واصلت العملات الرقمية منحى الهبوط في عطلة نهاية الأسبوع، لينهار سعر "بيتكوين" بنسبة 20 في المئة، صباح السبت، إلى نحو 42 ألف دولار، بينما وصل سعر "بيتكوين" قبل أقل من شهر إلى ما يقارب 68 ألف دولار يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ولم يقتصر الأمر على "بيتكوين"، أكبر وأشهر العملات الرقمية، بل انهارت قيمة بقية المشفرات المتداولة، مثل "إيثر"، التي هبط سعرها، السبت، بنسبة 15 في المئة، بينما فقدت عملات أخرى، مثل "سولانا"، و"دوغ كوين"، و"شيبا إينو"، إلى ما يقارب ربع قيمتها.
ولأن العملات الرقمية متقلبة بشدة وعالية المخاطر كأدوات استثمار مثل المشتقات المالية الخطرة، فهي غالباً ما يرتفع سعرها أو يهبط بقفزات كبيرة دون سبب واضح أو مفهوم، ويمكن لأي عملية تداول رقمية على أي منها أن تجعل سعرها يرتفع بشدة أو ينهار.
لكن، هناك عاملاً مهماً وواضحاً ربما كان من الأسباب القوية لانهيار سعر المشفرات في الأيام الأخيرة، إذ شهدت أسواق الأسهم والأوراق المالية عموماً أسبوعاً مضطرباً نتيجة عدم اليقين حول رد فعل العالم على متحورة فيروس كورونا الجديدة "أوميكرون"، وما إذا كان هناك اتجاه لمزيد من تشديد إجراءات الوقاية والحد من انتشارها. ولا يزال غير واضح حتى الآن إن كان العالم مقبلاً على إغلاق اقتصادي واسع ولفترة طويلة، أم أن الإجراءات الاحترازية التي فرضت حتى الآن ستكون كافية ومؤقتة. يضاف إلى ذلك استمرار معدلات التضخم في الاقتصادات الرئيسة في الارتفاع بقوة، ما يعني احتمال تسريع البنوك المركزية خطوات تشديد السياسة النقدية، أي رفع سعر الفائدة والحد من ضخ السيولة في السوق.
التخلص من المخاطر
نتيجة عدم اليقين في شأن موجة وباء كورونا الجديدة، وتدخل البنوك المركزية لكبح جماح التضخم، لجأ المستثمرون الأسبوع الماضي إلى التخلص من كل مراكزهم في الأصول والمشتقات عالية المخاطر، لذا شهدت أسواق المال عمليات بيع كبيرة هوت بمؤشرات الأسهم. وواضح أن العملات الرقمية، باعتبارها من بين المشتقات الخطرة التي تشهد مضاربات قوية، تعرضت أيضاً لتلك الموجة. وتقليدياً، يلجأ المستثمرون في تلك الظروف إلى الملاذات الآمنة كالذهب وغيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهناك عامل آخر يتعلق بالمشفرات، إذ تسمح شركات تداول العملات الرقمية مثل شركة "بينانس" وغيرها للمضاربين على تلك المشفرات بالمضاربة بعقود باهظة باستثمار قليل جداً. وتسمى تلك المضاربات "العقود المستقبلية المميزة"، أي التي تعتبر قيمتها استدانة من المستثمر إلى حين مكسبه الهائل من مضاربته على ارتفاع أو انهيار سعر العملة الرقمية في وقت محدد.
وحين تبدأ قيمة تلك العملات في الهبوط، يضطر هؤلاء المستثمرون إلى التخلي عن عقود المضاربات تلك لتقليل المخاطر، كما تقول نويلا أتشيسون من شركة "جينيسيس غلوبال تريدنغ" التي تبيع تلك المشتقات للمضاربة على العملات الرقمية. ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أتشيسون أن عملية بيع كبيرة لعقود مضاربات ساهمت في انهيار سعر العملات الرقمية.
تدخل السلفادور
يبقى هناك العامل الموسمي التقليدي، في نهاية العام غالباً ما يتجه المستثمرون والمتعاملون في أسواق الأسهم والمشتقات بتنقية مراكزهم الاستثمارية استعداداً للعام القادم. وفي تلك الأحوال، يتخلص هؤلاء من المخاطر العالية، وبالطبع تأتي العملات الرقمية ومشتقات المضاربة على أسعارها ضمن تلك الأصول الاستثمارية التي يتم التخلص منها. ونتيجة عمليات البيع الهائلة تنهار قيمة تلك المشتقات.
وينتهز متعاملون آخرون تلك الفترة لاقتناص الفرص بشراء ما يتم التخلص منه ويهوي سعره. وهذا ما حدث ليل السبت/ الأحد، إذ عاد سعر "بيتكوين" إلى الارتفاع مع عملية شراء كبيرة من دولة السلفادور. وكتب الرئيس السلفادوري نيب بوكيلي في حسابه على "تويتر"، أن بلاده اشترت 150 عملة "بيتكوين" مستفيدة من هبوط الأسعار، مضيفاً أنهم تأخروا 7 دقائق عن أدنى سعر لها.
وليست تلك المرة الأولى التي تتدخل فيها السلفادور في سوق العملات الرقمية، بعد أن تبنت "بيتكوين" كعملة للبلاد في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، على الرغم من عدم قبول المؤسسات المالية الدولية بذلك. ويأتي تدخل السلفادور مماثلاً لتدخلات البنوك المركزية التقليدية في أسواق العملات بشراء عملتها كطريقة لدعمها ورفع سعرها، وهذا ما جعل بعض المحللين يطلقون على السلفادور وصف "البنك المركزي للعملات الرقمية".
لكن، يبقى العامل الأهم هو حركة السوق تجاه المشتقات الاستثمارية عالية المخاطر وشديدة التقلب والتذبذب في وقت تشديد السياسات النقدية. يذكر أن "بيتكوين" شهدت ما وصفه المتعاملون في المشفرات بأنه "شتاء "بيتكوين" عام 2018، حين رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) أسعار الفائدة في 2017 و2018. حينها، انهار سعر العملة الرقمية بشدة، لكنه عاد للارتفاع لتصل إلى أعلى مستوياتها في عام وباء كورونا في 2020.