Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تبون في ضيافة سعيد... إسناد دبلوماسي وإمداد مالي وتعاون اقتصادي

جاءت الزيارة بعد ترتيبات ولقاءات بين مسؤولين من الجزائر وتونس بهدف توطيد العلاقات الثنائية

منذ تسلمه مقاليد الحكم، في نهاية عام 2019، لم يُخف تبون دعمه ووقوف بلاده إلى جانب تونس (أ ب)

بعد سلسلة لقاءات جمعت بين مسؤولين من الجزائر وتونس وترتيبات مُسبقة، زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تونس، بدعوة من نظيره التونسي قيس سعيد الذي تواجه بلاده أزمة سياسية وشبه عزلة دبلوماسية، على خلفية تداعيات قرارات 25 يوليو (تموز) الماضي، التي ترى فيها قوى سياسية تونسية "تجاوزاً للمسار الديمقراطي". وضاعفت تلك المشاكل الضغوط الخارجية على بلد مغاربي يتغذى على السياحة لتمويل خزينته.
وجاءت الزيارة الأولى لرئيس جزائري إلى تونس منذ 11 عاماً، تتويجاً لتقارب استثنائي بين البلدين ميز عام 2021، إذ ترسخت "سنة التشاور والتنسيق القائمة بين القيادتين في البلدين، حول القضايا الإقليمية والدولية الراهنة"، وفق بيان صدر عن الرئاسة التونسية.

متابعة دقيقة

وظلت السلطات الجزائرية تراقب الوضع في تونس عن كثب، من خلال المتابعة الدقيقة لحالة الانسداد السياسي من دون التدخل في شؤونها الداخلية، وذلك منذ 25 يوليو الماضي، تاريخ تجميد قيس سعيد، نشاط البرلمان الذي يرأسه راشد الغنوشي زعيم حركة "النهضة"، وإقالته رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأوفد تبون وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، مبعوثاً شخصياً له إلى قصر قرطاج، بمعدل ثلاث مرات في غضون شهر، وتحديداً في الفترة الممتدة بين يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيَين. كما تبادل رئيسا الوزراء في البلدين الزيارات.
ومنذ تسلمه مقاليد الحكم، في نهاية عام 2019، لم يُخف تبون دعمه ووقوف بلاده إلى جانب تونس، إذ استقبل سعيد في قصر المرادية بالعاصمة الجزائرية في فبراير (شباط) 2020، وتم خلال الزيارة التوقيع على اتفاقيات اقتصادية وتجارية عدة، إضافة إلى ضخ وديعة جزائرية بقيمة 150 مليون دولار في البنك المركزي التونسي، وتسهيل دفع تونس فاتورة الغاز والمحروقات "ما دامت تواجه مصاعب في ذلك"، وفق تعبير الرئيس الجزائري حينها.
وتعززت درجة التنسيق بين البلدين في كل المجالات، إذ أرسلت الجزائر مساعدات طبية عاجلة إلى تونس، الصيف الماضي، لمساعدتها في مواجهة انتشار سريع وخطير لفيروس كورونا، تمثلت في 20 طناً من المعدات الطبية والأدوية، و250 ألف جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وشحنات أوكسجين، في أعقاب انتشار واسع للسلالتين المتحورتين ألفا ودلتا.
وفي كل مرة، تحاول الجزائر تمرير رسائل إلى الدول التي تراقب الوضع في تونس، مفادها أن التواصل الدائم والمستمر "ليس تدخلاً في الشأن الداخلي التونسي، وإنما دعم يحكمه التاريخ والجغرافيا"، مع التأكيد على الوقوف ضد الضغوطات الخارجية التي تواجه تونس.
في الجهة الموازية، يعول سعيد على الدعم المباشر للجزائر، إذ يبحث أولاً عن سند دبلوماسي خارجي، وثانياً لإمداده مادياً، للتقليل من حدة العجز الذي يُواجه الخزينة كما يقول خبراء، وهو ما حصل فعلاً، إذ قبل ساعات من وصول تبون إلى تونس، رصدت تقارير إعلامية نقلاً عن الجريدة الرسمية التونسية أن تونس التي تعاني من أزمة اقتصادية حادة وتواجه عجزاً مالياً قياسياً، تسلمت قرضاً بقيمة 300 مليون دولار من الجزائر، بموجب اتفاق أُبرم في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على هامش الزيارة الأخيرة التي أجراها أيمن بن عبد الرحمن، الوزير الأول الجزائري ووزير المالية، إلى تونس على رأس وفد وزاري مهم.

دعم السلطة الأقوى

من جهة أخرى، رأى الصحافي الجزائري محمد سيدمو، أن "التوقيت الحساس لزيارة عبد المجيد تبون يعكس بوضوح دعم الجزائر للرئيس قيس سعيد باعتباره السلطة الأقوى في تونس، والتي تلتف حولها مؤسسات الدولة وأجهزتها، وهذا مهم جداً كونه يضمن استمرارية الدولة التونسية التي تمثل بالنسبة للجزائر جاراً استراتيجياً كونه البلد الوحيد في المحيط الذي يمكن لها التعاون معه في المجالات الاقتصادية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتعاون على حل أزمات المنطقة الإقليمية وتحديداً ليبيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال سيدمو "صحيح أن الجزائر تمتنع عن إبداء الرأي في مسائل تخص الشأن الداخلي التونسي لأن ذلك يتعارض مع خطها الدبلوماسي، لكنها عبر تصريحات مسؤوليها والمساعدات المالية السخية، تؤكد أنها لا تعارض توجه قيس سعيد بل تتفهمه، وما يؤكد ذلك، تصريح الرئيس الجزائري الذي ذكر صراحة بأن تونس اعتمدت نظاماً سياسياً لا يتناسب مع ما هو معمول به في العالم الثالث والمنطقة، أي أن الجزائر تفضل التعامل مع نظام رئاسي مباشر يشبهها بدل النظام في تونس الذي أدى إلى حالة الانسداد الحالية". ويتوقع مراقبون تونسيون، أن تتجه تونس نحو اعتماد نظام رئاسي بدل البرلماني، بعد تزايد القناعة بأن النظام البرلماني لم يعد صالحاً لبسط الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
واعتبر الصحافي الجزائري أن "زيارة تبون إلى تونس، تعني بالنسبة إلى قيس سعيد، أنه قوي ويحظى بالاعتراف وقادر على استقطاب الدعم المالي الذي هو حجر الزاوية في الأزمة التونسية، إذ إن الشعب التونسي يعتقد أن أبرز إشكالات النظام الذي عطله سعيد هي أنه لم يحقق التنمية".

صد للمتاعب والانزلاق

في سياق متصل، لفت الباحث السياسي الجزائري، عادل أورابح، إلى "أهمية الزيارة التي يجريها تبون إلى تونس، فهي أول زيارة لرئيس جزائري إلى ذلك البلد منذ عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، كما أن حجم الوفد الوزاري المرافق للرئيس يدل على طابعها المهم أيضاً".
وتضع تطورات إقليمية زيارة تبون في سياقات تلازُم الموقفين التونسي والجزائري، وهنا أكد أورابح أن "تونس بلد مجاور لليبيا، وتمثل على الصعيد الأمني بالنسبة للجزائر منطقة دفاع متقدمة بوجه كل التهديدات المقبلة من ليبيا المضطربة. كما أن الأزمة السياسية التي تمر بها تونس بإمكانها أن تنزلق إلى أزمة أمنية قد تزيد من متاعب الجزائر. وبحسب تصريحات الطرفين فإن كل الملفات ستكون مطروحة للنقاش، وهناك على الأرجح اتفاقيات عدة سيتم توقيعها".

ملفات إقليمية

تتوافق قراءة أورابح، مع قول مراقبين، إن "لزيارة تبون علاقة بالأوضاع في ليبيا مع تزايد الحديث عن سيناريو تأجيل الانتخابات وما سينتج عنه من إمكانية عودة حالة الفوضى، ما يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في ظل احتمالات استعادة الجماعات الإرهابية لقدرتها على التحرك في ليبيا".
ويرى البعض أن الزيارة ترتبط أيضاً بترتيبات القمة العربية المقبلة المفترض عقدها في الجزائر، وضرورة توحيد المواقف بين البلدين، إضافة إلى العلاقة مع دول الاتحاد الأوروبي وتحديداً مع فرنسا التي ساءت علاقتها بالجزائر، في ظل احتمالات تقدم اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا وأثر ذلك على علاقتها بتونس والجزائر، إذ يقيم فيها الملايين من أبناء هذين البلدين.

المزيد من العالم العربي