Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

يوم مع حطاب في غزة... رحلة ملاحقة الشجر اليابس بين الحقول

تناقصت الأراضي الزراعية في القطاع بسبب الزحف العمراني

مع كل صباح تشريني، تتفجر طاقة العمل لدى "الحطاب" رائد، لتكون لحظة شروق الشمس ساعة الانطلاق، فيحمل زاده من طعام وماء، ويقود شاحنته البيضاء، يتجول فيها بين حقول الزيتون في غزة، باحثاً عن شجرة كبيرة أغصانها يابسة ليحوّلها إلى أكوام من الحطب.

يتمتم رائد بشفتيه المتشققتين "يا صباح يا فاتح يا رزاق يا عليم"، وبابتسامة مشرقة يبدأ مشواره الطويل. وإذ يلمح بين جنبات الحقول شجرة كبيرة تعانق أغصانها أشعة الشمس في كبد السماء، يدير محرك شاحنته ويتّجه صوبها، ليطلب من صاحبها قصها.

رحلة البحث

في العادة، يبحث رائد عن الأشجار التي زاد عمرها على 20 سنة، فهي بنظر أصحابها لم تعُد مثمرة، وقصّها أفضل من رعايتها. ويقول، "في مهنتنا، التعب كبير ورحلتنا طويلة، تبدأ في تقليم وقص الأغصان، ثم تقطيع الجذوع والجذور".

وفي بعض الطرقات الرملية الواصلة بين حقول الأشجار، لا تستطيع شاحنة رائد العبور، فيضطر إلى حمل الأخشاب على كتفيه لمسافات طويلة. يتنهد قليلاً ويضيف بلهجته العامية، "الشغل تبعنا مشقة قص وقطع وحمل والرزقة على قد المستلزمات".

بصعوبة يجد رائد الأشجار الكبيرة، فمساحات الأراضي الزراعية في قطاع غزة في انحسار. ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة في القطاع أدهم البسيوني، "مع قيام السلطة الفلسطينية شهد قطاع غزة توسعاً عمرانياً، وتحوّل نحو 560 دونماً زراعياً إلى مناطق سكنية، واليوم لا تزيد مساحة الأراضي الصالحة لنشاط الزراعة على 173 ألف دونم، وهي في انحسار مستمر".

وألحقت إسرائيل في هذا القطاع خسائر فادحة قُدّرت بأكثر من 204 ملايين دولار أميركي.

وبعد سبع ساعات من تجميع أغصان الأشجار، امتلأت شاحنة رائد، لكن يوم عمله لم ينتهِ بعد، بل على الأرجح بدأ الآن، إذ يقول "الآن العربة تعرف طريقها وأكاد أراهن أنها تستطيع أن تسلك مسارها إلى مشغل الحطب لوحدها".

 

في مشغل رائد

في مكان منعزل بعيد من السكان، استأجر رائد قطعة أرض صغيرة ليقيم عليها محطبة. وفور وصوله إلى المكان، يشرع العمال في توزيع أكوام الخشب كل نوع في ركنه الخاص، ليصنعوا مشهداً يبدو وكأنه لوحة فنية من التراث القديم.

ويقول رائد، "بعض الأغصان والجذور تكون خضراء، أي شربت ماء في الفترة الأخيرة، لذلك نضعها تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع على الأقل، ثم نبدأ عملنا في قصّها وتحويلها إلى حطب".

ويستخدم الحطاب فأساً لتقسيم جذوع وجذور الأشجار لتحويلها إلى قطع صغيرة، فيما يستخدم منشاراً كهربائياً صغيراً عندما يقصّ الأغصان، وعادةً ما يقتصر عمله على هاتين الآلتين البدائيتين.

الزوار لم يأتوا بعد

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجلب رائد جذع شجرة كبيرة، وبنبرة عالية خاطب العمال، "سآخذ قسطاً من الراحة"، فردّ ذارعيه للجانبين وقال متأسفاً على حاله، "كما ترى يوجد حطب كثير من جميع الأنواع، لكن الطلب قليل جداً، وهذا الضعف نعانيه منذ سبعة أعوام".

علامات الحيرة بدت ظاهرة على وجهه عندما قال، "لا أجد تفسيراً لما يجري، المفروض أنني منذ شهر قمت ببيع أطنان، أكوام الحطب لا تزال في وجهي وكأنها لا ترغب بمغادرة المشغل".

في هذا التوقيت سنوياً، يعرض الحطاب أكواماً من الأخشاب المقطعة، ويزوره بالعادة أصحاب مقاعد العائلات (الدواوين)، وأصحاب مزارع الدجاج الذين يستخدمون الحطب لتدفئة المزارع، وعامة الناس الذين يستعملونه في طهي الطعام ولأغراض التدفئة.

لكن هؤلاء الزوار لم يأتوا بعد، وباتت أكوام الأخشاب ضيفاً ثقيلاً على قلب رائد الذي يضيف، "مكان الحطب فوق مواقد النار، وليس في ساحة المشغل، لا أدري ما السبب في ضعف الشراء، على الرغم من أن ثمن الطن الواحد لا يفوق 100 دولار أميركي".

الحطب لم يعُد يصل إلى بيت لحم

وفي خضم حديثه، يبتسم رائد عائداً في ذاكرته ويروي، "كانت في غزة شجر حمضيات لكنها اختفت مع الزحف العمراني، وقبل تضييق إسرائيل على طبيعة عمل المعابر، كنا نرسل الحطب إلى مدينة بيت لحم في الضفة الغربية، وهناك تُصنع منه الهدايا، هذا كان قبل 15 عاماً، لكن إسرائيل لا تسمح بذلك اليوم".

وعلى الرغم من ضعف المبيع، إلا أن رائد لم يُصَب باليأس، "أنا والأولاد لا نستطيع الاستغناء عن هذه المهنة، حتى آخر عمرها، فنحن ورثناها عن جدي الذي بدأ العمل بها عام 1965، وأنا أيضاً لي ما يقارب 33 عاماً من العمل فيها ولن أنقطع عنها".

وبالعادة، تنشط مهنة الحطاب كل فصل شتاء، وتُعدّ من المهن الموسمية، ولم تشارف على الاندثار على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها سكان غزة، فلا يزال يعمل فيها نحو 150 شخصاً لكل منهم مشغله الخاص، ويبقى الحطب أزهد ثمناً بالنسبة إلى المواطنين من سعر أنبوبة الغاز التي يصل ثمنها إلى 30 دولاراً.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات