Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البطاريات التالفة تقتل سكان غزة

لا توجد طريقة لإعادة تدويرها وإسرائيل ترفض تصديرها

أكثر من 25 ألف بطارية تالفة مكدسة بين منازل السكان في غزة  ((اندبندنت عربية – مريم أبو دقة)

كان وقع الصدمة كبيراً على رامي، حين أبلغه الطبيب بإصابته بتسمم الرصاص في الدم، وغضروف يضغط على العصب المركزي. مهنة الرجل في تجميع البطاريات التالفة وإعادة فرزها لضغطها كانت السبب في معاناته المرضية، وفق تشخيص العاملين الصحيين.

لكن على الرغم من ذلك، لا يستطيع رامي ترك مهنته والبحث عن فرصة أخرى، فهو يعيش في قطاع غزة الذي بالكاد يجد فيه السكان عملاً يوفر لهم متطلبات أسرهم، في ظل تخطي البطالة حاجز 65 في المئة، وتوقف نحو 300 ألف من العمال عن عملهم.

للعام العاشر على التوالي يعمل رامي في مهنة تجميع البطاريات التالفة، يقول "كل يوم أصل إلى مكان تكديس البطاريات أجد بخاراً يتصاعد منها، وأنا أجهل سببه، ولم أكترث له كثيراً، حتى تبين لاحقاً أنه تبخر للرصاص المسال في البطاريات، واستنشاقه المتكرر يسبب أمراضاً قد أصبت ببعضها كما أبلغني الطبيب".

بين منازل المواطنين

مثل رامي كثيرون، لكن لا توجد إحصاءات رسمية حول أعداد المصابين بأمراض نتيجة تجميعهم البطاريات التالفة، وكذلك غير متوفر بيانات رسمية لأعداد العاملين في هذا المجال، كونهم عمالاً غير منظمين ولا تجمعهم بيانات حكومية.

في الواقع، يعتمد سكان غزة منذ عام 2006 على البطاريات مصدراً بديلاً للطاقة بعد قصف إسرائيل شركة توليد الكهرباء، ويستخدمونها لإنارة منازلهم، في ظل انقطاع التيار عنهم لأكثر من عشر ساعات يومياً.

ومنذ ذلك الوقت، بدأت مهنة جمع البطاريات التالفة من منازل المواطنين، ويقوم العاملون بها على تكديسها في أراض فارغة منتشرة بين منازل السكان، على أمل تصديرها من جديد لإعادة تدويرها.

فغزة المحاصرة، تفتقر إلى أدنى مقومات إعادة تدوير البطاريات بطرق علمية، لذلك يضطر العاملون إلى تجميع التالف منها لكبسها على شكل مكعبات كبيرة، استعداداً لتصديرها إذا سمحت إسرائيل بذلك.

البطاريات التي تصل غزة تحتاج إلى وقت طويل حتى تتحلل، بخاصة أنها صنعت قابلة لإعادة التدوير، لذلك يرفض المسؤولون الحكوميون وضعها ضمن النفايات الصلبة التي يجري حرقها كل فترة.

تصدير التالف ممنوع أمنياً

وبالعادة، يعمل العاملون في مهنة تجميع البطاريات التالفة على ضغطها بأدوات بدائية ومكابس يدوية، فإسرائيل تمنع كذلك إدخال أدوات حديثة لهذه المهمة الشاقة، وفقاً لحديث مسؤول مصدري الخردة والمعادن، عيد حمادة.

يقول حمادة، "في غزة أكثر من 30 ألف طن من البطاريات التالفة مجمعة في أكثر من 30 موقعاً، وكل يوم يتم تجميع عدد كبير منها من منازل المواطنين ومن السيارات، وللعام الـ15 على التوالي تمنع إسرائيل تصديرها متحججة بذرائع أمنية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجميع 30 ألف طن من البطاريات التالفة خلال 15 عاماً يعد رقماً كبيراً نسبياً، إذ إنه قابل للزيادة خصوصاً أنه دخل غزة منذ بدء الحصار ما يقارب خمسة ملايين بطارية، وبحسب إحصائية وزارة الاقتصاد وصل القطاع ما يزيد على 80 ألف بطارية للاستخدام المتنوع خلال الأعوام الثلاثة، بالإضافة إلى دخول أكثر من 150 طناً من مستلزمات تجديد البطاريات الفترة نفسها.

وبحسب عيد، فإنه يجب تصدير البطاريات التالفة بأي طريقة يرى الجانب الإسرائيلي أنها مناسبة، وإذا لم يحصل ذلك فإنها تسبب كارثة بيئية وصحية لسكان غزة، وبدأت آثارها تظهر بالفعل، إذ أصيب العديد من العاملين فيها بأمراض خطيرة ومزمنة.

إعادة تدوير بدائية

سماح إسرائيل بإدخال مئات الأطنان من مستلزمات تجديد البطاريات، بدل تصديرها، فتح الباب لسكان غزة للعمل على عمليات إعادة تدوير التالف منها، لكن هذه العملية تجري بطرق غير رسمية ولا علمية، ومن دون مراعاة معايير السلامة، وعادة ما يكون العاملون فيها غير متخصصين.

فعادة ما يعمل العاملون في إعادة تدوير البطاريات داخل غرف منازلهم التي حولوها إلى ورشات صغيرة، وهذه المعامل لا تكون خاضعة لأي مراقبة أو إشراف ينظم عملهم بطرق سلمية، إذ تنفي وزارة الاقتصاد مسؤوليتها عن عمل تلك الورش.

ووفقاً لإحصاءات غير رسمية، في غزة نحو 50 ورشة تعمل في مجال إعادة تدوير البطاريات، وبحسب الباحثين الصحيين فإن الخطر لا يكمن في إعادة التدوير، وإنما في الطريقة البدائية التي يعتمد عليها العاملون في المجال، التي لا توفر أي معايير سلامة سواء على مستوى مكان الورشة أو خطوات العمل.

وشكل وجود ورش إعادة تدوير البطاريات التالفة بين منازل المواطنين مخاطر صحية على السكان المجاورين، إذ بعد تفكيك القطعة يصهر العاملون الرصاص والزئبق الموجود داخلها، ويتعرضون برفقة سكان المنطقة للبخار المتطاير، الأمر الذي يسبب أمراضاً صحية كحالة رامي.

مخاطر على البيئة

يقول مدير دائرة النفايات الصلبة والخطرة في سلطة جودة البيئة، محمد ‫مصلح، إن الأخطر من عمل ورش تدوير ‫البطاريات هو قربها من التجمعات السكنية، الأمر الذي يجعلهم معرضين بشكل مباشر لتسرب ‫الغازات السامة منها.

ويوضح مصلح، "أن البطاريات التالفة تحتوي على مادة الرصاص والزئبق، ولهما مخاطر بيئية على التربة ومخزون المياه الجوفي"، مؤكداً "أن تسرب محتوياتها للبيئة يجعل غزة على شفا كارثة بيئية". ويشير إلى "أن غراماً واحداً من الزئبق إذا تسرب إلى المياه الجوفية يمكن أن يلوث مليون لتر من المياه الجوفية، لذلك فإن إلقاء تلك البطاريات في مكبات النفايات الصلبة خطر جداً وإجراء ممنوع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير