Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ظاهرة الهجرة تحرج سلطات إقليم كردستان

ارتفاع نسبة اللجوء بشكل غير مسبوق في الأشهر الخمسة الأخيرة... وسوء المعيشة يدفع آلاف الأكراد للسفر سنوياً

ضباط حرس الحدود البولنديون يقفون إلى جانب مجموعة من المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا (رويترز)

حمل نواب ونشطاء أكراد سلطات إقليم كردستان مسؤولية تفاقم ظاهرة الهجرة، جراء سوء الأوضاع المعيشية و"غياب العدالة"، وفي وقت اعتبرت الحكومة إفادات المهاجرين بأنها "غير واقعية"، حذرت من استغلال "تجار السياسة" الملف بغية الإساءة لسمعة الإقليم.

ومنذ نحو شهر يعاني اللاجئون، ومعظمهم من الأكراد في بيلاروسيا على الحدود مع بولندا، ظروفاً صعبة ومصيراً مجهولاً، إذ ترفض سلطات الأخيرة فتح الحدود أمامهم للتوجه نحو بلدان اللجوء.

أرقام متضاربة

وتتضارب البيانات حول أعداد اللاجئين العالقين، إذ قدرت جمعية "اللاجئين الكردستانية" عدد العالقين بنحو أربعة آلاف، كانوا غادروا الإقليم قبل بضعة أشهر بواسطة تأشيرات دخول سياحية رسمية وطرق غير رسمية، في وقت أكدت وسائل إعلام ومسؤولون بولنديون أن نحو 1200 لاجئ يحملون جواز سفر عراقياً، ومعظمهم من الأكراد، يوجدون في الأراضي البولندية، وقدرت عدد العالقين عند الحدود مع بيلاروسيا بين ثلاثة وأربعة آلاف لاجئ.

ويتمتع الإقليم الكردي شبه المستقل عن بغداد باستقرار أمني وخدمي بالمقارنة مع بقية المناطق العراقية، لكنه واجه أزمات منذ عام 2014، عقب سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات واسعة من العراق، وهبوط غير مسبوق في أسعار النفط، وتداعيات خوضه استفتاء للانفصال، لتعمق من أزمته الاقتصادية وعجز السلطات عن دفع مرتبات الموظفين، وتراجع في الخدمات مع ارتفاع في الأسعار وانتشار البطالة، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي، وتخللت هذه المدة موجات من التظاهرات احتجاجاً على سوء المعيشة.

وقال الناشط محمود ياسين كوردي إنه "يجري اتصالات بشكل يومي مع هؤلاء اللاجئين، وتبلغ أعدادهم نحو ثلاثة آلاف شخص، 80 في المئة منهم أكراد، ولأول مرة نجد أن هناك أسراً قادمة من محافظة دهوك بعد أن كانت ظاهرة الهجرة تنحصر على أربيل والسليمانية، معظمهم حصلوا على تأشيرات سياحية، وهناك من اجتاز البحر والطرق البرية"، مشيراً إلى "أنهم يعانون أوضاعاً سيئة للغاية".

ومن المقرر أن يتم، الأسبوع المقبل، نقل جثماني اثنين من اللاجئين الأكراد إلى الإقليم، حيث توفي أحدهما جراء سوء حالته الصحية عند الحدود البولندية البيلاروسية، فضلاً عن وفاة طفل رضيع.

وكان أحد اللاجئين عبر في مقطع فيديو عند الحدود البولندية، ويدعى محمد رسول، عن استعداد حكومة الإقليم لإعادتهم إلى الديار، متحدثاً باسم اللاجئين قائلاً، "نحن في كردستان، كنا في سجن، ويريدون مجدداً أن يعيدونا إليه"، ودعا إلى "إيصال صوت اللاجئين إلى المنظمات الدولية ووسائل الإعلام، بأنهم لا يريدون العودة".

وقد خصص مجلس الوزراء العراقي 200 ألف دولار كمساعدة طارئة لأزمة اللاجئين، من ضمنها إعادة من يرغب بالعودة إلى البلاد.

أسباب الظاهرة

وتباينت ردود الأفعال في الوسط السياسي الكردي حول الدوافع الحقيقية لـ"الهجرة الجماعية" كما وصفتها النائبة في برلمان الإقليم كولستان سعيد محمد، وقالت، "الشباب يعانون منذ سنوات البطالة واليأس من المستقبل جراء الأزمات المتتالية وغياب العدالة والقانون والفشل الحكومي في تأمين عيش كريم من النواحي كافة، آلاف الأجانب يتحصلون على فرص عمل، بينما أبناء الإقليم يتحسرون، فالقطاع الحكومي أوقف التعيينات، أما القطاع الخاص فإنه محصور بالحزبين الحاكمين اللذين يحصران فرص العمل بمناصريهما".

ويتولى الحزبان الكرديان الرئيسان "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" الذي كان يتزعمه الراحل جلال طالباني، إدارة الإقليم منذ انتفاضة الأكراد عام 1991 ضد نظام صدام حسين.

وشددت محمد على أن "نواباً طرحوا مراراً مقترحات لوضع الحلول الكفيلة بالحد من خطورة هذه الظاهرة، من دون آذان مصغية، لقد تحمل شعب الإقليم لكي يحافظ على الكيان الذي يتمتع به، وتحمل معاناة قطع الرواتب من قبل بغداد واضطر إلى بيع ممتلكاته لتأمين لقمة عيشه من أجل صون هيبة حكومته". واستدركت، "لكن المواطن يبحث عن إجابات حول أسباب أزماته، على الرغم من توافر كل هذه الثروات الطبيعية وغيرها، لماذا لا تستطيع الحكومة إدارة شعب لا يتجاوز ستة ملايين فرد؟ وهذا دليل على التقصير".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانتقدت كولستان سعيد محمد، وهي نائبة عن كتلة حركة "التغيير" المشاركة في الائتلاف الحكومي، السياسة الاقتصادية للحكومة متسائلة، "لماذا تم نسف البنية التحتية، في السليمانية وحدها، كان لدينا خمسة معامل كبيرة لصناعة السكر والتبغ والألبسة، كلها تم بيعها، التي كانت تؤمن مصدر عيش لآلاف المواطنين". وأضافت أن "الحكومة الحالية تشكلت رافعة شعار الإصلاح ولم نتلمس أية نتائج، لو تم إبعاد تجار السياسة عن الإدارة وإنهاء استغلال السلطة وتنظيم المؤسسات والقضاء على الفساد، كان بالإمكان إيجاد الحلول، وكذلك، تنظيم القطاع الخاص وفق قوانين وضوابط تضمن حقوق العامل، فإنه حتماً لن يركز على التعيين في القطاع العام".

اتساع الفارق الطبقي

ويتفق الناشط محمود كوردي مع النائبة في برلمان الإقليم على أن دوافع الهجرة في غالبيتها ناجمة عن سوء المعيشة، وقال، "معظم المهاجرين يهربون من الظروف الاقتصادية المزرية والإحباط من المستقبل، الفجوة الطبقية في اتساع مطرد، مشهد تزايد مشاريع بناء العمارات والأبنية الراقية يعطي طابعاً للزائر عن مدى الرخاء في الإقليم، في حين أنه لثام يخفي الحقيقة، إذ بحسب هيئة الاستثمار، فإن 82 في المئة من الذين يشترون الشقق والمنازل ضمن عموم المشاريع السكنية المتنوعة هم من العرب العراقيين، وهذا ليس معيارًا للمستوى المعيشي الحقيقي للمواطن الكردي".

 ويعتقد كوردي أن "أسباب الإحباط متعددة، منها فقدان الثقة بإجراء تغيير عبر الانتخابات، وعدم حصول انتعاش على الرغم من تصاعد أسعار النفط لمستوى قياسي، في مقابل زيادة الضرائب من دون مسوغات قانونية، وتأخير مستمر في دفع المرتبات"، وزاد أن "مسألة الحريات تلعب دوراً مهماً، خصوصاً بعد اعتقال العشرات من الصحافيين والنشطاء المدنيين بتهم مختلفة وسلسلة محاكماتهم ما زالت جارية، وما سبقها من قمع للمتظاهرين، واليوم يتعاظم اليأس عندما يعلن طالب اجتاز مرحلة الإعدادية بمعدل 95 من دون أن يتم قبوله في الجامعة الحكومية، وعليه أن يتجه إلى جامعة خاصة يمتلكها المسؤولون لدفع مبالغ طائلة، وهذا ما يحصل أيضاً في القطاع الصحي، إذ يتم استغلال المريض من قبل المستشفيات الخاصة، في ظل فقدان الثقة بنوعية الأدوية وصلاحيتها".

تسييس الملف

في المقابل، قللت الحكومة من "التهويل" الإعلامي في تناول الملف، وقال الناطق باسمها، جوتيار عادل، خلال مؤتمر صحافي عقده، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، عقب اجتماع مع الوزارات والمؤسسات المعنية، إن "الهجرة مسألة طبيعية وعالمية، وقد اجتاحت بلدان الشرق الأوسط من ضمنها الإقليم والعراق، وإذا ما قارنا بين الإقليم وبلدان المنطقة، فإن الوضع هنا أفضل بكثير، وبالطبع سنتعامل معها بكل مسؤولية وسندرسها".

من جانبه، قال مسؤول مكتب العلاقات الخارجية في الحكومة، سفين دزيي، إن "هناك من يتاجر بالسياسة والإنسان في كردستان للإساءة الى سمعة الإقليم، وتعمل مافيات وعصابات ومهربون على المتاجرة بملف الهجرة، والشعب أصبح ضحية هؤلاء". واصفاً أوضاع اللاجئين بأنها "كارثية"، وحمل "حزب العمال الكردستاني مسؤولية هجرة مواطني الإقليم من المناطق التي ينشط فيها على حدود محافظة دهوك ومنطقة رابرين (الحدود مع تركيا وإيران)، ما سبب بعرقلة المشاريع الاستثمارية".

يذكر أن الجيش التركي ينفذ هجمات وعمليات قصف شبه يومي لملاحقة مسلحي حزب "العمال" الذي يتخذ من سلسلة جبال قنديل ضمن حدود الإقليم معقلاً له منذ عقود.

من جهته، أشار منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان، ديندار زيباري، إلى أن مشكلة المهاجرين "ليست وليدة اليوم، بل إن دولاً عدة، ومنذ سنوات، تستخدم هذا الملف كورقة ضغط سياسي ضد بعضها بعضاً، وهذا حصل بين دول الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة"، مبيناً أن "المهاجرين أعطوا إفادات غير واقعية بشأن الإقليم لكي يحصلوا على إقامات، وتم استغلالهم من قبل تجار السياسة للإساءة إلى سمعة الإقليم، وكذلك من قبل المهربين بهدف المال".

تهرب حكومي

ورد النائب البارز علي حمه صالح عن كتلة حركة "التغيير" في منشور عبر صفحته في "فيسبوك" قائلاً، "لماذا تتهرب الحكومة من الإقرار بغياب العدالة، ونهب الموارد في المعابر والأراضي والنفط، واحتكار السوق والجيش والقضاء، وافتتاح مئات المقار والمؤسسات الإعلامية بالمال العام". وأكد أنه اعترض على "وفد برلماني إلى بيلاروسيا وبولندا، لأن لا المشكلة ولا الحل يكمن هناك، بل هي نتيجة الظلم، ويتوجب على البرلمان التحقيق في هذه المظالم باعتبارها سبباً للهجرة، سبق وحذرنا مراراً لوقفها، فالبرلمان لا يستطيع إطفاء النيران لينشغل بالدخان، ويبدو أن البرلمان هو جزء من مسببات اليأس السائد".

من جهته قال زعيم "جماعة العدل" الإسلامية المعارضة بزعامة علي بابير إن "مشاهد مئات من الشباب الكردي في بلدان اللجوء، الذين غادروا البلاد مضطرين نحو المجهول، سببه ظلم وفساد وعدم شعور سلطات الإقليم بالمسؤولية".

في المقابل نقلت وسائل إعلام مقربة من حزب بارزاني عن القيادي السابق في حزب "الاتحاد الإسلامي" قوله إن "بعض الناس لا ينقصهم شيء ويعيشون حياة ميسورة، وعلى الرغم من ذلك هاجروا، ولدي نماذج من أقربائي، ومن الخطأ تسييس الأزمة، وهذا الملف ليس وليد اليوم، وعلى المعارضة ألا تحمل السلطة المسؤولية كل المسؤولية"، داعياً "الجميع إلى المشاركة في الوقوف على أسباب الظاهرة، وإيجاد الحلول لها".

وتبحث حكومة وبرلمان الإقليم والجهات ذات العلاقة في ظاهرة هجرة الشباب، بعد تشكيل لجنة برلمانية كلفت مهمة السفر إلى بولندا للوقوف على معاناة هؤلاء اللاجئين، في وقت عقد عدد من وزارات حكومة إقليم كردستان اجتماعاً لبحث ظاهرة هجرة الشباب إلى خارج البلاد.

وكان رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني وجه بياناً للاجئين الأكراد قال فيه، "أدعوكم إلى عدم قطع صلتكم بوطنكم، ليس من أجلي أو من أجل أي شخص آخر، لأنكم وحدكم أصحاب هذا الوطن، إلى أين تذهبون؟"، "أنتم مستقبل هذه البلاد وأنتم قادته المستقبليون، لا وطن يضاهي وطنكم، وعلينا أن نعتز ونحب وطننا كمحبتنا لأمهاتنا"، وتابع، "أنا متفائل بمستقبل كردستان، مشكلتنا هي ما يتم الترويج له من ثقافة بأن هذا الوطن أصبح ملكاً لفلان، ليشعر الشاب بأنه لم تعد له مكانة فيه وعليه المغادرة، ما خلق يأساً في نفس الشاب".

13 في المئة

ويشير أحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي إلى تجاوز نسبة البطالة في العراق 13 في المئة، وهي أعلى نسبة منذ عام 1991، في وقت تقر وزارة التخطيط العراقية بأن نسبة الفقر في البلاد تتجاوز 31 في المئة، في ارتفاع مخيف بالمقارنة مع عام 2018 التي كانت لا تتجاوز 20 في المئة، وتعزو الأسباب إلى خفض قيمة الدينار العراقي وتداعيات فيروس كورونا.

ويشهد العراق زيادة سكانية سريعة بمعدل مليون فرد في كل عام وفقاً لبيانات حكومية، ويشكل الشباب النسبة الأعلى، الذين يعانون غياب فرص العمل، من ضمنهم آلاف يتخرجون سنوياً في مختلف التخصصات الدراسية.

وكان تقرير صدر عن منظمة الأغذية العالمية صنف العراق ضمن سبعة بلدان اعتبرتها الأشد جوعاً في العالم.

المهاجرون... ضحايا

ولفت رئيس منظمة القمة لشؤون اللاجئين والنازحين، ومقرها كردستان، أري جلال، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، عن أعداد المهاجرين، إلى أنه لا توجد أرقام وبيانات موثقة، ولكن، حسب التقارير الواردة من المهاجرين، ووسائل إعلام، تتراوح أعدادهم بين 3000 و4000 داخل بيلاروسيا، وعلى حدودها مع بولندا، كما أن هناك نحو 1200 مهاجر في مخيمات داخل بولندا.

وعن دوافع وأسباب ظاهرة الهجرة من الإقليم، قال جلال إن هناك دوافع جوهرية، منها انعدام العدالة الاجتماعية، والاستقرار الأمني والسياسي، والفساد المالي والاقتصادي، وكذلك انعدام الثقة بين المواطن والحكومة، والتأخر في دفع الرواتب واستقطاع جزء منها، وعدم استقلالية القضاء والتدخل في شؤونه واستخدامها لصالح الأحزاب المسيطرة على السلطة. وتابع جلال أن من الدوافع وراء الهجرة أيضاً محاسبة أصحاب الآراء المخالفة للسلطة، وتحويل الأمر إلى قضية سياسية وأمنية، فضلاً عن خصخصة مؤسسات الدولة المعنية بتوفير الخدمات العامة للمواطنين، ولا سيما (الماء والكهرباء والاتصالات، وغيرها)، وكذلك تدخل الدول المجاورة ووجودها العسكري داخل الإقليم.

وتحدث رئيس منظمة القمة لشؤون اللاجئين والنازحين أيضاً عن أسباب دولية منها منح سمات الدخول من قبل بيلاروسيا للعراقيين بشكل كثيف، ومن دون قيود، من خلال قنصليتها في العراق، وسفاراتها في الدول المجاورة منها تركيا والإمارات وإيران.

وإذ لفت إلى ارتفاع نسبة الهجرة في الأشهر الخمسة الأخيرة بشكل غير مسبوق لعدم حصولهم على تأشيرات دخول إلى بيلاروسيا، شدد جلال على أن المهاجرين الأكراد والعراقيين هم ضحايا ووسائل ضغط لتصفية صراعات دولية منها الصراع بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي.

المزيد من تحقيقات ومطولات