ينتظر التونسيون أن تنطلق في يناير (كانون الثاني) 2022، الاستشارة الشعبية الإلكترونية، التي أعلن عنها رئيس الجمهورية، قيس سعيد، واعتبرها طريقة جديدة للحوار الوطني بعيداً عن الأنماط والمفاهيم التقليدية.
واعتُبرت هذه الاستشارة الإلكترونية من قبل عدد من المتابعين بديلاً عن الحوار الوطني الذي اقترحه الاتحاد العام التونسي للشغل، ورفضه سعيّد على اعتبار أنه نوع من الالتفاف على مطالب التونسيين واصطفاف من الاتحاد إلى جانب الأحزاب الحاكمة، في إشارة إلى التقارب الذي حصل بين اتحاد الشغل وحكومة هشام المشيشي التي أقالها سعيّد في 25 يوليو (تموز) الماضي.
ويسري تساؤل في تونس اليوم حول مدى إمكانية نجاح هذا النوع من الاستشارات الشعبية الإلكترونية في ظل البيروقراطية الإدارية وغياب استخدامات التكنولوجيا الرقمية في الإدارة.
الرهان هو تأمين منصات الاستشارة
وأكد المهندس الخبير في السلامة المعلوماتية، هيثم نمير، أن "تونس قادرة على إجراء هذا الاستفتاء الإلكتروني، نظراً إلى أن التطبيقات التي تشغّل هذا النوع من الاستشارات الإلكترونية موجودة كمنصات، وهي تضم منتديات للنقاش، ويمكن تطويع هذه التقنية لاستطلاع آراء الناس حول موضوع محدد أو مواضيع عدة، من خلال طرح الأسئلة وتجميع الأجوبة ثم قراءتها وتحليلها".
وشدد نمير على أن "الرهان الأكبر لا يكمن في إجراء الاستفتاء الإلكتروني، بل في تأمين هذه التطبيقات بشكل مطابق للمعايير الدولية"، لافتاً إلى أن "كل ما هو إلكتروني معرض للاختراقات".
السؤال حول الولوج وتحليل المعطيات
وحول الولوج إلى هذه التطبيقات، قال نمير "إن هذه التطبيقات ستكون موجهة إلى مستخدمي الإنترنت أما البقية فستتم استشارتهم مباشرةً، ثم يقع إدخال كل المعطيات في التطبيقات الإلكترونية". وتساءل عن "كيفية التعاطي مع الكم الهائل من المعلومات والمعطيات، فهل سيتم تحليلها وقراءتها يدوياً؟ أم عبر التطبيقات الإلكترونية نفسها؟"، لافتاً إلى أن "التحليل الإلكتروني للمعطيات يتطلب تقنيات متطورة".
وتوقع نمير "بروز صعوبات في بداية إطلاق هذه الاستشارة الإلكترونية المنتظرة في بداية يناير المقبل".
اتخاذ كل الاحتياطات
في المقابل، طمأن سعيّد في الكلمة التي توجه بها إلى الشعب التونسي في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى أنه "تم الإعداد للمنصات الإلكترونية وبدأت بلورة الأسئلة الواضحة والمختصرة حتى تُمكّن الشعب من التعبير عن إرادته، واتُخذت كل الاحتياطات لتأمين الاستفتاء الإلكتروني أو الاستشارة الشعبية". وأضاف أنه "إلى جانب المنصات، سيتم تنظيم استشارات مباشرة في كل معتمدية، على أن تنتهي في الداخل والخارج في 20 مارس (آذار)، تاريخ الاحتفال بذكرى الاستقلال".
زاد أن "لجنة سيتم تحديد أعضائها واختصاصاتها، ستتولى التأليف بين مختلف الاقتراحات وتنهي أعمالها قبل يونيو (حزيران) المقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسيتم عرض الإصلاحات الدستورية وغيرها من المقترحات التي ستنتج عن الاستشارة الإلكترونية، على الاستفتاء في 25 يوليو 2022.
التخوف من العزوف
من جهة أخرى، اعتبر الصحافي التونسي خليفة شوشان، أن "فكرة الاستشارة الإلكترونية جيدة ومعمول بها"، داعياً إلى "تأمينها من الاختراقات، وتعزيزها بحوارات مباشرة مع الأجسام الوسيطة كالمنظمات الوطنية والاتحادات الشبابية والأحزاب غير المتورطة مع المنظومة السياسية السابقة للخامس والعشرين من يوليو 2021 من أجل تقديم فكرة عن التوجهات العامة لكل التونسيين".
ولفت شوشان إلى أن الإشكال سيكمن في "الولوج إلى هذه المنصات، نظراً إلى محدودية من لهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت في ظل بنية تحتية اتصالية مهترئة، وضعف المقدرة الشرائية"، مرحباً باقتراح "الاستشارات المباشرة في المعتمديات".، إلا أنه تخوف من "عزوف الناس عن هذه الاستشارة، وأيضاً عن استفتاء الخامس والعشرين من يوليو 2022".
ردود الفعل
وتباينت مواقف الأحزاب من الاستشارة الإلكترونية الشعبية، فرأى حزب "التيار الشعبي التونسي" في بيان، أن الإجراءات الأخيرة للرئيس تعد "خطوة متقدمة في مسار 25 يوليو لتفكيك منظومة فساد الإخوان"، مطالباً بتشكيل "لجنة للإصلاح السياسي وضبط صلاحياتها ومدة عملها، وإدارتها للحوار المجتمعي مركزياً وجهوياً ومحلياً".
من جهته، أكد "حزب البعث التونسي"، في بيان تأييده إجراء استشارة شعبية واسعة، عبر المنصات الإلكترونية، داعياً إلى "أن تحترم هذه الاستشارة المكتسبات المنجزة خلال عقود من النضال الشعبي". وطالب الحزب بأن "تكون اللجنة المكلفة صياغة الإصلاحات الدستورية والسياسية تعددية وممثلة حقيقة للتوجهات الأساسية لعموم الشعب التونسي".
في المقابل، دعت أحزاب "التيار الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري" و"التكتل الديمقراطي"، أنصارها للنزول إلى الشارع للاحتجاج على إجراءات سعيّد. وشددت هذه الأحزاب على أن أي إصلاح للنظام السياسي أو للقانون الانتخابي أو للمؤسسات الشرعية، لا يكون إلا من خلال حوار وطني جامع وشامل يبلور الخيارات، ويحدد آليات العودة إلى الشرعية الدستورية.
أقل من أسبوعين يفصلان تونس عن خوض أول تجربة إلكترونية شعبية في حياتها السياسية، ستفضي إلى بلورة جملة إصلاحات دستورية سيتم عرضها على الاستفتاء في 25 يوليو 2022، فهل يُقبل التونسيون عليها، في حين سجلت المواعيد الانتخابية الكبرى الأخيرة عزوفاً متنامياً؟