Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسألة "لم الشمل" تؤرق المهاجرين السوريين في أوروبا

أبرز العوائق التي تواجه تلك القضايا الأعداد الكبيرة للدعاوى أمام محاكم الهجرة

بات مشهد التقاء الآباء المهاجرين وأولادهم مألوفاً في المطارات الأوروبية (اندبندنت عربية)

حين فُتحت أبواب الهجرة أمام السوريين الفارين من لهيب المعارك في وطنهم قبل أكثر من 10 سنوات، وبلغت ذروتها في عام 2015، اختار المهاجرون القدوم إلى القارة العجوز سعياً منهم إلى حياة مستقرة لطالما حلموا بها. وعلى الرغم مما مروا به من تجارب مريرة على متن زوارق الموت، وهم يجففون ثيابهم من مياه بحار عاتية ومتلاطمة الأمواج، لكنهم لم ينسوا أنهم تركوا جزءاً من لحمهم ودمهم في الوطن، زوجة أو حبيبة أو شريك حياة، أو ابناً وابنة.
بعد استقرارهم في البلاد الجديدة، وسعي كثيرين منهم إلى الاندماج مع المجتمعات الوافدة، عبر تعلم اللغات والسعي نحو فرص العمل لكسب الرزق، ارتسمت أمامهم تحديات عدة، لعل أبرزها وأكثرها صعوبة، الاستقرار العائلي. وأقلقت قضية "لم الشمل" نسبة واسعة من المهاجرين وقضت مضاجعهم.
وينص القانون الأوروبي على حق الزوج أو الزوجة الحاصل على إقامة دائمة أو جنسية من إحدى دول الاتحاد الأوروبي، طلب إحضار زوجته أو زوجها وأولادهم، شريطة بلوغهم السن القانونية.
وأحصت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد السوريين في آخر إحصاء أجرته هذا العام، بنحو 6.7 مليون شخص، يوجد معظمهم في الدول المجاورة لسوريا (تركيا 3.7 مليون، لبنان 916000، الأردن 655000)، بينما وصل عدد اللاجئين السوريين في أوروبا إلى مليون لاجئ (ألمانيا 800 ألف، السويد 190 ألفاً).

الدروب المسدودة

في غضون ذلك، وعندما تتكلل مساعي أرباب العائلات في بلاد الاغتراب بالنجاح في لم شمل عائلاتهم، تجد آباء وأبناء في المطارات الأوروبية يحملون باقات الورود بانتظار خلانهم.
ويعبر عن تلك المشاعر أحد المقيمين في العاصمة الألمانية برلين، إذ يتحدث الشاب حسام فندي عن زواجه عن بعد من فتاة أحلامه وخطيبته منذ أكثر من عشر سنوات بفرحة لا توصف، ويقول "لقد وصلنا إلى نهاية سعيدة بعد انتظار طويل أتممنا عقد القران، يحتاج الأمر إلى صبر، لكن العمر يمضي".
في المقابل، تختزل الدموع المنهمرة من مقلتي سيدة سورية حين روت حكاية فراق زوجها اللاجئ في ألمانيا، وكابدت فيها الأم لثلاثة أطفال، مشقة انتظار وصول تأشيرة السفر بفارغ الصبر بعدما قاست صعوبات الحياة بمفردها، وأنهكتها متطلبات المعيشة ببلد يعيش الحرب والحصار.
وسرعان ما تبدلت دموعها فرحاً مشوباً بالحزن بعد انتظار طال أمده، هي تلملم حاجياتها وتنطلق إلى بيروت ومنها إلى تركيا بعد تحديد موعد لمقابلة في السفارة الألمانية بشأن الهجرة، على أمل الالتحاق بزوجها بعد دعوته لها عبر المحاكم الألمانية إلى قضية يطلق عليها تسمية "لم الشمل".

حلم السفر والاستقرار

تروي السيدة أم جوري حكاية معاناتها في الانضمام إلى شريك حياتها في دولة أوروبية لطالما راودهما حلم السفر إليها والاستقرار بها هرباً من الأوضاع الداخلية لبلدهما المشتعل بالصراعات. وبعد قرارهما الهجرة خارج سوريا، توجت هذه التجربة بالنجاح على الرغم من الانتظار الطويل ومحاولة فاشلة سابقة للسفر إلى تركيا. وتردف أم جوري "حين فقدنا الأمل بإجراء مقابلة لم الشمل لكثرة الدعاوى المقدمة، عزمت اللحاق به عبر طرق التهريب المتبعة، والمخاطرة من جديد بركوب البحر لكن خذلتنا شبكة التهريب، تعرضنا للاحتيال وخسرنا كثيراً من المال، عدنا أدراجنا إلى سوريا إثر ما قاسيناه من أهوال رحلة لم تكتمل لعدم وجود من أعتمد عليه".
وثمة تشابه في قضايا "لم الشمل" بين الزوج أو الزوجة والعائلة، فالقوانين التي تؤطر هذه الحالات صارمة ولا بد أن تعالج بكثير من الدقة من قبل مؤسسات شؤون الهجرة والمهاجرين.


على قوائم الانتظار

يعتقد الناشط في شؤون المهاجرين ببرلين، رافي حاج سعيد، أن "أولى القضايا وأصعبها تلك التي يواجهها اللاجئ بعد منحه حق اللجوء والإقامة هي بالحقيقة قضية لم الشمل". ويعزو البطء في منح ذلك الحق للمهاجرين، لأسباب تتعلق بكثرة الدعاوى المقدمة. ويضيف "يخيل لكثيرين من اللاجئين ومنهم السوريون بأن الألمان بطيؤون في إجراء هذه المعاملات، وهي بالتأكيد قضية ذات بعد إنساني، لأنها تفضي إلى لم شمل الأسرة التي مزقتها الحرب والهجرة، ولكن الأمر مقابل ذلك يتعلق بكثرة الدعاوى وهي بالآلاف، ويحتاج التحقق منها الكثير من الوقت والصبر".
وكانت السلطات الألمانية في يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت عن انتظار نحو 11 ألف شخص من أقارب المهاجرين في ألمانيا وخصوصاً السوريين منهم، مواعيد لدى البعثات في الخارج، بغية الحصول على تأشيرات للانضمام إلى عائلاتهم. وكشفت مجموعة "فونكه" الإعلامية عن وجود 10 آلاف و974 طلباً موزعة بين الممثليات القنصلية الألمانية في لبنان، وشمال العراق، وتركيا.

البديل وصعوبة الوصول

في غضون ذلك، يتجه المهاجرون السوريون إلى العمل على إيجاد طرق بديلة للم الشمل العائلي، بعد طول فترات الانتظار، عبر تهريب الزوجة أو الأطفال وإدخالهم بذات الطريقة غير الشرعية، إلا أن هذا التصرف ثبت عدم جدواه نظراً للمخاطر التي تتكبدها العائلة، لا سيما الأطفال.
من جهة ثانية، حاولت السلطات في دول الاتحاد الأوروبي سد الثغرات على حدودها، لا سيما الطريق البيلاروسي، وباتت منافذ كثيرة اعتمدت عليها شبكات التهريب لا تفي بالغرض.
إلا أن اللاجئ السوري، الملقب بـ"أبو جاسم"، يرى أن الأمر يستحق المخاطرة، ويقول "لقد نفد صبرنا، وكان لا بد من إيجاد حلول. لقد قدمت زوجتي وأطفالي أخيراً وبدأنا حياة جديدة، حقيقة لا أشعر بغربة بعد اليوم بين عائلتي الصغيرة".
في هذه الأثناء، سمحت السلطات في ألمانيا، البلد الأكثر جذباً للمهاجرين السوريين، بهجرة بلغت ذروتها في عام 2015. واتبعت قواعد طلب لم الشمل بطريقة ناجحة. ولفت موقع البعثات الخارجية لألمانيا الاتحادية في تركيا أن "طلب لم الشمل لا يكون ممكناً لأكثر من زوجة، أو طالما أن إجراءات معاملة اللجوء في ألمانيا غير مكتملة، أو للحاصلين على وثيقة ترحيل مؤقت".

التخطيط للزواج

أما في السويد، وبحسب إحصاءات رسمية صادرة عن المركز الوطني السويدي، فيشكل المهاجرون السوريون أكبر جالية سكانية، بنحو مئتي ألف شخص، يليهم العراقيون. ويرى المحامي السابق في قضايا المهاجرين لدى محاكم ستوكهولم، عدنان طقش، أن "المعاناة الكبيرة تكمن في من يريد التخطيط للزواج من الشباب، حيث إن بعضهم حصل سابقاً على قرار بالإقامة المؤقتة. وإذا أراد تقديم طلب التخطيط للزواج فيجب عليه أن يحقق شروط الإعالة (أي الإعالة من دون مساعدات) والسكن، أو يكون ممن يمتلكون عقد عمل دائم، فالراتب يجب أن يكفي الزوجين أو الزوجين والأطفال. وهناك مقدار محدد لكل فرد من هؤلاء. وهذه المبالغ متوفرة على موقع الهجرة السويدي ويتم تعديلها في بعض الأحيان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتقد المحامي طقش أن "المشكلة الأخرى تتعلق باقتناع المحقق الذي يتولى التحقيق في القضية برسوخ العلاقة بين الزوجين، حيث إن كثيرين يتمون عقد زواج صوري، فيقوم المحقق برفض القضية، ويعتبر أن العلاقة غير راسخة".

مدة لم الشمل

وعن مدة "لم الشمل"، صرح متابعون لشؤون الهجرة بأنه "من خلال نظرة على إحصائيات دائرة الهجرة السويدية يمكن ملاحظة عدد قضايا لم الشمل المفتوحة، وعددها ليس كبيراً قياساً على قضايا الحصول على الجنسية السويدية".
وبحسب إحصاءات حديثة أفادنا بها أحد المتخصصين في دوائر الهجرة بالسويد، توجد لدى مصلحة الهجرة السويدية 28738 قضية "لم شمل" مفتوحة مقارنةً بـ99500 قضية طلب جنسية مفتوحة، مع العلم أنه في كل شهر تقوم مصلحة الهجرة بالبت في نحو 10 آلاف قضية جنسية.
وهناك قضايا "لم الشمل" عديدة لا تستوفي المعايير الصحيحة المعتمدة من قبل مصلحة الهجرة، وربما يكون من الأفضل لأصحاب هذه القضايا أن تأخذ وقتاً أطول، "لعل وعسى" يستطيع صاحب القضية استكمال النقائص في طلبه، مثل متطلبات الإعالة أو السكن. وفي كثير من الأحيان لا يكون لمقدم الطلب الخبرة الكافية في التقديم الرسمي، فيرتكب أخطاء عدة، أو تكون الوثائق المطلوبة ناقصة.

الانتظار الطويل أو القوارب "البلم"

من جهة ثانية، تبرز تحديات تواجه السوريين وتمنعهم من الوصول إلى إحدى السفارات المعتمدة لإجراء مقابلات "لم الشمل" وهي خمس سفارات. ويفضل كثير من الأشخاص السودان كوجهة لإتمام المعاملات، وهذا يشكل ضغطاً على السفارة ذاتها، ويؤخر أيضاً إتمام المقابلة.
ومن دوائر الهجرة في أوروبا إلى البعثات الدبلوماسية في عدد من البلدان العربية، يجتهد السوريون في لم شمل عوائلهم، مخافة المخاطرة باللجوء إلى القرار الأصعب وهي "قوارب الموت" المسماة بـ"البلم"، والزج بهم في الغابات الموحشة لمواجهة الأخطار المحدقة بهم.
وفي ما عدا ذلك، ليس لديهم إلا الانتظار والصبر فهم محكومون به منذ عقد من الزمن وحتى اليوم.

المزيد من تقارير