Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أبنية تسكن قصصها وتعيش مثل كائنات في المدن

برجا التجارة العالمية وفندق "بوريفاج" وعمارة رشدي و"ستوارت تاور" و"كازا ميلا" و"مونتبارناس" وفندق الواحة وغيرها

برجا التجارة العالمية قبل سقوطهما في 11 سبتمبر 2001 (رويترز)

لكل مبنى قصة أو ذكرى لدى ساكنيه القدماء والجدد، ولكن هناك مباني يحرك ذكر اسمها لدى مجموعة من الناس شعوراً ما. فهناك مبان تثير الرعب، كالمنازل المسكونة أو التي شهدت أحداثاً غريبة. وهناك مبان تثير البهجة نظراً لجمالها أو غرابتها. وثمة مبانٍ تستعيد الذكر كمكان للتعذيب والسجن. وغير ذلك من الحكايات المتنوعة.

تأثير أسماء المباني

فالبشر كافة كانوا يعرفون برجي التجارة العالمية قبل سقوطهما في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فقد كانا علامة من علامات نيويورك والعالم، ويظهران في الأفلام والمسلسلات التي تدور في نيويورك، وتخرج عنهما أخبار كثيرة من الشركات العالمية التي تعمل فيهما. فكان سقوطهما سبب دهشة وتعجب عالميين أكثر مما كان سبباً لشهرتهما السابقة على السقوط.

في العاصمة اللبنانية بيروت مثلاً، حين تذكر اسم فندق "بوريفاج"، فإن أول ما يتراءى للبنانيين، سواء مروا بهذا الفندق أو لا، مشاهد التحقيق والتعذيب في أقبيته اللذين كانت تمارسهما الاستخبارات السورية في حق معارضيها وطالبي انسحاب الجيش السوري من لبنان. وساءت سمعة هذا المبنى بشكل كبير بعد خروج معتقلين لبنانيين منه، وروايتهم ما حدث لهم في داخله. وقد أُعيدَ افتتاح الفندق للجمهور في عام 2006.

في مدينة الاسكندرية المصرية، تشتهر "عمارة رشدي" المرعبة التي تحاك عنها قصص أبطالها العفاريت، على الرغم من أنها تقع في منطقة راقية. ويتكون المبنى من خمس طبقات، وتم بناؤه عام 1961 لصاحبه اليوناني بارديس الذي خرج لرحلة صيد ولم يعد. ومنذ ذلك الحين، لا يسكن أحد فيه، على الرغم من محاولات تأجير شققه ومحاله. ويقول أهل المحلة إن الأشباح التي تسكن المبنى وتمنع تأجيره واستخدامه من البشر هي أرواح موتى دفنوا في أرض المبنى قبل بنائه. وهؤلاء ماتوا فى حوداث قتل غامضة وأرواحهم المعذبة تؤذي كل من يسكن هناك. ومن تلك القصص أن زوجين اشتريا شقة في المبنى استعداداً للانتقال بعد العرس. وفي ليلتهما الأولى في الشقة دخل الزوج الحمام فوجد أن المياه حمراء وسمع أصواتاً غريبة، وخرج ليجد قطاً أسود أمام زوجته يقف على السرير، ووجدا امرأة غريبة تضحك من دون رأس مثل أفلام الرعب تماماً. وبعدما أغمي على الزوجة حاولا الفرار، وجدا شخصاً أسود كبيراً تبرز من فمه أنياب ولسان طويل يريد التهامهما، فأغمي عليهما، ثم وجدا نفسيهما في الشارع ومعهما مفروشات منزلهما مكسرة وسط استغراب المارة. وهذه القصص مشهورة ومتداولة في الإسكندرية ومصر.

جرائم وسوء تصميم

أما مبنى "ستوارت تاور"، الذي يقع في منطقة مايدا فالي غرب لندن، فاشتهر ببعض الجرائم الغامضة التي وقعت فيه، ومنها الحادثة المعروفة عن سقوط الممثلة المصرية سعاد حسني من الطابق السادس في 21 يونيو (حزيران) 2001، ولم تخرج التحقيقات حتى اليوم سبب سقوطها إذا ما كان انتحاراً كما أشاع البعض أو عملية متعمدة. وكذلك حادثة الفريق الليثي ناصف، مؤسس الحرس الجمهوري المصري، الذي توفي في 24 أغسطس (آب) 1973، بعد أن سقط بطريقة غريبة من شرفة شقة في الطابق الحادي عشر في المبنى نفسه.

وهناك مبان حول العالم اشتهرت في زمن بنائها بسبب الغرابة في تصميمها أو في ابتكار هندسي جديد فتح الباب أمام هندسة معمارية جديدة. من هذه البيوت "كازا ميلا" الذي صممه المعماري أنطونيو غاودي لزوجين ثريين في برشلونة، وقد استغرق بناؤه ست سنوات انتهت في عام 1912. وكانت مساحة كل طابق منه 1323 متراً. وتعرض المبنى للانتقاد بسبب تصميمه الجريء والغريب في بدايات القرن العشرين، بسبب ميلان أسقفه وجدرانه، حتى أنه يبدو وكأنه آيل للسقوط. واشتهر أيضاً بالأرضيات الخالية من الجدران التي تحملها، ووجود مرآب تحت الأرض. وقد كانت فكرة جديدة في حينه أن يلحق في المنزل موقف للسيارات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن مجلة "نيويورك تايمز" تناولت موضع مبان بشعة التصميم، وقامت بما يشبه التحدي مع مجموعة من المعماريين والمصممين كي يقوموا بالدفاع عن تلك الأبنية. ونقطف من التحقيق رأي المعماري دانييل ليبيسكيند، الذي صمم أبراج مركز التجارة العالمي الجديد في نيويورك، ودافع عن برج "مونتبارناس" الذي يكرهه الباريسيون ونبذوه منذ بنائه بسبب ارتفاعه الشاهق والغريب عن مباني المدينة. وهو ما دفع المدينة إلى وضع قيود على ارتفاعات الأبنية التي ستشيد في المستقبل. ويقول ليبيسكيند، وهو معماري أميركي من أصل بولوني، إنه يدافع عن هذا المبنى الأكثر كرهاً في باريس لأجل الفكرة التي يمثلها. لقد فشل الباريسيون في استيعاب معنى مواكبة التطور، فأخفقوا في مراعاة نتائج أن تكون باريس "مدينة حية ومتطورة"، مقابل "المدينة المتحف"، لأنهم ينظرون إلى المدينة عاطفياً. وأمام تحديات العصر، كزيادة انبعاثات الكربون وإهدار الموارد، لم يعد لدينا خيار سوى تشييد مبان جديدة وشاهقة تكون أسعارها في متناول الناس. وربما لا يكون هذا المبنى عملاً عبقرياً، ولكنه إشارة إلى ما ينبغي أن تكون عليه مدينة المستقبل".

أما المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، فقد دافعت عن بشاعة المركز الحكومي لمقاطعة أورانج في نيويورك، الذي صممه بول رودولف عام 1970. ويرى النيويركيون أن هذا المبنى الحكومي بأسقفه التي تزيد على 80 سقفاً والعشرات من النوافذ الصندوقية، يسبب الأذى للعين بسبب تصميمه العسكري الذي يجعله كصندوق مثقوب بالنوافذ، وسيكلف ترميمه أموالاً طائلة بلا فائدة. لكن، برأي حديد، فإن فترة الستينيات مميزة من الإصلاح الاجتماعي. وسادت أفكار التغيير والحرية. فيما يعتقد الناس في هذا الزمن أن المباني العامة ينبغي أن تكون أجمل، إلا أن المصممين في ذلك الوقت كانوا يركزون على الدور الذي يؤديه المبنى، وليس جماليته. والمبنى يتألف من مجموعة من المساحات العامة المغلقة والمفتوحة المرتبطة داخلياً وتؤدي إلى بعضها بعضاً. لذلك، برأي المهندسة حديد، هناك تكامل في التصميم يظهر فكرة الترابط والاتصال. وكمركز للحكم المدني، فقد كرس فكرة الديمقراطية من خلال تداخل المساحات الخارجية والداخلية، وليس من خلال فصل ممثلي الشعب المنتخبين عن ناخبيهم. وهي ترى أن عمل رودولف هذا، الذي لا يستسيغه النيويركيون، كان عملياً، وتكمن جماليته في صرامته و"لا يمكن لأي نوع من الإجراءات جعله أكثر رونقاً أو جاذبية".

انقلابات وهجرة

في العاصمة السودانية الخرطوم، كان فندق الواحة الذي يملكه إيميل قرنفلي، يوصف كاستراحة لموظفي الخطوط الجوية البريطانية. ولكن، يحكى أن هذا الفندق كان يشهد لقاءات المعارضين والموالين من مختلف الدول العربية، ومنه كانت تنطلق الانقلابات، أكثر من كونه استراحة كانت تضج بالمضيفات الإنجليزيات، وهن يمضين أيام الخرطوم الحارة على مراتب عائمة في المسبح.

ويُحكى عن مقهى "دولتشي فيتا" في بيروت قصة شبيهة، حيث كان ملتقى المعارضين السياسيين من العالم العربي، وكانوا يلتقون فيه ويحضرون لإنقلاباتهم. ويُقال إنهم كانوا يرتدون ملابس النوم تحت بدلاتهم، تحسباً للاعتقال أو فشل الانقلاب وتمضية حياتهم في السجن.

هناك أبنية مشهورة بطرق أخرى، ومختلفة، منها الكازينو المهجور في روماني على ساحل البحر الأسود. وقد افتتح في عام 1910، وتحول إلى رمز لدولة رومانيا، ومقصداً سياحياً للعائلات الثرية من جميع أنحاء العالم. وخلال الحرب العالمية الثانية، تحول إلى مستشفى ميداني، ثم تحول إلى مطعم خلال الحقبة الاشتراكية، ولكنه أغلق منذ ذلك الحين وما زال مهجوراً، على الرغم من كونه تحفة معمارية يطالب كثيرون من المهندسين حول العالم بترميمه.

وهناك جزيرة قرب نيويورك، حيث غرقت مئات السفن في نهاية القرن التاسع عشر. وتضم الجزيرة عديداً من الأبنية، ومستشفى للحجر الصحي شُيِّد في القرن التاسع عشر. وبسبب القصص المرعبة التي ارتبطت بالمستشفى والمرضى الذين سكنوه، إضافة إلى قصص عن مدمنين على المخدرات استوطنوا الجزيرة في الحرب العالمية الثانية، أصبحت مهجورة تماماً حتى اليوم.

المزيد من منوعات