Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إسلام نوسانتارا"... عقيدة التسامح والتعايش في إندونيسيا

يقوم على مبدأ الجمع بين الوطنية والدين ونبذ التطرف والأصولية

متحف "إسلام نوسانتارا" في إندونيسيا (موقع المتحف)

يشير مصطلح "نوسانتارا" بشكل عام إلى جزر الأرخبيل الإندونيسي، ويدل "إسلام نوسانتارا" على الإسلام الذي نما وتطور وازدهر في الأرخبيل نتيجة تفاعل النصوص الإسلامية (القرآن والحديث)، والواقع والثقافة المحلية في المنطقة.

في دراسة نشرها "معهد هادسون"، يرى الكاتب الإندونيسي رمادي أحمد أن هذا التفاعل أدّى في نهاية المطاف إلى تشكّل هوية وثقافة دينية ميزت الإسلام الإندونيسي عن غيره من تجارب الأسلمة في العالم الإسلامي. فمن خلال التمسك بالمصادر الأساسية للإسلام، القرآن والحديث، سمحت عملية الأسلمة لـ87.2 في المئة من السكان الإندونيسيين باعتناق الإسلام دون حروب أو إراقة دماء كبيرة.

نظريات وتكهنات

يقدم مؤرخو الإسلام عديداً من النظريات المستنيرة - وفي بعض الأحيان الكثير من التكهنات - حول تاريخ الإسلام في إندونيسيا. ويجادل البعض بأن الإسلام قد تم إدخاله إلى الأرخبيل في القرن التالي للهجرة، عندما وصل التجار العرب إلى باندا آتشيه. وتدّعي هذه النظرية أن الإسلام الذي جاء إلى إندونيسيا كان الأكثر أصالةً. ولقد اعترف بهذه "النظرية العربية" كتاب سابقون، مثل جون كروفورد، الذي أكد أن التفاعل بين الإندونيسيين والمسلمين من الساحل الشرقي للهند لعب دوراً مهماً في انتشار الإسلام في الأرخبيل. وعلى نحو مماثل، رأى جانجي كيجزر، أن "إسلام نوسانتارا" جاء من مصر، بالنظر إلى التشابه بين المذهب الحنفي ومدرسة الفكر الشافعي السائد في إندونيسيا.

في المقابل، يرى عديد من الكتاب صراحة بأن الإسلام جاء إلى إندونيسيا مباشرة من شبه الجزيرة العربية (وليس الهند) في القرن السابع (وليس القرن الثاني عشر، أو الثالث عشر) عن طريق التجار العرب الذين وصلوا إلى موانئ الأرخبيل، لكن هذه النظرية العربية لا تفسر كيفية حدوث التحول الديني وعملية الأسلمة في إندونيسيا، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى أن التجار العرب لم يهدفوا فقط إلى نشر الإسلام.

نظرية هولندية

هناك نظرية ثانية اقترحها علماء هولنديون، وهي أن الإسلام وصل إلى إندونيسيا من شبه القارة الهندية، وتحديداً من منطقتي غوجارات ومالابار، وليس من بلاد فارس، أو شبه الجزيرة العربية. وبحسب قولهم، فإن العرب الذين كانوا خاضعين للمدرسة الفكرية الشافعية هاجروا واستقروا في الهند، ثم أتوا بالإسلام إلى الأرخبيل. ولقد تم تطوير هذه النظرية لاحقاً من قبل سنوك هورخرونيه، وهو إندونيسي من أصل هولندي، والذي جادل بأنه بمجرد أن ترسّخ الإسلام في عديد من المدن الساحلية في شبه القارة الهندية، انتقل مسلمو الهند إلى إندونيسيا الماليزية كأوائل الدعاة للإسلام. ولقد حدثت هذه العملية في القرن الثاني عشر، الفترة الأكثر احتمالاً لظهور الإسلام بمعناه الحقيقي في الأرخبيل.

نظرية ثالثة

تذهب نظرية ثالثة إلى أن الإسلام وصل إلى إندونيسيا من البنغال (بنغلاديش)، بعد أن وصل أولاً إلى شبه جزيرة الملايو من الساحل الشرقي، وليس من الغرب، وانتقل عبر كانتون وفانرانغ (فيتنام)، ثم ليران ووترينغانو. وتجادل هذه النظرية بأن عقيدة الإسلام في شبه الجزيرة تشبه تلك الموجودة في فانانغ، والشاهد أن عناصر النقش في ترينجانو مشابهة لتلك الموجودة في ليران، لكن المؤرخ الإندونيسي درويس انتقد هذه النظرية، ولا سيما الادّعاء بشأن تشابه النقوش التي اعتبرها غير مدعمة بأدلة قوية. بالإضافة إلى ذلك، فإن المدرسة الفكرية السائدة في البنغال هي المذهب الحنفي، وليس المدرسة الشافعية، كما هو الحال في إندونيسيا.

يتمتع مصطلح "إسلام نوسانتارا" بجذور عميقة في تاريخ الفكر الإسلامي في إندونيسيا. ففي عام 2007، نشرت وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية كتاباً بعنوان "إسلام نوسانتارا" يشمل بحثاً حول تنوع الحركات الإسلامية أجرته مجموعة من المنظمات الإسلامية الإندونيسية البارزة، بما في ذلك الجمعية المحمدية، وجمعية الإصلاح والإرشاد الإسلامية، ومنظمة "بيرساتوان إسلام". وفي العام نفسه، نشر الباحث نور هدى مقالاً بعنوان "إسلام نوسانتارا: التاريخ الاجتماعي للمفكرين الإسلاميين في إندونيسيا". وفي عام 2008، نشرت مؤسسة وحيد كتاباً حول تنوع الإسلام في إندونيسيا.

إشكاليات المصطلح

مع ذلك لم يحظَ مصطلح "إسلام نوسانتارا" بنقاش كافٍ إلى أن جاء مؤتمر الجمعية المحمدية الثالث والثلاثون في عام 2015، حيث برزت انتقادات للمصطلح من قبل جبهة الدفاع الإسلامية وحزب التحرير الإندونيسي، اللذين ينظران إلى الإسلام والقومية على أنهما متناقضان يسعى الجمع بينهما إلى تحويل إندونيسيا إلى دولة إسلامية. وتبرر هاتان الحركتان العنف باسم نشر الإسلام وترفضان جميع أنواع الثقافات المحلية باعتبارها تتعارض مع ما تعتبرانه قيماً إسلامية. لقد انتقدتا "إسلام نوسانتارا" لأنه لم يَرَ أي تناقض بين الإسلام والهوية الوطنية أو بين الإسلام والتقاليد المحلية.

وترتبط هذه الانتقادات بالسياسة الوطنية في إندونيسيا، حيث إن معظم الجماعات التي انتقدت "إسلام نوسانتارا" باعتباره نموذجاً مثالياً هي في الواقع، تنظيمات سياسية معارضة للرئيس جوكو ويدودو. ولقد ازدادت معارضتهم منذ خطاب الرئيس الافتتاحي في المؤتمر الوطني للجمعية المحمدية في مسجد الاستقلال في 14 يونيو (حزيران) 2015. في ذلك الخطاب، أشاد الرئيس ويدودو بـ"إسلام نوسانتارا" قائلاً: "إن إسلامنا هو (إسلام نوسانتارا)". ولقد كانت الحكومة والجمعية المحمدية في ذلك الوقت متحالفتين لوقف انتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيان "إسلام نوسانتارا"

في محاولة لنشر أفكار "إسلام نوسانتارا" عقدت "الجمعية المحمدية" قمة دولية للقادة الإسلاميين المعتدلين في الفترة من 9 إلى 11 مايو (أيار) 2016. وحضر القمة، التي أطلق عليها "نوسانتارا إسلام كمصدر إلهام للسلام العالمي"، نحو 400 مشارك من السودان وليبيا والجزائر والهند وروسيا والمغرب وتايلاند وبريطانيا والسنغال وليتوانيا وإسبانيا واليونان وكوريا الجنوبية والأردن وباكستان وماليزيا وتونس والسعودية، ودول أخرى، ونتج عنها "إعلان نهضة العلماء". ويقدم الإعلان، الذي أصبح معروفاً باسم "بيان إسلام نوسانتارا"، "إسلام نوسانتارا" للعالم كنموذج إسلامي يستحق الاقتداء به. ولقد أكد الإعلان أن الإسلام يسهم في الحضارة العالمية من خلال احترام وتقدير الثقافات الموجودة وتعزيز الانسجام والسلام. كما دعا المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم "لتذكر الجمال والحيوية التي انبثقت عن التفاعل التاريخي بين روح وتعاليم الإسلام مع واقع الثقافات المحلية، والذي تمخضت عنه حضارات عظيمة كتلك التي شهدها الأرخبيل الإندونيسي".

من منظور "إسلام نوسانتارا"، لا يوجد هناك تناقض بين الدين والمواطنة، ويرى أن "حب الأوطان من صميم الإيمان"، وأن "إسلام نوسانتارا"، لا يسعى لحشد أتباعه لغزو العالم، بل يحضهم على السعي باستمرار من أجل تحقيق قيم الكرم والنبل. وبهذه الطريقة، يمكن للإسلام أن يظهر حقاً على أنه نعمة أو رحمة للعالمين. ويحض "إسلام نوسانتارا" على الاقتداء بتعاليم وقيم الإسلام الأساسية واحترامها، بما في ذلك الاعتدال والتسامح ونبذ العنف والإكراه.

التطرف والإسلاموفوبيا

علاوة على ذلك، يسلط الإعلان الضوء على العوامل الكامنة وراء تفشي التطرف الديني والإرهاب والصراعات في الشرق الأوسط والموجة العارمة من الإسلاموفوبيا في الغرب. ويرى أن هذا التطرف هو نتيجة لسوء تفسير الإسلام. وعلى مدى عقود، استغل عديد من الحكومات الاختلافات الدينية - وتاريخ العداء - بين المذاهب الإسلامية القائمة، دون النظر في العواقب على الإنسانية بشكل عام. ومن خلال تعزيز الاختلافات الطائفية أو التمييز، تسعى هذه الدول إلى التأثير على الرأي العام وفرض النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري. وتعمد الدعاية الطائفية إلى تعزيز التطرف الديني وتشجيع انتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم، ما يعزز بدوره من موجة المد الإسلاموفوبي في أوساط غير المسلمين. ويرى إعلان "إسلام نوسانتارا" أنه لا يمكن التغلب على تهديد التطرف الديني والإرهاب إلا إذا كانت هذه الحكومات مستعدة لفتح وبناء مصادر بديلة للشرعية السياسية.

أضف إلى ذلك أن المظالم الاقتصادية والسياسية، وكذلك الفقر الجماعي في عديد من البلدان الإسلامية تلعب دوراً مهماً في تنامي التطرف الديني والإرهاب. ويتم استغلال استمرار الظلم باستمرار كدعاية من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية لتبرير وجودها وأهليتها للحكم.

ويرى رمادي أحمد أن إعلان الجمعية المحمدية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحديات العالمية المستمرة، وبخاصة الصراعات الدينية والسياسية في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي والتطرف المتزايد، والتي نجحت إندونيسيا حتى الآن في التغلب عليها برأس مالها الاجتماعي الخاص.

ولخّص أحمد معالم "إسلام نوسانتارا"، التي تشكّلت من خلال تطور الإسلام في إندونيسيا في ست قيم أساسية، وهي: تعزيز الحوار وسبيل السلام، والتكيف مع التقاليد المحلية، واعتماد سلطة المجتمع المدني، وتقبل الجمع بين الدين والوطنية، والإيمان بالمساواة بين المواطنين، ونبذ التطرف والأصولية.

المزيد من تقارير