ترتبط ذكرى عودة الآثار والكنوز الإثيوبية إلى المتحف الوطني في أديس أبابا، التي استولت بريطانيا العظمى عليها بعد انتصارها في حربها ضد الإمبراطور تيودروس الثاني في معركة "مجدالا" عام 1868، في ظل ظروف مشابهة لما تعيشه إثيوبيا حالياً، ولا سيما في علاقاتها مع الغرب في ظل الحرب الدائرة في "تيغراي".
إصلاحات إدارية
يعرف تيودروس الثاني بطموحه وأعماله السياسية التي وحّد بها مملكته في مرتفعات إثيوبيا القديمة (1855-1868)، وأقام علاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية بهدف ضمان بلاطه الملكي، وأدخل العديد من الإصلاحات الإدارية، كما أنشا جيشاً حديثاً، وسعى لجلب التكنولوجيا الأوروبية إلى بلاده، وأجرى سلسلة اتصالات دبلوماسية مع أوروبا، ولا سيما ملكة بريطانيا فيكتوريا مستغلاً العاطفة الدينية المسيحية في تحقيق هدفه.
وناشد تيودروس الثاني المسيحية الأوروبية إرسال بعثات تبشيرية، وعندما ازدادت حملات التبشير الكاثوليكية والبروتستانتية، تخوف من أن يتسبب النفوذ الكاثوليكي في تآكل سلطته في الشمال ما جعله يقوم بطرد أعضاء الطائفة الكاثوليكية ومن يحميهم من الفرنسيين.
أسر مبشرين ودبلوماسيين
وقام لاحقاً بأسر عدد من المبشرين والدبلوماسيين الغربيين ووضعهم في سجن "مجدالا"، فأرسل البريطانيون حملتهم العسكرية المؤلفة من 20 ألف جندي، وتمكنت من هزيمته في معركة "مجدالا".
ويعترف لتيودروس الثاني أنه مهّد لتأسيس إثيوبيا الحديثة، مستعيناً بوسائل حديثة وسط أطماع الاستعمار الأوروبي شمال القارة الأفريقية.
الواقع والتاريخ
على الرغم من اختلاف الواقع والتاريخ، إلا أن تاريخ الأمم وصراعاتها تبقى متشابهة بين اليوم والأمس، وما تعيشه البلاد من صراعات حالياً، وما يحيط بها من ظروف ومواقف دولية خير برهان على ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان لرئيس الوزراء آبي أحمد سلسلة مواقف قال فيها إن "بلاده تتعرض لمحاولات تركيع متعددة من قوى أجنبية"، وأضاف، "نتعرض لمحاولات إخضاع وتركيع وسلب لحريتنا من قِبل قوى أجنبية متعددة، تدعم أعداءنا على أرض المعارك الجارية، وبالحملات الإعلامية الكاذبة، والدعاية الدبلوماسية وضرب اقتصادنا"، وتابع، "سندفن أعداء الحكومة، والحفرة التي تم حفرها ستكون عميقة جداً، وستكون حيث يدفن الأعداء وليس حيث تتفكك إثيوبيا".
وقبل توليه رئاسة الوزراء، خاطب أحمد في أغسطس (آب) 2018 في ولاية مينيسوتا، الجالية الإثيوبية في الولايات المتحدة، قائلاً، "إذا كنت تريد أن تكون فخراً لجيلك، فعليك أن تقرر أن أورومو، وأمهرا، وولايتا، وغوراغي، وسيليت... كلها إثيوبية على حد سواء".
شعار الوطنية
يقول المؤرخ الإثيوبي آدم كامل في مقارنة بين زمان تيودروس الثاني وما تشهده البلاد حالياً من أحداث، أن الزمانين يجتمعان في غطرسة الاستعمار الغربي الذي ينظر لمصالحه، ولا يلتفت لمصالح الآخرين من الشعوب الفقيرة على الرغم من شعاراته الإنسانية، ويضيف، "الزعامة الإثيوبية الحالية لها فلسفتها في البناء السياسي الجامع لكل الإثيوبيين وفق "شعار الوطنية" من دون تعصب عرقي، وهذا ما يتبناه رئيس الوزراء آبي أحمد مختلفاً عن الإمبراطور تيودروس الثاني الذي كان متعصباً لمسيحيته التي اعتمد على ما كانت تشكله من قوة في الداخل ونفوذ في الخارج"، وتابع، "كما يختلف عن الأنظمة الإثيوبية السابقة، فالوطنية لا القومية المتعصبة هي الخيار نحو السلام والاستقرار والتنمية في ما يتبناه فكر رئيس الوزراء وتوجهاته في بناء إثيوبيا الحديثة".
وفي ما يتعلق بتواصل الداخل مع الخارج في ظروف الحرب التي تعيشها البلاد، يقول كامل، "الوضع يختلف سواء عالمياً في وقوف دول كبرى كالصين وروسيا مع إثيوبيا مناصرة لها في مجلس الأمن والمحافل الدولية، كما أن الوضع المحلي يشهد التفافاً شعبياً حول قيادة رئيس الوزراء".
نوايا السلام
ويشدد المؤرخ الإثيوبي على أن "المخرج من الظرف الحالي الذي تعيشه البلاد جراء الحرب في تيغراي، وتجاه الأزمة السياسية مع الغرب، تقديم النوايا الصادقة نحو السلام، وهذا ما تتبناه القيادة الإثيوبية لتحقيق وحدة الوطن واستقراره ورفعته، وعلاقات الغرب مع أديس أبابا ينبغي أن تبنى على اُسس من الاحترام المتبادل، لا الانحياز الضار وخلق الفتن".
عودة الكنوز
وعن عودة الكنوز والآثار الإثيوبية المنهوبة، يقول كامل، "عودة هذه الكنوز التي حرصت إثيوبيا على استردادها يعطى دلالة على العزيمة الإثيوبية في حفظ المصالح القومية".
ويقول مدير المركز الأفريقي للاستشارات معتصم عبد القادر الحسن إن "سياسات الدول الغربية تجاه القارة الأفريقية ينبغي أن تراعي الظروف التي تعيشها الشعوب، وتعمل على مساعدتها، كما أن على الدول الأفريقية حل مشاكلها الداخلية، وتحقيق السلام في مجتمعاتها حتى لا تكون الحروب الأهلية مدعاة لتدخلات خارجية تزيد من وطأة المشاكل".