"ينتهك منشورك معايير مجتمعنا المتعلقة بالخطاب الذي يحض على الكراهية... يرجى العلم أننا نستعين بهذه المعايير ليسود الاحترام النقاشات التي تتم عبر فيسبوك". هذا هو نص الرسالة التي استلمتها الناشطة إسلام الجليس من إدارة فيسبوك، رداً على منشور كتبته على صفحتها الشخصية، تناول الانتهاكات الإسرائيلية بحق فلسطينيين في قطاع غزة. لم تكن إسلام الأولى التي تتعرض لحذف محتوى ما تكتبه على فيسبوك، بل اشتكى العديد من الكتاب والصحافيين ورواد المنصات الاجتماعية في قطاع غزة، من حذف المحتوى الذي تناولوه في منشوراتهم، وأغلقت صفحات فلسطينية عدة من دون إرسال إشعارٍ تحذيري أو تبرير أسباب الإغلاق.
لا جديد
تقول إسلام "لم أتطرق إلى التحريض على الإسرائيليين، ولكنني كنت أحاول توضيح الحقيقة للمتابعين، في ظل الهجمة التي يتعرض لها الفلسطيني، من الماكينة الإعلامية الإسرائيلية، ومتفاجئة من الإشعار الذي وصلني بأن المنشور حذف... فيسبوك موقع عنصري ويميز بين الروايتين الإسرائيلية والفلسطينية". موضوع حذف المحتوى، أو إغلاق صفحات فلسطينيين ليس جديداً، إذ بدأ قبل خمس سنوات تقريباً، وبعد الاعتراض الفلسطيني بأن حذف المضمون لا يأتي وفق معايير واضحة، وأن فيسبوك تتعاون مع إسرائيل في روايتها، بحثنا عن المعايير والأسباب التي تنتهجها الشركة.
مصالح مشتركة
يقول مدير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة" نديم ناشف، إن معايير فيسبوك حول إدارة المضمون غير واضحة، ومنتقدة عالمياً، وفي السياق الفلسطيني ثمة إشكالية في تبني الرواية الإسرائيلية، وفي طريقة بناء النظام الداخلي للشركة القائم على عدد البلاغات المقدمة ضد المحتوى، في ظل أن إسرائيل تعمل بشكل منظم وتعاون بين الحكومة والمجتمع، في تقديم بلاغات ضد المحتوى الفلسطيني على فيسبوك. وبحسب ناشف فإن الشركة أكدت في لقاءٍ مع مركز "حملة" أنه لا يوجد اتفاق رسمي بينها وبين الجانب الإسرائيلي، موضحاً أن هناك مؤشرات أخرى ولها دلائل، منها زيارة وفد رفيع من فيسبوك إلى إسرائيل، ولقاء جمع بين وزراء إسرائيليين وإدارة منصة التواصل، فضلاً عن وجود مكتب للشركة في تل أبيب. ويبين أن السوق تلعب دوراً مهماً، فتحصيل فيسبوك من الإعلانات الإسرائيلية وفق آخر إحصاء يقدر بـ300 مليون دولار، فيما تحصيلها من السوق الفلسطينية أقل من 3 ملايين دولار. ويعزو سبب انتشار حذف المحتوى الفلسطيني على "فيسبوك" أكثر من "تويتر"، لوجود غالبية الأشخاص الفلسطينيين والإسرائيليين على تلك المنصة، وفي عام 2017 قدمت وحدة السايبر (وحدة في الجيش الإسرائيلي تقوم بمتابعة الصفحات الفلسطينية على المنصات الاجتماعية) أكثر من 12 ألف طلب إلى فيسبوك، واستجابة الأخيرة إلى 85 في المئة منها.
انتهاك قانوني
استنكر رئيس لجنة دعم الصحافيين صالح المصري، إغلاق إدارة فيسبوك عشرات الحسابات الفلسطينية من دون تحذير أو إنذار مسبق أو سبب مقنع، في مخالفة واضحة لكل المواثيق والقوانين الدولية التي تكفل حرية الرأي والتعبير. وأشار إلى أن استمرار ملاحقة المحتوى الفلسطيني يعتبر تحيزاً واضحاً لإسرائيل، لافتاً إلى أنهم ينظرون بخطورة إلى ازدواجية المعايير التي تتبعها الإدارة. ويوضح المصري أن ملاحقة المحتوى الفلسطيني يخالف المواثيق والقوانين الدولية، خصوصاً المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تحمي حرية التعبير على قاعدة أن لكل إنسان حق في اعتناق آراء من دون مضايقة.
أرقام صادمة
وثقت لجنة دعم الصحافيين أكثر من 100 انتهاك فيسبوكي بحق المحتوى الفلسطيني، منذ بداية عام 2019، شملت إغلاق 48 صفحة وحساباً شخصياً، إضافة إلى 52 حظر نشر وحذف منشورات، في حين تشير نتائج بحث أجراه المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، حول مؤشر العنصرية والتحريض في شبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، إلى أن الخطاب الإسرائيلي العنيف ضد الفلسطينيين موجود على فيسبوك بنسبة 82 في المئة. ووفق المركز العربي، فإن عدد المنشورات التي تضمنت دعوة لممارسة العنف وتعميم عنصري وشتائم ضد الفلسطينيين في 2018 وصلت إلى 474 ألف منشور، نصفها كانت متعلقة بالسياسة، ومعظمها موجه ضد أعضاء الكنيست العرب. وليس فقط إلكترونياً، بل اعتقلت إسرائيل عام 2018، 350 فلسطينياً في الضفة الغربية بتهمة التحريض، بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.