Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت مستحيلا؟

القضاء لا يزال صامداً في وجه التدخلات والتهديدات التي أطلقت من أكثر من مرجعية سياسية

يواجه القضاء أزمة تكاد تكون الأخطر في تاريخ لبنان (غيتي)

لا تزال التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت في نفق مجهول، بعد أن علقت بفعل عشرات الدعاوى التي تقدم بها الوزراء والنواب المدعى عليهم في القضية ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، تحت عناوين "الارتياب المشروع ومخاصمة الدولة ودعاوى الرد وكف اليد"، في استغلال فاضح للنصوص القانونية بهدف عرقلة العدالة وفق ما يعتبر متخصصون في القانون، حيث علقت التحقيقات 3 مرات، كان آخرها منذ شهر، وهي لا تزال معلقة بانتظار البت ببعض الدعاوى، التي تجاوز عددها الـ25، حيث توالت الدعاوى منذ عدة أشهر، وأسهمت في تعميق المشكلة وإدخال التحقيق في متاهات النزاعات التي لا طائل منها.

وأشار مصدر قضائي إلى أن الضغوط السياسية على القضاء لم تتوقف منذ أن بدأ المحقق العدلي السابق فادي صوان التقدم بالملف، واستكملت بشكل أوسع مع تسلم القاضي طارق البيطار الملف، مؤكداً أن الجسم القضائي استطاع صد كل التدخلات والضغوط السياسية، وتصدى للتهديدات التي أطلقت من أكثر من مرجعية سياسية، موضحاً أن استمرار تعليق التحقيقات مرتبط بدعاوى قانونية، وليس بأسباب سياسية، متوقعاً حسم الملفات العالقة واستئناف التحقيقات خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة.

في حين لا تزال مصادر "حزب الله" تؤكد أن عودة جلسات الحكومة يجب أن تقترن بوضع ملف تحقيقات المرفأ بنداً أول على جدول أعمال الحكومة، مشددة على أن عزل البيطار يضع حداً لـ"الاستنسابية التي يمارسها، لا سيما لناحية الاستدعاءات التي تستهدف فريقاً معيناً"، معتبرة أن عمل البيطار بات في سياق معركة تُساق ضد "حزب الله".

"السر الكبير"

وفي السياق، يشير الصحافي أحمد عياش، إلى أن "حزب الله" اتخذ قراراً واضحاً بوقف تحقيقات المرفأ بشكل نهائي، "لو كلف الأمر تطيير الحكومة واستفحال الأزمة الاقتصادية في البلاد"، كاشفاً عن أن الحزب لديه معلومات أن من بين الأوراق التي بحوزة المحقق العدلي ما يفيد بأن الحزب كان ممسكاً طوال الأعوام التي استقرت فيها أطنان نيترات الأمونيوم في المرفأ بمقاليد الأمور في العنبر رقم 12، حيث استقرت هذه المادة، وعلى الرغم من أن القرار الظني لن يكون الحكم النهائي، فإن صدوره سيكشف عن السر الكبير الذي يريد أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله كتمانه بأي ثمن".

إلا أن مصادر الحزب تنفي هذه المزاعم، وتؤكد أن "قضية انفجار المرفأ ملف أساسي لن يتنازل عنه الحزب"، مشيرة إلى أن "إصرارها على كشف الحقيقة هو الرد على الاتهامات التي تُساق ضده بشأن مسؤوليته عن الانفجار، والتأكيد أنه لا علاقة له بنيترات الأمونيوم"، ومؤكدة أن "عزل البيطار وتعيين آخر غير مسيس سيكشف بشكل قاطع عن براءة الحزب من التهم".

أزمة غير مسبوقة

ويواجه القضاء أزمة تكاد تكون الأخطر في تاريخ لبنان، إذ لم يسبق أن تعرض القضاء لتدخلات سياسية علنية كالتي تحدث في المرحلة الحالية، حيث برز اقتحام مسؤول أمني من الحزب قصر العدل، وهدد القضاة علناً، وتكاد لا تخلو إطلالات أمين عام "حزب الله" من الاتهامات الصريحة للمحقق العدلي أنه ينفذ أجندة أميركية، كما كان مستغرباً في آخر جلسة لمجلس الوزراء أن يهدد نائب للحزب السلطة التنفيذية في حال لم تتخذ إجراء ضد القاضي، وتبع ذلك حينها ما حصل من اقتتال الدامي في منطقة الطيونة.

وأخيراً، جدد نصر الله هجومه على القضاء، مستذكراً موقفه السابق باعتبار أن هناك استنسابية في التوجه القضائي الذي يقوم به القاضي طارق البيطار. واعتبر أن القرارات التي صدرت تؤكد أن "القضاء كله مسيس، والاستنسابية ظهرت عندما رفض القضاء كل دعاوى الرد والارتياب بحق القاضي البيطار"، مشيراً إلى أن السفارة الأميركية تقف خلف قرار القاضي، سائلاً إذا كان هناك أي قاضٍ يجرؤ على تنحية المحقق العدلي. وأضاف، "هناك قاضٍ قرر ذلك، ولكن حدث هجوم على منزله، وتم تهديده". وهو يقصد هنا القاضي حبيب مزهر.

واعتبر أن "القضاء يحمي بعضه بعضاً، فيما هناك موظفون موجودون في السجون، ولا يتم التحقيق معهم". وجدد التأكيد أن المسار القضائي الحالي مسار استنسابي لا يوصل إلى أي عدالة، ولا إلى أي حقيقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التحقيق في وضع حرج

ويلفت الصحافي القضائي يوسف دياب إلى أن التحقيقات متوقفة منذ أكثر من شهر بسبب دعاوى الرد أو كف اليد المقدمة من السياسيين ضد القاضي، وذلك على الرغم من صدور قرارات عن الهيئة العامة لمحكمة التمييز لرد دعاوى مخاصمة الدولة ضد البيطار، وعلى الرغم من تحديد هذه الهيئة المرجعية ليُقدم أمامها الدعاوى لتنحية المحقق العدلي، والتي هي محكمة التمييز.

ويشير إلى أنه "من دون شك، وضع التحقيق اليوم حرج للغاية، لأن المنظومة السياسية نجحت في تجميده وتعليقه، وبات الملف أمام خيارين، إما أن ينجح مجلس النواب بفصل محاكمة الوزراء والرؤساء وإحالتهم إلى المحكمة أو الهيئة العليا لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وإما أن يستكمل القاضي عمله، ولكن أمر الدعاوى ضده سيستمر حينها لإغراق التحقيقات".

ويرى دياب أن "هناك هواجس متوقعة قد تواجه التحقيقات في حال قرر المجلس النيابي جلسة مجلس النواب تحويل القضية إلى لجنة تحقيق برلمانية، أو تفعيل محكمة الرؤساء والوزراء، إذ إن الهدف هو حماية المتهمين من المثول أمام المحقق العدلي الذي بات يملك الكثير من المعطيات".

وتوقع دياب أن تقف المنظومة السياسية الحاكمة بشكل حاسم ضد عملية استكمال التحقيقات كي تحمي نفسها من المحاسبة والمساءلة القضائية، حيث "تحاول المنظومة تكريس مقولة إن القضاء هو على الفقراء فقط، وعلى كل من لا يحظى بدعم أو سند سياسي"، مشدداً على أن "منظومة الفساد والإجرام تعمل على حماية نفسها، عبر عودة التكاتف فيما بينها، على الرغم من تضارب المصالح فيما بين بعض أفرقائها"، وعليه، لا يبدو في المدى المنظور، أنه سيتم الإفراج عن التحقيقات.

سقوط الصفقات

بدوره، يرى المحامي الموكل من قبل أهالي ضحايا مرفأ بيروت، مازن حطيط، أنه في الوقت الذي تعلق فيه التحقيقات، تقوم الأحزاب الحاكمة بالتفاوض فيما بينها على ثمن "رأس القاضي"، كاشفاً عن صفقة يحاول التيار الوطني الحر تمريرها مع الثنائي الشيعي، "حزب الله" و"حركة أمل"، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تقضي بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لسحب ملف الوزراء والنواب المتهمين من يد القاضي البيطار، مقابل أن يحصل التيار الوطني الحر على مطلبه بعدم إشراك المغتربين في الدوائر الوطنية للانتخابات المقبلة، وحصر أصواتهم في دائرة خاصة، وفي المقابل يعطى الرئيس نجيب ميقاتي الضوء الأخضر لدعوة مجلس الوزراء للاجتماع.

وأشار إلى أن صفقات عديدة لعزل القاضي البيطار أجهضت بفضل ثبات أهالي الضحايا وانكشاف مخططات السلطة، موضحاً أنه تم إحباط أكثر من 25 دعوى رد وكف يد ضد القاضي منذ سنة حتى الآن، إضافة إلى سقوط محاولة المقايضة بين قضية أحداث الطيونة وانفجار المرفأ، متوقعاً انهيار الصفقة التي تحاول إخراجها السلطة حالياً.

ولفت إلى أن الجسم القضائي نجح حتى الآن في تحدي المواجهة مع المنظومة الحاكمة، وأفشل جميع محاولات استخدام القانون لعرقلة العدالة، كاشفاً عن أن قضية استكمال التحقيقات عالقة حالياً أمام محكمة التمييز، متخوفاً من وجود ضغوط سياسية هائلة تمنع حسم الملف، إلا أنه أبدى تفاؤلاً من وعي القضاة وإصرار أهالي الضحايا والمتابعة الحثيثة لمحامي الدفاع الذين يعطلون كل مفاعيل الدعاوى بردود مضادة وحاسمة.

في المقابل، وفي رده على الاتهامات الموجهة للثنائي الشيعي بأنه يعرقل مسار العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، أكد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، أن "ما يحدث في لبنان من استخدام للقضاء في قضية المرفأ، ليس من أجل تحقيق العدالة، أو من أجل إنصاف أهالي (الضحايا)، وإنما كان القضاء إلى جانب الحملة الإعلامية التي تسخّر لها قنوات تلفزيونية وإعلامية أدوات لتضليل الحقيقة وتوجيه الاتهام إلى المقاومة".

صراع دولي

ويخشى متابعون أن تدخل تعقيدات التحقيقات أيضاً "بازار" الصراع الدولي، حيث برز أخيراً الدخول الروسي من خلال بعض صور الأقمار الاصطناعية التي قدمت إلى السلطات اللبنانية، ما عكس تمدد الاشتباك الإقليمي الروسي - الفرنسي عبر قضية مرفأ بيروت، في ظل سعي فرنسي حثيث لترسيخ دورها الإقليمي في الشرق الأوسط عامة، ولبنان بخاصة، علماً بأن الطرفين الدوليين يؤكدان سيادة لبنان ومؤازرته في الأزمة التي يمر بها.

وفي وقت سابق عبر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه العميق تجاه الكباش الجاري حول التحقيقات الخاصة بانفجار مرفأ بيروت، مندداً بـ"الضغط السياسي" على السلطة القضائية، الأمر الذي قرأته أوساط سياسية لبنانية بأنه تحذير دولي للحكومة اللبنانية، مفاده أن المجتمع الدولي يراقب من كثب المحاولات السياسية لتطيير التحقيقات ومحاصرتها.

المزيد من تقارير