يبدو أن الجزائر تتجه نحو اعتماد سياسة اندماجية تكاملية إقليمية، تهدف إلى التعاون في التنمية والاقتصاد وخلق فرص النمو، قناعة منها بأنه التصور الملائم في المرحلة المقبلة، ما يطرح تساؤلات حول استعداد الأطراف المعنية من جهة، وقدرة الجزائر على تحقيق هذه الرؤية من جهة أخرى.
نظرة جماعية
وأشار رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، خلال وجوده في الإمارات لحضور مراسم الاحتفال بيوم الجزائر في "إكسبو 2020"، والمشاركة في افتتاح معرض الطيران، إلى أهمية مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يشكل إضافة حقيقية إلى مسار الاندماج في أفريقيا، ومحركاً فعالاً للتنمية والاستثمار في المنطقة برمتها، داعياً إلى تضافر الأفكار من أجل ابتكار حلول مبدعة لمستقبل واعد، يكون للجميع فيه مكانه وحصته من النمو المنشود.
وشدد بن عبد الرحمن على ضرورة التقارب والتعاون الإقليميين، في سياق تنامت فيه التوجهات الانفرادية، بفعل السياقات الصحية والاقتصادية الراهنة، في حين أن مواجهتها تستدعي عكس ذلك تماماً، أي المزيد من التعاضد والتعاون. وقال "من دون ذلك، لن يكون أي منا في منأى عن مجمل التحديات الحالية، لا سيما في القرية العالمية التي أصبحنا نعيش فيها اليوم"، موضحاً أن بلاده باشرت إصلاحات سياسية واقتصادية مهمة وغير مسبوقة، واضعة نصب أعينها استغلال مواردها المادية والبشرية، من أجل ترقية الاستثمار وتنمية الاقتصاد والنهوض بجميع القطاعات، وليس شركاء الجزائر ببعيدين عن هذه الأهداف التي حددتها.
وبالعودة إلى تصريحات الوزير الأول بن عبد الرحمن، فإن الجزائر بصدد البحث عن توجهات جديدة مبنية على الجغرافيا والتاريخ والهوية، في شكل تكتلات بإمكانها التصدي لمختلف التحديات التي تهدد الدول، بخاصة الأفريقية والعربية، في وضع دولي يشهد متغيرات بشكل متسارع.
لعب أدوار محورية
وفي السياق، يرى أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، محمد أبو الفضل بهلولي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الجزائر الجديدة تسعى إلى لعب أدوار محورية على المستويين الأفريقي والعربي في إطار الشرعية الدولية والهياكل الأفريقية، إذ تسعى إلى تحقيق اندماج القارة الأفريقية مع العالم العربي ضمن سياق تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، أي التكامل الإقليمي.
ويقول إن الجزائر تعمل على البحث عن توافق منسجم بين القارة الأفريقية والدول العربية، بخاصة مع التغيرات العالمية الجارية، من أجل زيادة النمو الاقتصادي بما يحقق الرفاهية بين المجموعتين على غرار إنشاء سوق مشتركة بين أفريقيا والمنطقة العربية.
ويواصل بهلولي أن الجزائر لديها مصداقية في العمل الدبلوماسي، لا سيما أنه في السياسة يعتمد التكامل والاندماج على حسن النية في التعامل مع الدول والاحترام الشديد للسيادة وعدم التدخل في شؤون الغير، إضافة إلى علاقات الصداقة منذ الحركات التحررية.
وختم أن البناء الديمقراطي الداخلي للجزائر ينعكس على السياسة الخارجية ويقابله نمو وتطور في المجال الاقتصادي.
تحقيق تنمية مستدامة
من جهة أخرى، وضمن الحيوية التي يشهدها الاقتصاد الجزائري، اعتبر رئيس الكنفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل، سامي عاقلي، أن دور المؤسسات المحلية يتمثل في ضمان الإمداد المنتظر للسوق، والالتزام بالأعباء التي يمليها واجب التضامن الوطني ودعم فئات المجتمع الهشة، مشيراً إلى أهمية مواكبة توصيات الرئيس عبد المجيد تبون في إطار مخطط الإنعاش الاقتصادي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إن "الرفع من مستوى أداء مسار اقتصادنا سيتحقق بالأساس عبر إرساء قواعد اقتصاد قوية ومواكبة التكنولوجيا الحديثة"، داعياً إلى ضرورة الابتعاد تدريجاً عن الاعتماد على عائدات المحروقات والاقتصاد الريعي، والذهاب إلى برنامج يسهم في النجاعة الاقتصادية لتحقيق تنمية مستدامة واقتصاد بمعايير دولية.
وأضاف عاقلي أن "تحدي التخلص من استمرار تبعيتنا للمحروقات وتنويع الصادرات لا يمكن خوضه إلا في ظل منظومة تنافسية مستقرة تشريعياً وتنظيمياً مع استحداث مناخ أعمال محفز وجذاب للاستمرار".
شمال أفريقيا
ويعتقد الباحث الأكاديمي في إدارة الأعمال، أنور سكيو، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن تصريح بن عبد الرحمن بشأن رؤية الجزائر الاستشرافية يصب في مسار ومساعي الحضور الجزائري الإقليمي في شمال أفريقيا، بما يخدم ويعزز الاستقرار والرفاه والرقي للمنطقة في ظل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بامتياز، مضيفاً أن تحقيق ذلك يتم بالعمل على ترسيخ السياسات المشتركة مع كل الأطراف الصديقة التي تشارك الجزائر النظرة الاستشرافية نفسها.
ويتابع سكيو أن ما سبق ذكره يندرج بالتزامن مع سعي الجزائر إلى تفعيل الموارد الداخلية بشقيها البشري والمادي، ما يؤكد التوجه الواضح إلى بسط توليفة اقتصادية واستثمارية متجددة تتماشى مع طموحات المشهد العالمي الذي يعالج أخيراً موضوع المناخ والبيئة من جهة، ويواكب فرص إقامة وإطلاق مصادر طاقة متجددة تنوب عن مصادر الغاز والمحروقات بخطط متوسطة وطويلة المدى من جهة أخرى.
تناقض
من جانبه، يعتبر الناشط السياسي، مراد بياتور، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هناك ميزة أصبحت علامة تشترك فيها الحكومات المتعاقبة على الجزائر منذ الاستقلال، وهي تناقض التصريحات الحكومية مع الواقع، وهذا من تداعيات الشعبوية والارتجالية في تسيير الشأن العام، مشيراً إلى أنه دائماً ما تكون التصريحات مجرد شعارات جوفاء للاستهلاك الإعلامي، وهذا راجع لافتقاد نظرة استشرافية ضمن مخطط تنموي متكامل واستراتيجية على المدى القصير أو المتوسط أو البعيد.
وأضاف أن التكتل الوحيد الذي تنتمي إليه الجزائر على المستوى الإقليمي هو "اتحاد المغرب العربي"، الذي لم يجتمع رؤساء دوله الخمس منذ عام 1994.
ويشدد بياتور على أن الجزائر البلد الوحيد الذي لا ينتمي إلى تكتل اقتصادي آخر، حيث نجد الدول الأربع الأخرى المشكلة لهذا الاتحاد أعضاء في مجموعة دول الساحل والصحراء التي تضم 29 دولة.
وختم أنه "على بلادنا التفكير والعمل جدياً في إنشاء تكتل اقتصادي لدول شمال أفريقيا والساحل".