تباينت الآراء حول نتائج زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي فيي إلى الخرطوم، بشأن تطورات الأحداث التي فجرتها قرارات القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بإعلان حالة الطوارئ، وتعطيل العمل بالوثيقة الدستورية، بين أنها أحدثت بالفعل اختراقاً مهماً لحل الأزمة، وبين أنها مجرد ضغط لن يحرك ساكناً لإعادة الأوضاع إلى مجراها الصحيح من خلال توافق وطني حول مسار الحكم في فترة الانتقال المتبقية حتى يوليو (تموز) 2023.
وتشهد العاصمة المثلثة (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان) وعدد من المدن الأخرى، اليوم الأربعاء، انطلاق مسيرة احتجاجية سلمية دعت إليها تنسيقيات لجان المقاومة في البلاد لإزالة العسكر من المشهد السياسي، باعتباره المطلب الأساسي للشارع السوداني، وفق عدد من أعضاء لجان المقاومة الذين التقتهم "اندبندنت عربية".
نوافذ مهمة
وفي ما يتعلق بزيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي، وأثرها على تداعيات الأوضاع في البلاد، يقول مساعد الأمين العام للعلاقات الخارجية في حزب الأمة القومي أحمد حسين، "أعتقد أن زيارة المسؤولة الأميركية في هذا التوقيت كانت فاتحة خير وأمل كبيرين، من ناحية أنها فتحت نوافذ مهمة واختراقاً كبيراً تجاه حل أزمة السودان السياسية، حيث ناقشت مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مطالب القوى السياسية التي تمثل الشارع السوداني وهي إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك والعودة إلى الوثيقة الدستورية ورفع حالة الطوارئ، وإعادة تشغيل خدمة الإنترنت، فضلاً عن وقف العنف المفرط ضد المحتجين السلميين، وإرجاع الحكومة الشرعية".
ولفت حسين إلى أن ما رشح من أخبار وبيان صادر عن مجلس السيادة عقب لقاء البرهان والمسؤولة الأميركية، يؤكد أن هناك تقدماً ملموساً وايجابياً من قبل الجانب العسكري من خلال تأكيد التزامه الشراكة مع المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين والعمل بالوثيقة الدستورية، وإقامة الانتخابات العامة في موعدها، إلى جانب السير قدماً في مسار التحول الديمقراطي، حيث لم يسبق أن تحدث بهذا الوضوح، بخاصة تأكيد قبوله الحوار مع المكون المدني وهو من الأبواب التي كان مصراً على إغلاقها تماماً.
وأكد أن وجهات النظر بين المسؤولة الأميركية وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) كانت متطابقة تماماً بالنظر لعدالة القضية المتمثلة في الإقصاء الذي قام به المكون العسكري للقوى السياسية.
تعديل راديكالي
ونوه إلى أن قوى الحرية والتغيير اعترفت بحدوث أخطاء خلال التجربة السابقة، لكن طريقة المعالجة من خلال تقويض النظام الدستوري غير مقبولة، مبيناً أن المكون المدني سيقوم بتعديل راديكالي وجذري في خططه وكوادره للمرحلة المقبلة، بإظهار وجوه جديدة أكثر كفاءة وصلابة في المواقف والمبادئ.
وعزا حسين تغير مواقف المكون العسكري وتجاوبه مع التحرك الأميركي، إلى ما واجهه من وضع كارثي في الجانب الاقتصادي بعد توقف المساعدات الخارجية، بخاصة برنامج "ثمرات" الذي يقدمه البنك الدولي لدعم الأسر السودانية والتخفيف من أثار سياسة رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية التي قامت بتنفيذها الحكومة الانتقالية وفقاً لإجراءات وبرنامج صندوق النقد الدولي، فضلاً عن توقف برامج التمويل الثنائي وغيرها، إذ سبق لواشنطن أن أسهمت بفتح آفاق المؤسسات التمويلية مع حكومة الخرطوم من خلال إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي كانت تكلفتها الاقتصادية كبيرة جداً.
تبديد مواقف
في المقابل، أشار السفير السابق في الخارجية السودانية عبد الوهاب الصاوي إلى أنه لم يلمس اختراقاً واضحاً قامت به واشنطن لفك الجمود في الأزمة من خلال زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيما يتمسك كل طرف بموقفه، ولا حوار مشتركاً يبين نقاط الاتفاق والاختلاف، لكن علينا انتظار ما سيحدث في الأيام القليلة المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن كل القضية تدور في اتجاهين، فالأميركيون والأوروبيون يطالبون بالعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما يؤكد المكون العسكري أنه ملتزم الوثيقة الدستورية والتحول الديمقراطي، وهو حديث مكرر من دون أن تكون هناك خطوة عملية لحسم هذه الأزمة.
وأضاف الصاوي، "لا بد من تهيئة الأجواء المناسبة لإيجاد حوار بناء وشفاف بين الأطراف المعنية، وهذا يتطلب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بما فيهم حمدوك، فعلى الرغم من تأكيد الجانب العسكري التزامه ذلك، لكن نشعر بأن هناك تلكؤاً في تنفيذ هذا المطلب".
ويرى السفير السابق أن الجانب الأميركي يهمه أن يؤكد موقفه، وأن الحل لديه يتمثل في ممارسة الضغط إلى أقصى حد حتى تحدث تنازلات من الجانبين العسكري والمدني، مشيراً إلى أن تراجع العسكريين عن قرارات 25 أكتوبر يضعف موقفهم إلى أبعد حد، بخاصة أنه ليس لديهم سند جماهيري في الشارع، وليس بمقدورهم تحريك أعداد كبيرة لتأييد إجراءاتهم، كما كان يفعل نظام الرئيس السابق عمر البشير.
لقاءات مكثفة
وكانت المسؤولة الأميركية التقت خلال زيارتها التي بدأت في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، واستمرت لثلاثة أيام، كل من البرهان وحمدوك ووزيرة الخارجية المعزولة مريم الصادق، إضافة إلى المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير وأطراف السلام في اتفاقية جوبا.
وأكد البرهان خلال لقائه معها الثلاثاء تمسكه بالوثيقة الدستورية وإجراء حوار شامل مع كل القوى السياسية لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية.
أشار بيان البرهان إلى أن المسؤولة الأميركية أكدت أن بلادها تدعم التحول الديمقراطي في السودان وتصر على إنجاح الفترة الانتقالية، موضحاً أن فيي أكدت أن الرئيس جو بايدن يولي اهتماماً شخصياً لما يدور في السودان وحريص على إنجاح الفترة الانتقالية وصولاً إلى الديمقراطية المنشودة.
وناقشت فيي خلال لقائها حمدوك سبل استعادة مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.
أول اجتماع لمجلس السيادة
وكان البرهان تعهد في أول اجتماع لمجلس السيادة الجديد، الأحد 14 نوفمبر، بتشكيل حكومة مدنية في الأيام القليلة المقبلة، وبتقديم نموذج مثالي في إدارة شؤون البلاد.
ووفقاً لوكالة الأنباء السودانية الرسمية "سونا"، عقد مجلس السيادة الانتقالي اجتماعه بكامل عضويته برئاسة البرهان، الذي وعد برؤية مستقبلية جديدة تحقق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وفي مقدمتها تنفيذ شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة.
وأضافت أن "أعضاء المجلس تعهدوا بتقديم نموذج أمثل في إدارة شؤون البلاد بصورة ترضي الشعب السوداني وتشكيل حكومة مدنية في الأيام القليلة المقبلة".