بقدر ما صنعت نتائج زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس الحدث، أثارت الجدل في الأوساط السياسية، بسبب الوضع الداخلي التونسي الذي ما زال معقداً، ويشهد تطورات متسارعة، وفي حين رأت أطراف أنها جاءت في وقتها اعتبرتها جهات أخرى أنها تشكل دعماً للرئيس التونسي قيس سعيد.
انتقاد التوقيت
ومنذ الإعلان عن موعد زيارة الرئيس الجزائري إلى تونس، سارعت الأطراف، التي في صراع مع الرئيس التونسي، إلى انتقاد توقيتها معتبرة إياه غير مناسب، ورأت أن التنقل يأتي والساحة التونسية على جدلها بين الرافضين إجراءات وخطوات الرئيس سعيد، والداعمين له، ما جعل المتابعين يرون أن الرئيس تبون دخل ساحة ملغمة، على الرغم من أن الجزائر تتعامل مع تونس كدولة جارة تجمعها بها روابط قوية.
فك العزلة
ورأى الحقوقي التونسي الجزائري محمد آدم المقراني أن زيارة الرئيس الجزائري إلى تونس تأتي في سياق تونسي داخلي محتقن، على أثر الإجراءات الدستورية التي أعلن عنها الرئيس التونسي أخيراً، إضافة إلى خارطة الطريق التي كشف عنها، بداية هذا الأسبوع، التي ستنتهي بتنظيم انتخابات بعد تعديل الدستور وإدخال مجموعة من الإصلاحات على المنظومة السياسية والدستورية الحالية، وقال إن زيارة الرئيس تبون يمكن تصنيفها في سياق فك العزلة عن الرئيس قيس سعيد الذي وجد في الجزائر المساند الوحيد والمطلق على الساحة الإقليمية والدولية للإجراءات التي اتخذها.
وتابع المقراني أن الجزائر تتعامل مع الوضع بواقعية للحفاظ على تونس كحليف استراتيجي في المنطقة، في ظل التنافس مع الجار المغربي والتهديدات الأمنية على حدود الجزائر، مضيفاً أن زيارة الدولة التي كانت استثنائية على مستوى الاستقبال وبروتوكولات الضيافة أكدت عمق العلاقة بين الرئيسين أولاً، ثم على التقارب بين الشعبين والدولتين، إذ تم توقيع قرابة 27 اتفاقية في شتى المجالات، وكذلك منح قرض قيمته 300 مليون دولار لتونس، وأكد الرئيسان الانسجام في المواقف بخاصة في القضيتين الليبية والفلسطينية، إضافة للعمل على إنجاح القمة العربية المقبلة المزمع انعقادها في الربيع المقبل بالجزائر.
تجاذبات
وشهدت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون جدالات بسبب الإعلان عنها من دون تحديد موعدها، وتعتبر الجزائر أن من مصلحتها عدم إقحام نفسها في وضع غير مريح يعيشه التونسيون، بدليل ما تم تداوله من رفض الجزائر استقبال رئيس البرلمان وزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، بعد حل البرلمان من قبل الرئيس قيس سعيد، إذ صرح الرئيس تبون في لقاءات إعلامية أن الغنوشي مرحب به من قبل البرلمان الجزائري، في إشارة ضمنية إلى أن زمن الاستقبال الرئاسي قد ولى، وأن التعامل يتم مع الدولة التونسية وليس مع الأشخاص مثلما كانت عليه الحال خلال فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وعليه، فإن الاعتقاد بأن الجزائر تقف خلف سعيد ليس دقيقاً.
ضمان مصالح ومستقبل الشعبين
وبيَّن القيادي في الحزب الجمهوري التونسي الفاهم مولدي أن زيارة الرئيس تبون تأتي في وضع تونسي متدهور سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لم يسبق أن عرفته البلاد منذ سنوات بسبب العشرية الفاشلة على كل الأصعدة التي عمقت معاناة الفئات الاجتماعية للشعب التونسي وبخاصة المهمشة والضعيفة. مبرزاً أن كلا البلدين بحاجة إلى هذا التقارب وتوحيد الرؤى، لا سيما في المسائل الإقليمية والدولية، إذ تسعى الجزائر إلى مواجهة تهديد وجود إسرائيل على حدودها الغربية، والوضع غير المستقر في ليبيا على حدودها الشرقية، أما الدوافع التونسية فتؤكدها حاجتها الملحة للمساعدة الجزائرية لمجابهة الأزمة المتعددة، إذ إن البلاد على حافة الإفلاس المالي، وتمر بأزمة سياسية عميقة بعد "الانقلاب" والإجراءات التي تبعته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف مولدي أن الشعب التونسي يرحب بكل خطوة ومحاولة تقارب وتمتين العلاقات بين البلدين لما فيها ضمان لمصالح ومستقبل الشعبين، على الرغم من أن هناك من يفهم بأن الزيارة تعبر عن تأييد الرئيس قيس سعيد، وقال إن الشأن الداخلي للبلدين يبقى شأناً داخلياً للبلدين، و"سنواصل رفض خيارات الرئيس سعيد ومواجهتها بكل الأساليب الديمقراطية والسلمية"، موضحاً أن الزيارة لن يكون لها أي تأثير في القوى السياسية والاجتماعية الرافضة إجراءات وقرارات 25 يوليو (تموز) الماضي.
رسائل تبون
وفي خضم التأويلات جاء المؤتمر الصحافي للرئيسين التونسي والجزائري ليقدم بعض الرسائل، وأكد الطرفان الحرص على الدفع بالتعاون الثنائي في مختلف المجالات من أجل الوصول إلى اندماج اقتصادي وآفاق وحدوية ومشتركة، لتمتين علاقات الأخوة المتجذرة بين الشعبين الشقيقين، مشددين على أن هذا الحرص ينبثق من إرادة متبادلة ويترجم التوجه الاستراتيجي الذي يطمحان إلى أن يقوم على الاستغلال الأمثل لمقومات التقارب الإنسانية والتاريخية والثقافية.
وأوضح تبون أن القمة العربية المقبلة التي تحتضنها بلاده، "نريدها جامعة وشاملة، والجزائر لن تكرس التفرقة العربية"، معرباً عن أمله في أن تسهم قمة الجزائر في تحقيق الوئام والتقريب بين هذه الدول، مشيراً إلى أن معرفته بما يجري في العالم العربي تجعله يتفاءل، وأبرز أنه لا يحق لأي دولة أن تتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، داعياً الدول العربية إلى أن تبني علاقاتها على هذا الأساس، وعبر عن أسفه لأن دولاً عربية أقامت أفراحاً حين انقسمت دول عربية أخرى، وقال، "على كل العرب أن يعتبروا بمقولة، أكلت يوم أكل الثور الأبيض، لأن معظم الدول مبرمجة للتقسيم وينبغي التكاتف والتآزر لمواجهة ذلك"، مشدداً على أن القمة المقبلة ستحاول توحيد الرؤى حول القضايا الدولية خارج العالم العربي.