب حول أوكرانيا، وتعطيل الموافقة على خط الأنابيب الجديد "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، حسب ما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء.
لكن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف نفى ذلك، الثلاثاء، قائلاً "لا توجد أي علاقة على الإطلاق. هذا وضع تجاري محض". كما أكدت الشركة التي تتولى شراء الغاز الطبيعي الروسي في ألمانيا أن شركة غازبروم تفي بتعهداتها التعاقدية مع المستهلكين في أوروبا بشكل تام.
وقال شركة "غازكيد" الألمانية، إحدى شركتي استيراد الغاز الطبيعي من "غازبروم"، في بيان، الثلاثاء، حول تحول اتجاه انسياب الغاز بالعكس في خط الأنابيب يامال – يوروب، "حسب الوضع الحالي، فإننا نتلقى أسعاراً أعلى لكلفة النقل من اتجاه إلى آخر، وهذا هو سبب عكس اتجاه انسياب الغاز".
كما قال رادوسلاف كازيميرسكي، المتحدث باسم الشركة التي تحتكر الغاز الطبيعي في بولندا "بي جي أن آي جي"، "إن الشركة تحصل على كل ما في تعاقداتها مع شركة غازبروم بالكامل". وأضاف، "بالنسبة إلى عكس اتجاه انسياب الغاز، فهذا حدث بالفعل، لكن لا أستطيع التأكيد أن الغاز المقبل من ألمانيا يذهب إلى (بي جي أن آي جي)"، معللاً عدم الإفصاح بأنه "لأسباب تتعلق بالأسرار التجارية فقط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو هدد الأسبوع الماضي بأن بلاده ستوقف إمدادات الغاز الطبيعي الروسي عبر أراضيها إلى أوروبا إذا فرض الغرب عقوبات على موسكو. ونقلت وكالة "بيلتا" البيلاروسية للأنباء عن لوكاشينكو قوله، "إذ أدت العقوبات، التي فرضوها من قبل أو سيفرضونها في المستقبل إلى وضعنا في حالة طوارئ ولم يعد أمامنا خيار آخر للرد على تلك العقوبات بوسائل أخرى فإننا سنلجأ لهذا الإجراء القاسي".
كما حذر الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قمتهما الافتراضية الأخيرة من عقوبات قاسية على موسكو في حال أي تصعيد عسكري روسي ضد أوكرانيا، وذكر تحديداً وقف الموافقة على عمل خط الأنابيب "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا.
وكانت حكومة المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل قاومت ضغوطاً أميركية في السابق لوقف مشروع خط الأنابيب الجديد. لكن الحكومة الحالية، التي تضم تحالفاً من أحزاب عارضت المشروع من البداية، يمكن أن تكون متعاونة أكثر مع الولايات المتحدة في تعطيل المشروع.
أزمة الغاز
تأتي الأزمة الجديدة في إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا في وقت أيضاً زاد فيه الطلب على الغاز لتوليد الكهرباء، مع تعطل عدد من محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود النووي في فرنسا. وستكون الدول الأوروبية مضطرة إلى السحب من مخزونات الغاز الطبيعي لديها، التي تدنى مستواها بالفعل خلال الأشهر الأخيرة نتيجة السحب منها لمواجهة الطلب المتزايد ونقص العرض في السوق.
وتواجه أوروبا أزمة في الطاقة عموماً منذ الصيف المنصرم، جعلت ألمانيا وغيرها من الدول تلجأ إلى إعادة تشغيل محطات توليد الكهرباء بالفحم التي تقرر تفكيكها بسبب انبعاثات الكربون العالية منها والتي تضر بالمناخ. وزاد الطلب على الغاز الطبيعي من جانب محطات توليد الكهرباء بالغاز مع نقص إمدادات الشبكات الأوروبية بالطاقة من محطات توربينات الرياح التي توقفت نتيجة حركة الرياح الهادئة في الصيف.
وكانت شركة الغاز الطبيعي في النرويج، أكبر مورد للغاز أوروبياً، أعلنت في وقت سابق من العام أنها لا تستطيع تلبية الطلب المتزايد على الغاز في القارة العجوز. وأن أوروبا بحاجة إلى تأمين ما يصل إلى نحو 40 في المئة من استهلاكها بالفعل. هذا فضلاً عن الحاجة إلى إعادة ملء مخزونات الغاز التي تستخدم عند الضرورة وفي الأزمات.